تلقى الرئيس جمال عبدالناصر، تقريرًا من محمد أحمد صادق الملحق العسكرى لمصر فى ألمانيا الغربية «وزير الحربية من مايو 1971 إلى أكتوبر 1972»، بأن الحكومة الألمانية تمد إسرائيل سرًا بأسلحة ضخمة، تشمل دبابات وسيارات ومدافع وزوارق بحرية سريعة، وحسب مذكرات «صادق»، إعداد عبده مباشر، فإنه توصل إلى هذه المعلومات من مصادره الخاصة التى كونها داخل المجتمع الألمانى منذ شغله منصبه فيها عام 1962، وأحدث التقرير عاصفة مدوية انتهت بقطع العلاقات بين ألمانيا الغربية ومصر ودول عربية أخرى يوم 13 مايو 1965.
كانت ألمانيا وقتئذ ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية دولتين «ألمانيا الغربية» التابعة للكتلة الغربية بزعامة أمريكا، وألمانيا الشرقية التابعة للكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتى، وسعى الجزء الغربى لعدم اعتراف العالم بالجزء الشرقى، وحصره فقط فى الكتلة الشرقية، وفقًا لمحمد حسنين هيكل فى كتابه «عبدالناصر والعالم»، مشيرًا إلى أن عبدالناصر بعد تلقيه هذا التقرير استخدم ورقة الاعتراف بألمانيا الشرقية، وقرر تحويل زيارة «طبية» لرئيس ألمانيا الشرقية «أولبرخت» إلى أسوان للاستشفاء إلى زيارة رسمية، فغضب ألمانيا الغربية يوم 28 يناير 1965، واستدعى مستشارها «إيرهارد» مجلس وزرائه إلى اجتماع خاص، وأصدر بيانًا يستنكر فيه هذه الزيارة.
طرح عبدالناصر القضية فى خطابه يوم 8 مارس، مثل هذا اليوم، 1965، أمام المؤتمر الشعبى بأسيوط قبل الاستفتاء على انتخابه رئيسًا، وفقًا للمجلد الرابع للأعمال الكاملة لجمال عبدالناصر، إعداد «هدى عبدالناصر».. قال: «هناك محاولات استعمارية لتقوية إسرائيل سياسيًا واجتماعيًا وعسكريًا واقتصاديًا.. إسرائيل فى العشر سنين اللى فاتت أخذت من ألمانيا الغربية 3700 مليون دولار، يعنى فى اليوم أكثر من مليون دولار، معونة.. بقشيش.. طيب ليه بتدى إسرائيل من دون الدنيا كلها هذه الأموال؟. بيقولوا إن اليهود فى الحرب العالمية الثانية قاسوا من ألمانيا.. طيب اليهود بس قاسوا من ألمانيا.. التشيك قاسوا.. اليوغسلاف قاسوا.. الفرنساويين قاسوا.. إذًا فيه محاولات وفيه ضغط لتقوية إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا. أعداؤنا الاستعمار وإسرائيل والرجعية متحالفون، إسرائيل تحصل على الأسلحة بسهولة، وتحصل على الأسلحة سرًا، ألمانيا الغربية تضحك لنا وبيجوا يطبطبوا علينا، ويقولوا عايزين قروض احنا مستعدين نتفق معاكم، فى نفس الوقت تتجلى سياسة ألمانيا الغربية الاستعمارية فى أنهم يطعنونا بخنجر فى ظهرنا، بمد إسرائيل بالسلاح، اتفقوا معاهم سنة 1962، وأدوهم مدافع، ومدافع مضادة للدبابات وأسلحة، وفى سنة 64 اتفقوا معاهم يدوهم وفقًا لمعلوماتنا الأكيدة 300 دبابة، أخذوا منها 60 دبابة، وبعد كده لما حصلت الأزمة بيننا وبين ألمانيا الغربية توقف تسليم هذه الأسلحة، ولكن هل سكت الاستعمار؟. أبدًا ماسكتش، برضه هيحاول بوسيلة أو بأخرى إنه يسلح إسرائيل، ويستند الاستعمار فى هذا على الرجعية فى البلاد العربية».
وأضاف: «امبارح طلعوا بيان، وقالوا فيه.. إن حكومة ألمانيا الغربية تعلن أنه دعوة أولبريخت إلى الجمهورية المتحدة واستقباله، يعتبر استفزازًا لألمانيا، وإن العلاقة بين الجمهورية الفيدرالية- يعنى ألمانيا الغربية- والجمهورية العربية المتحدة توترت إلى درجة شديدة، ويجب على كل الدول العربية أن تعلم أنه بعد زيارة أولبراخيت، فإن سياسة الرئيس عبدالناصر تتعمد أن تعوق أوحتى تقضى على الصداقة التقليدية، التى دامت طويلًا بين كل العالم العربى وألمانيا، وأن الحكومة الفيدرالية الألمانية- يعنى ألمانيا الغربية- تأسفت لهذا التطور من جانب الرئيس عبدالناصر، الذى يمنح النفوذ الشيوعى يدًا طليقة فى المنطقة العربية».
وعلق عبدالناصر: «أنا مشافتش ناس بهذه البجاحة فى الدنيا.. قال جمال عبدالناصر هو اللى هيعرض الصداقة بينهم وبين البلاد العربية للخطر.. جمال عبدالناصر بهذا هيمهد للشيوعية، أنا بأقول إن الألمان الغربيين دول طلعوا أكبر استعماريين.. كانوا ساهيين.. ماكانوش باينين.. كانوا بيحاولوا يضحكوا على الناس.. والاستعمار الجديد هو ألمانيا الغربية لأن الناس الكدابين.. الناس اللى يكدبوا علينا ويقولوا لنا إنهم مابيدوش أسلحة لإسرائيل، وهم بيدوا لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكونوا عندهم شرف أو ذمة أوضمير.. إحنا كنا بنتعامل بمنتهى الصداقة وقفنا معاها سنة 61 فى مؤتمر عدم الانحياز، وتكلمنا على الشعب الألمانى ووحدة الشعب الألمانى وصداقة الشعب الألمانى، ووقفنا السنة اللى فاتت فى مؤتمر عدم الانحياز، وتكلمنا فى شهر سبتمبر عن الشعب الألمانى وصداقة الشعب الألمانى، ونقول لهم إن إحنا بتجيلنا معلومات إنكم بتدوا أسلحة لإسرائيل، يقولوا أبدًا، هما فى شهر سبتمبر بالذات اتفقوا مع إسرائيل علشان يسلموهم 300 دبابة.. قال زيارة أولبراخيت هى اللى هتعرض الصداقة الألمانية العربية للخطر، أنا بقول إن الأعمال الخسيسة التى قامت بها حكومة ألمانيا الغربية الاستعمارية هى اللى عرضت الصداقة العربية الألمانية للخطر، أنا باقول إن أعمال الغدر والخيانة قامت بها ألمانيا الغربية ضد الأمة العربية كلها.. ادت إسرائيل أسلحة.. ادتها طيارات، ودبابات علشان تموت العرب، هو ده اللى أثر على الصداقة بين العرب وألمانيا الغربية».