دولة الإنشاد فى مصر.. مراسيل السماء وصيادو الأرواح.. ياسين التهامى "ظاهرة الشرق" صاحب صوت فضفاض وموسيقى أكبر من الشعر.. أمين الدشناوى"ريحانة المداحين" مدح بأكبر مسارح باريس.. والنقشبندى مولانا الذى نق

يقولون إن «اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى»، لكنه فى الحقيقة كان ورعا وتقيا، فأينما وليت وجهك ستجد أثرا للدين على وجه مصر، وفى أرواح ناسها، ولا يمكن اختزال ذلك فى أن بناة مصر الأوائل كانوا متدينين فقط، وإنما فى الحقيقية كانوا محبين للإله وهائمين فى رحابه، حتى تفجر هذا الهيام على ملامحهم وفى أرواحهم وحناجرهم، فكانت دولة الإنشاد الدينى، التى بدأت مع ابتهالات الكهنة فى المعابد القديمة، عبورا بالترانيم والأناشيد والصلوات المسيحية، وصولا إلى بحيرة الندى الوسيعة التى فجرها صيادو الموسيقى والجمال. فى مصر دولة كاملة من الإنشاد، بدأت قبل قرون بعيدة، وتشكلت دعائمها من الحناجر والأرواح الهائمة، حتى أصبح لها حكامها وشعبها وساحاتها ومؤسساتها، وعمادها الذى يقوم على المحبة والأصوات الجميلة، واستقرارها الذى يؤسسه القبول الشعبى والتوحد مع تلك الأجواء الروحانية، حيث التواشيح والمدائح والسماح وطلب النجدة والوصل، ولا يتوقف ذلك على المناسبات الصوفية وموالد الأولياء فقط، وإنما يحضر كطقس دائم فى حياة المصريين، بدءا من ابتهالات الفجر فى مطلع كل يوم، مرورا بالأفراح والليالى والمناسبات الاجتماعية. فى تلك المساحة المفتوحة على الروحانية والجمال، نستعرض جانبا من دولة الإنشاد الدينى، تلك الدولة العتيدة صاحبة الرصيد الجمالى الضخم، والأثر النفسى الذى لا حد له، والتاريخ الطويل الذى يصعب رصده والإحاطة به كاملا، لكن الوصل على قدر المحبة، وأن تقف على جانب من حديقة الروح، أفضل من أن تضيعها كاملة، لذا اخترنا أن نضع قدما فى تلك الدولة عبر باقة من أينع أزهارها وأكثرها عبقا. غابة واسعة ومزدحمة من أساتذة ترويض الأرواح وتقطير الندى فى الأسماع، طابور طويل من الأساتذة والأسطوات الذين تأسس فن الإنشاد الحديث على أكتافهم، وأخذ طابعه وروحه المعروفين من جلالهم وسموّ أرواحهم، حتى أصبحوا باقة ورد متجانسة رغم اختلاف مدارسهم وألوانهم وروائحهم، ولأن كل من عبروا على تلك الحديقة تركوا طرفا من أرواحهم، فإن فى كل روح منهم حرفا من تاريخ دولة الإنشاد وبقعة من جغرافيتها الشاسعة، وإنما نقترب من تلك الأسماء التى اخترناها فى الملف، كما يقترب الصياد من طريدته، وفى روحه كل تواريخ الصيادين وفرائسهم، وكل من أكلوا وشربوا وامتلأت أرواحهم من تلك المطاردات الأزلية التى لن تنتهى. أحمد التونى..فلامنكو صوفى.. شارك فى مهرجان فريبورغ الدولى للموسيقى الروحانية بسويسرا من خلال حفل أحياه فى كنيسة دى كولاج - سان ميشال بمسبحة خشبية ذات 99 حبة، وكأسٍ زجاجى صغير، وميكروفون أمامه، ومن خلفه فرقة موسيقية تضم آلات بسيطة جدًا، يجذب ذلك الرجل الصعيدى نحيل الجسد، قلوب وأسماع المئات، بمجرد أن تلامس مسبحته الكأس الزجاجية فى حركات إيقاعية وموسيقية تتناغم من الموسيقى الصوفية التى تنسجها الفرقة، دون أن تسبقها أو تحيد عن اللحن. إنه الشيخ أحمد التونى، أحد أعمدة الإنشاد الصوفى فى مصر والوطن العربى، المولود عام 1932 فى قرية الحواتكة بمحافظة أسيوط، هذه القرية التى تشتهر بكثرة أضرحة أولياء الله الذين تقام لهم احتفالات على مدار العام يحييها كبار المنشدين والمدّاحين، فنشأ الطفل وسط أجواء من الروحانية والصوفية الممتزجة بمديح آل البيت، فأحب الصوفية وآل البيت وأحب مدحهم، إلى أن ذاع صيته فى أرجاء الصعيد وباقى محافظات المعمورة. كان «التونى» ينشد بالفطرة مرتجلاً دون ألحان، إلى أن أدرك أهمية الموسيقى للإنشاد الصوفى، فكان يقول عنها: «تجلب الجمهور، وتقرب المعنى، وتطرب النفس، وترقق المشاعر، وتؤدى إلى أن يسود سهرات الإنشاد الصوفى نوع من الصفاء والحب، والإبداع والتشويق». سهرات الشيخ التونى كانت يضرب بها المثل فى قوة الشيخ وإبداعه، فقد كان يظل ينشد فى الموالد لمدة تتجاوز 6 ساعات بنفس أداء وروح أول دقيقة، وكان حريصا على المشاركة فى إحياء موالد وذكرى آل البيت والأولياء فى جميع المحافظات. جاب التونى ينشد أشعار أقطاب الصوفية بأدائه المتفرد فى العديد من دول العالم، غير أنه يمكننا القول بأن شهرته العالمية ذاعت أكثر عام 2008 حينما شارك فى مهرجان فريبورغ الدولى للموسيقى الروحانية بسويسرا من خلال حفل أحياه فى كنيسة دى كولاج/ سان ميشال، وأبدى الحضور انبهارا وإعجابا شديدين بأداء التونى، رغم عدم إتقانهم أو معرفتهم حتى باللغة العربية. وفى يوم 17 مارس 2014، انفرطت حبات المسبحة وكسرت الكأس، حيث شيع الآلاف من أهالى قرية الحواتكة فى أسيوط، جثمان الشيخ التونى إلى مثواه الأخير، تاركا خلفه رصيدا هائلا ومدرسة فريدة من مدارس الإنشاد الدينى الصوفى. أحمد الكحلاوى.. الخبير الوطنى فى الإنشاد الدينى.. أسس أكبر فرقة للإنشاد فى الشرق الأوسط مكونة من 160 فردا حمل على عاتقه ميراث والده فى فن الإنشاد الدينى، رغم كونه أصغر أخوته، إلا أنه أبى إلا أن يحمل تراث والده شيخ المدّاحين، خاصة أن والده كان قد غرس فيه وفى إخوته حب النبى وآل بيته، فأصبح خير خلف لخير سلف. إنه أحمد محمد الكحلاوى، الابن الأصغر للشيخ محمد الكحلاوى «شيخ المدّاحين»، الذى التحق فى سن مبكرة للعمل فى الكورال الخاص بفرقة والده، فأصبح قريبًا منه بشكل كبير جدًا، يستغل كل لحظة لينهل فيها من بحر فن والده الذى لا ينضب أبدًا، حتى شربه كله إلا أنه ترك الإنشاد الدينى وهاجر خارج البلاد واتجه للغناء البدوى والعاطفى، بعد وفاة والده عام 1982 الذى أثر فيه كثيرًا. مرة أخرى عاد نجل شيخ المدّاحين، إلى البلاد بعد 8 سنوات قضاها فى سويسرًا، متخذًا قرارًا بإحياء تراث وفن والده من جديد فأسس أكبر فرقة للإنشاد الدينى فى الشرق الأوسط، مكونة من 160 فردًا، وظل يصول بها ويجول محافظات مصر ينشد الأناشيد الدينية بأسلوب جديد مزج فيه بين أسلوبه وأسلوب والده. فى عام 2014 خرج الكحلاوى على المعاش، ومنحه رئيس الوزراء وقتها لقب الخبير الوطنى فى الإنشاد، وبعدها تفرغ لعمل دراسات عن الإنشاد الدينى، إلى أن حصل من جامعة كامبريدج على ما يعادل الدكتوراه الفخرية فى سرد سيرة النبى بطريقة تربوية حديثة. فى حوار سابق للدكتور أحمد الكحلاوى مع «انفراد»، قال إنه يتمنى إنشاء فرقة قومية للإنشاد الدينى، على غرار فرقة أم كلثوم وغيرها، وأتمنى أن يكون اسمها «شيخ المداحين محمد الكحلاوى»، لأن والده هو من شكل وجدان الأمة بالصلاة على النبى وعلم الآلاف وصاحب جامعة فى المديح وليست مدرسة». أمين الدشناوى.. ريحانة المدّاحين.. مدح فى أكبر مسارح باريس «شاتيله».. والرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك يكرمه المكان: مسرح دو شاتليه الإمبراطورى فى باريس، الزمان: إبان تولى الرئيس الفرنسى جاك شيراك الحكم للمرة الثانية «2002-2007»، الحدث: لأول مرة فى التاريخ الجميع فى انتظار منشد عربى مصرى يقدم أناشيده على أهم مسرح فى فرنسا. كان الرئيس الفرنسى جاك شيراك، يشارك أكثر من 2000 فرنسى وعربى، انتظار خروج رجل من أقصى جنوب صعيد مصر، جاء خصيصًا إلى باريس لتقديم مديحه، لحظات وخرج الرجل بجلبابه الصعيدية وعمامته البيضاء التى تعلو رأسه، فضج المسرح الذى يتسع لأكثر من 2500 متفرج، بالصفيق حتى بدأ الرجل ينشد ويهيم فى مديح النبى وآل البيت بأشعار وألحان صوفية لا يفهمها أكثر من نصف الحضور، ولكنها تلمس وجدانهم فتهز مشاعرهم هزًا، خاصة بعد إنشاده قصيدة «رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا». انتهى الحفل وصعد الرئيس الفرنسى لتكريم أول المدّاح العربى الوحيد الذى مدح فى أكبر مسارح باريس «شاتيله»، بعد كوكب الشرق أم كلثوم إنه الشيخ أمين تقى الدين محمد الشهير بـ«أمين الدشناوى»، أحد أشهر مداحى الرسول فى مصر والعالم العربى، والملقب بـ«ريحانة المدّاحين». ولد الدشناوى بإحدى قرى مركز دشنا بمحافظة قنا، بدايته الحقيقية فى المديح كانت، كما قال فى حوار سابق لـ«انفراد»، فى العام 1976، وهو طفل صغير، حيث كان يذهب إلى مكان تواجد العمال الذين يعملون على إنشاء مصنع السكر فى دشنا، وينشد لهم مما حفظه من الموالد والليالى التى يحضرها. تأثر الشيخ أمين الدشناوى، بالشيخين محمد أبوالفتوح العربى وأحمد أبوالحسن، وينشد من قصائدهم إلى جانب قصائد أعلام الصوفية، وفى هذا دائمًا ما يؤكد ضرورة أن يكون المداح صوفيًا لكى يغذى روحه، ويستطيع أن ينشد بروحه ليصل للروح، وسافر إلى الكثير من دول العالم خاصة فرنسا والسويد. يشتهر ريحانة المدّاحين بإغماض عينيه أثناء المديح، ويبرر ذلك بقوله: «أرى عالمًا روحانيًا». ياسين التهامى.. ظاهرة الشرق.. صاحب صوت إنسانى فضفاض يستوعب أى إنسان.. وموسيقاه أكبر من الشعر وجه مستدير يميل إلى البياض، وعمامة صعيدية، تدل على أصل وأصالة صاحبها القادم من الجنوب، يؤكد هذه الأصالة جلباب صعيدى، ولهجة لم تتغير ولم تتحور بفعل كثرة زيارته للقاهرة وأسفاره المتعددة للدول العربية والأوروبية، قد تكون بعدد سنوات عمره الذى تجاوز السبعين بأيام قليلة. تتسلسل وتتناغم أشهر القصائد والأشعار الصوفية فى خضم ملامح هذا الوجه الصعيدى، فيمكنك القول أن كل خط من خطوط وتجاعيد الوجه هى فى الأساس قصيدة لابن عربى أو ابن الفارض أو جلال الدين الرومى أو الحلاج التى يحفظها صاحبه عن ظهر قلب بل ويلحنها بألحان كأنها ألفت خصيصًا لهذه القصائد، وينشدها على مسامع المحبين فى كل مرة كأنها تقال لأول مرة. فى اليوم السادس من شهر ديسمبر عام 1949، كانت قرية الحواتكة أشهر قرى محافظة أسيوط على موعد مع مولد علم من أعلام الإنشاد الدينى فى مصر والوطن العربى وفى العالم كله إنه ياسين التهامى حسنين محمد الشهير بـ«ياسين التهامى»، ذلك الطفل الصغير الذى نشأ فى عائلة ينتسب معظمها للطرق الصوفية، فوالده الشيخ تهامى حسنين أحد أقطاب الصالحين بالقرية، فكان لذلك عظيم الأثر فى تكوين عميد الإنشاد الدينى. بدأ الطفل الصغير يحفظ القرآن الكريم، وإتقان اللغة العربية، فى سن مبكرة بعدما بدفع به والده إلى الأزهر الشريف، قبل أن ينقطع عن الدراسة فى الصف الثانى الثانوى عام 1970، لانشغاله بالشعر وشعراء الصوفية، وحفظ الكثير من قصائد كبار شعراء الصوفية، وأتقن تأديتها بأسلوبه الخاص الذى جعله ينافس كبار المنشدين فى ذلك الزمان، فتربع على عرش الإنشاد الدينى فى العالم حتى الآن، ولقب بـ»عميد الإنشاد الدينى». زار «التهامى»، العديد من البلدان الأوروبية والعربية، ونظم فيها مئات الحفلات، وقالت عنه هيئة الإذاعة البريطانية: «إنه صاحب صوت إنسانى فضفاض يستوعب أى إنسان على اختلاف لغته وموسيقاه أكبر من الشعر»، كما قالت عنه الصحف الإسبانية: «ياسين التهامى ظاهرة الشرق»، من أبرز حفلاته فى القارة حفلة فى كبرى كنائس مدريد بإسبانيا، وفاز بعدها بجائزة أفضل منشد فى العالم فى مهرجان القارات الذى أقيم عام 2006. تمتلئ مصر بالكثير من المقامات لآل البيت التى تقام لها احتفالات فى أيام موالدهم، وينتظرها المحبون انتظار المحب لحبيبه بعد طول فراق، ليطربون ويستمتعون بالإنشاد الدينى خاصة فى الليلة الأخيرة التى يحيها الشيخ ياسين التهامى التى يكون فيها فى أكثر حالات التجلى، حيث أكد فى حوار لـ«انفراد»: «أكثر الأماكن التى أرتاح فيها هى على عتبات أسيادنا». إيهاب يونس.. الشيخ المثير للجدل.. «الأوقاف» منعته من الخطابة والدروس الدينية بعد ظهوره فى برنامج تليفزيونى وهو يغنى أغنية «لسه فاكر» لكوكب الشرق فى نهاية أغسطس عام 2017، كان الجمهور على موعد مع فيلم جديد يعرض فى دور السينما المصرية، «فيلم الكنز»، الذى أثار انتباه الكثير لأسباب كثيرة من بينها صوت رخيم وعذب يخترق القلوب قبل الاستماع بغنائه فى خلفية الفيلم، ليتساءل الكثير عن ذلك الصوت، وبعدها بأيام أثار صاحب الصوت جدلًا واسعًا، حينما ظهر فى برنامج تليفزيونى وهو يغنى أغنية «لسه فاكر» لكوكب الشرق أم كلثوم، ولكن هذه المرة بزيه الأزهرى، فما كان من وزارة الأوقاف إلا أن منعته من الخطابة والدروس الدينية. تعاطف مع الشيخ الكثير وتداول قصته المئات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، إلى أن خرج لينهى هذا الجدل والتعاطف ويؤكد اعتذاره لوزير الأوقاف الذى تفهم موقفه وأعاده مرة أخرى للخطابة، إنه المبتهل الشيخ إيهاب يونس. ولع واهتمام الشيخ إيهاب يونس المولود كفيفًا، بالابتهال والمبتهلين بدأ فى سن مبكرة، حسبما أكد فى حوار سابق لـ«انفراد»، فقد كان يدخر مصروفه اليومى وهو فى سن صغيرة ليشترى به شرائط كاسيت للمبتهلين الكبار للاستماع إليهم والتعلم منهم، ألحقته أسرته بالكتاب وأتم القرآن وهو فى سن العاشرة، وتخرج فى جامعة الأزهر. قبل أن يحصل على الثانوية العامة، أراد الشيخ إيهاب يونس، الالتحاق ببطانة الشيخ ممدوح عبدالجليل، وبالفعل ذهب إليه وأنشد أمامه ما يحفظه إلا أن الأخير قال له: «أنت متنفعش معانا»، لكنه لم ييأس وظل على تواصل مع أحد أفراد بطانة الشيخ عبدالجليل، وطلب الانضمام إلى البطانة ليتعلم فقط ووافق الشيخ، وظل معه فى البطانة إلى أن بدأ يدندن أمامه ببعض الأناشيد والابتهالات، حتى فاجأه شيخه بتقديمه فى حفل الإنشاد الدينى بمكتبة الإسكندرية عام 2004. فى عام 2007 كون الشيخ إيهاب يونس فرقته الخاصة، وسافر بها بلدان كثيرة، وشارك فى مهرجان ألف باء فى فرنسا، وحصل على الجائزة الأولى فى مسابقة الموسيقى العربية عام 2009، وفى عام 2010 سافر إلى سوريا لتعلم فنون ومذاقات الإنشاد الدينى، ثم سافر مرة أخرى ليحيى حفلا خاصا به. الشيخ سعيد حافظ.. المطرب المبتهل.. غنى مع محمد الحلو «يا حبيبى كان زمان» فى تسعينيات القرن الماضى فى سبعينيات القرن الماضى، كان الآلاف ينتظرون البرنامج الإذاعى الشهير «على الناصية» الذى كانت تقدمه الإعلامية آمال فهمى، وفى إحدى حلقاته استضافت الإعلامية القديرة شابا ثلاثينيا كفيفا، تحدثت معه عن موهبته فى الغناء والإنشاد الدينى، فكانت الحلقة هى انطلاقته الحقيقية، فحينما سألته الإعلامية عن طموحه فى المستقبل قال:«أتمنى الالتحاق بمعهد الموسيقى العربى»، ففوجئ بالموسيقار أحمد شفيق أبوعوف، يتصل به ويساعده فى الالتحاق بالمعهد. ولد الشيخ سعيد حسن حافظ إدريس المعروف بـ«سعيد حافظ» فى 9 أكتوبر عام 1951 بإحدى قرى محافظة الإسماعيلية، لأسرة ترجع أصولها إلى محافظة سوهاج، وبعد 4 أعوام من ولادته وقع العدوان الثلاثى على مصر، وفى هذه الأثناء راح ضحية هذا العدوان أحد أقاربه وأصيب هو بشظايا فى عينيه أفقدته البصر. أتم حفظ القرآن الكريم فى كٌتاب القرية، قبل أن يتم العاشرة من عمره، وكان يتلو القرآن وهو يقلد كبار المشايخ فى هذا الوقت خاصة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ محمد رفعت. سجل معه التليفزيون حلقة فى برنامج «مواهب»، فأعجب به أعضاء لجنة اختبار المطربين، وأرسلوا إليه ليختبروه ثانية، وبالفعل تم اعتماده كمطرب بالتليفزيون بتاريخ 30 سبتمبر 1973 للاشتراك فى البرامج ذات الطابع الدينى، وبعدها بعام اعتمد مطربًا بالإذاعة. أصر الشيخ على تحقيق حلمه الأكبر بأن يكون مبتهلًا دينيًا، وبالفعل صدر قرار باعتماد الشيخ سعيد حسن حافظ مبتهلًا دينيًا، فى التاسع من نوفمبر عام 1979، وبعدها نقلت الإذاعة أول ابتهال للشيخ من مسجد العارف بالله سيدى سلامة الراضى، وفى فجر 8 يناير 1980، نقلت إذاعة القرآن الكريم، أولى إذاعات الشيخ سعيد حافظ على الهواء من مسجد الإمام الحسين. وفى التسعينيات كان للشيخ الذى توفى يوم 4 يناير 2016، دويتو مع المطرب محمد الحلو لأغنية «يا حبيبى كان زمان»، والذى لاقى نجاحًا كبيرًا. طه الإسكندرانى.. أستاذ الإنشاد.. حمل على عاتقه مهمة تعليم وإخراج جيل جديد من المنشدين ساعدته بيئته المحيطة به وبمكان نشأته على حب آل البيت، ومديح النبى وآله بيته، ففى كل يوم كان يرى الطفل الصغير أمامه عمالقة الإنشاد الدينى يصدحون بمديح النبى وآل بيته فى شوارع حى السيدة زينب، ليس ذلك فحسب، بل إنه حينما يعود إلى منزله يجد والده شيخ المبتهلين فى ذلك الوقت يعقد البروفات الخاصة ببطانته، ليطرب بها هو وأشقاءه ويحفظونها عن ظهر قلب حتى انضموا إلى بطانة والدهم جميعًا. إنه الشيخ طه إبراهيم الإسكندرانى الذى حمل على عاتقه مؤخرًا مهمة تعليم وإخراج جيل جديد من المنشدين المثقفين والمدركين لأهمية ورسالة الإنشاد الدينى، بالإضافة إلى إحياء الإنشاد الدينى وتطويره من خلال مدرسة الإنشاد الدينى التى ساهم فى تأسيسها وأصبح مدرسًا بها. تخرج الشيخ طه الإسكندرانى فى معهد الموسيقى العربية، وبعد وفاة والده كون فرقته الخاصة «روحانيات» عام 2001، وشارك فى برامج تليفزيونية وإذاعية كثيرة، لاسيما أنه ما زال يحافظ على تراث التواشيح الدينية الذى أتقنه هو وإخوته على يد والده. الحفاظ على التراث كان وما زال هدف وطموح الإسكندرانى الابن، حيث فكر هو ومجموعة من المنشدين فى فكرة إنشاء نقابة للإنشاد الدينى قبل حوالى 10 سنوات إلى أن تم تأسيسها بالفعل عام 2013، ولم يكتف بذلك فحسب، بل ألحقوا به مدرسة لتعليم فن الإنشاد الدينى عام 2014، وأصبح هو أهم مدرسيها. «أتمنى الاهتمام أكثر بالإنشاد الدينى فى مصر، وأتمنى عمل مهرجان دولى للإنشاد الدينى يقام فى مصر ونستضيف فيه دول العالم، وهذا سيكون دعاية للسياحة».. بهذه الكلمات عبر الشيخ طه الإسكندرانى عن طموحه وأمنياته فى حوار أجراه معه «انفراد» فى وقت سابق. محمد عمران.. بئر موسيقى لا تنضب..لحن له محمد عبد الوهاب وسيد مكاوى.. وسجل للإذاعة عدداً كبيراً من الأناشيد رجل من عالم آخر، ومعجزة مكتملة الأركان، نجح فى أن يكون عُمدة بين قراء القرآن والمنشدين، وأستاذا ومعلما للمطربين والموسيقيين، وأن يحوز مكانة لا تُضاهى ولا تُنكر لدى الفريقين، حتى أصبح سيد المقامات المقتدر، وصاحب الصوت العذب الذى يتسلل إلى الروح كما يتسرب الماء فى شوق الأرض، وروحانيا متفردا يتوحد مع ما يقول حتى يبدو وكأن حنجرته عازف ماهر يقبض على آلة موسيقية ساحرة ولا شبيه لها. إنه القارئ والموسيقى البديع محمد عمران، المولود فى مدينة طهطا بمحافظة سوهاج فى 15 أكتوبر 1944، والذى فقد بصره فى سن صغيرة، ليبدأ مسيرة أخرى مع النور والبصيرة والرؤية بعين القلب ولمسة الخشوع. حفظ القرآن على يد الشيخ عبدالرحيم المصرى، وتتلمذ على يد سيد موسى الكبير الذى كان صاحب الفضل فى تعليمه أصول القراءات والإنشاد وعلم النغم والمقامات الموسيقية وفن الإنشاد الدينى، وذاع صيته ووصل اسمه الآفاق عندما التحق بالإذاعة المصرية فى بداية سبعينيات القرن الماضى، وكان قبلها قارئًا للقرآن فى شركة حلوان للمسبوكات، التى بدأ العمل بها قبل التقدم لاختبارات الإذاعة، ليصبح منذ السبعينيات أحد أهم منشدى الإذاعة بعد اعتماده مبتهلا. لحّن له محمد عبدالوهاب وسيد مكاوى وحلمى أمين، وسجل للإذاعة عددًا كبيرًا من الأناشيد والابتهالات، كما غنى «يا سيد الكونين» فى العام 1988 بمصاحبة فرقة موسيقية لا تقل إبداعًا عنه، يتقدمها الموسيقار الكبير عبده داغر على آلة «الكمان»، وعازف العود مدثر أبوالوفا، كما غنى مقاطع من أغنية «حلم» لسيدة الغناء العربى أم كلثوم من مقام «سوزناك» بإبداع مدهش وطرب لا مثيل له، وشارك فى الغناء بعشرات المناسبات والبرامج الدينية واحتفالات المولد النبوى ومناسبات آل البيت وحفلات دار الأوبرا المصرية، وأبرز أعماله: أسماء الله الحسنى، و«أدركنا يا الله» مع الشيخ سعيد حافظ، إضافة إلى عدد من تترات المسلسلات الدينية، وظل هائما فى ملكوت الله ورحاب المحبة والإنشاد حتى رحل عن عالمنا فى 6 أكتوبر 1994. نصر الدين طوبار.. مُنادٍ فى هدأة الليل..أنشد قرابة 200 ابتهال كتب كثيراً منها أحمد شوقى ومرسى جميل عزيز وصالح جودت لا يمكن أن تسمعه وتظل مكانك، سيبقى الجسد على حاله، لكن الروح لن تظل فى قبضة يدك تُسيّرها كيف تشاء، فالرجل الذى يُنشد وكأنه ينادى على التائهين ويجذب الفراشات كما يفعل النور، يحترف اصطياد الأرواح، و«الضرب على أوتار القلوب»، كما وصفت الإذاعة الألمانية صوته، ذلك الصوت الذى ظل سنوات يُنشد «فى هدأة الليل» مستقبلا الفجر ومناديا على شمس يوم جديدة. نصر الدين طوبار، المولود فى قرية المنزلة بمحافظة الدقهلية فى العام 1920. نشأ الطفل الصغير على سماع القرآن وأجواء التصوف والابتهالات، التى كانت لها عظيم الأثر فى تشكيل وعيه ووجدانه وتحديد بوصلة مستقبله، ليكون أحد أقطاب الإنشاد الدينى فى القرن العشرين، وربما فى تاريخه الطويل الذى لم نسمع كثيرا منه. منذ شطر طفولته بدت موهبته واضحة، وعطية الله لامعة على ملامحه وفى خلجاته، فكان صوته الأخاذ يطرب المستمعين، وطالبه الأصدقاء والمقربون بالتقدم إلى الإذاعة بعدما أتم حفظ القرآن الكريم وأجاد تلاوته وترتيله، حتى ذاع صيته فى مدن الدقهلية وقراها، واستجاب للمطالبين، لكنه رسب خمس مرات متتالية، حتى شعر بالضجر، لكن إصرار المحيطين به وإيمانهم بصوته، وربما ثقته فى نفسه ورسالة خفية من الله، كانت كلها سببا فى مواصلة الرحلة، فدخل اختبارات الإذاعة حتى نجح فى المرة السابعة. أنشد «طوبار» قرابة 200 ابتهال دينى، كتب كثيرا منها عدد من كبار الشعراء، مثل أحمد شوقى وصالح جودت وعبدالفتاح مصطفى ومرسى جميل عزيز، كما غنى كثيرا من تراث أعلام الصوفية. وتعلم «طوبار» المقامات الموسيقية على يد الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، الذى رأى صوته متميزا وذا مساحات خاصة للغاية، حتى وصوفه بـ«صاحب الحنجرة الذهبية»، واختاره الرئيس الراحل أنور السادات ليرافقه فى رحلة السلام إلى مدينة القدس أواخر سبعينيات القرن الماضى، وكان أول من شدا احتفالا بانتصارات السادس من أكتوبر 1973، وظل الروحانى الكبير حاضرا ومنيرا لليالى المحبة والوجد الإلهى حتى ارتقى إلى جوار ربه فى العام 1991. على محمود.. أستاذ الموسيقى والطرب..تتلمذ على يده فريق طويل من أساتذة القراءة والإنشاد والغناء رجل من عالم آخر، ومعجزة مكتملة الأركان، نجح فى أن يكون عُمدة بين قراء القرآن والمنشدين، وأستاذا ومعلما للمطربين والموسيقيين، وأن يحوز مكانة لا تُضاهى ولا تُنكر لدى الفريقين، حتى أصبح سيد المقامات المقتدر، وصاحب الصوت العذب الذى يتسلل إلى الروح كما يتسرب الماء فى شوق الأرض، وروحانيا متفردا يتوحد مع ما يقول حتى يبدو وكأن حنجرته عازف ماهر يقبض على آلة موسيقية ساحرة ولا شبيه لها. إنه سيد القراء وإمام المنشدين، الشيخ على محمود، المولود فى العام 1878 فى حارة «درب الحجازى» بكفر الزغارى التابع لقسم الجمالية بالقاهرة، نشأ فى أسرة فقيرة، وأصيب خلال طفولته المبكرة فى حادث أودى ببصره، لكنه فتح بابا واسعا لبصيرته وروحه لارتقاء مدارج الوصل مع السماء والفن. التحق بالكُتَّاب فى مسجد فاطمة أم الغلام بالجمالية، وحفظ القرآن على يد الشيخ أبو هاشم الشبراوى، ثم درس الفقه على يد الشيخ عبدالقادر المزنى، والموسيقى على يد الشيخ إبراهيم المغربى، وعرف أسرار التلحين والعزف وحفظ الموشحات، وأخذ يتلو القرآن الكريم فى المساجد حتى ذاع صيته وأصبح قارئا لامعا فى مسجد الحسين، وبفضل موهبته الجبارة وإلمامه الواسع بعلوم الموسيقى والمقامات ثار أحد أشهر أعلام مصر، قارئا ومنشدا ومطربا ومُعلما للموسيقى، واشتهر بأذانه فى مسجد الحسين على مقام موسيقى مختلف فى كل أسبوع، كما صار منشد مصر الأول الذى لا يجابهه أحد فى تطوير وابتكار الأساليب والأنغام. تتلمذ على يدى الشيخ على محمود فريق طويل من أساتذة القراءة والإنشاد والغناء، فى طليعتهم: الشيخ محمد رفعت، والشيخ طه الفشنى، والشيخ كامل يوسف البهتيمى، والشيخ محمد الفيومى، وإمام الملحنين الشيخ زكريا أحمد، والموسيقار محمد عبدالوهاب، وأسمهان وسيدة الغناء العربى أم كلثوم. رحل الشيخ على محمود فى 21 ديسمبر فى العام 1946 تاركا عددا غير كثير من التسجيلات التى تُعد تُحفا فنية رائعة من سور «الأنفال» و«يوسف» و«الكهف» و«مريم» و«الأنبياء» و«القيامة»، وعشرات من الأناشيد والموشحات والابتهالات والأغانى. النقشبندى.. مولانا الذى نقف على بابه..أسفر التعاون مع بليغ حمدى عن 4 ألحان كلها من عيون المزج العبقرى بين الإنشاد والتصوف والموسيقى «مولاى إنّى ببابك قد بسطت يدى/ مَن لى ألوذ به إلّاك يا سندى».. لم يسمع أحد ذلك الابتهال العذب وأفلت منه، إذ يمر صوت سيد النقشبندى ناعما وساخنا، كأنه ريشة فولاذية معجونة بالنار، ليحفر رسالته فى ذاكرة السامعين، ويترك معها حصة كبيرة من روحه ونداوة صوته. الشيخ سيد محمد النقشبندى، أستاذ المداحين وسيد المنشدين، والحنجرة التى أتعبت أهل الابتهال وأهل الغناء، فحازت كل جميل لديهم، وكانت دائمًا كالبدر الذى وإن تحلقت حوله ملايين النجوم، يظل الأبهى والأكثر استحواذا على الأبصار. وُلد النقشبندى فى قرية دميرة بمحافظة الدقهلية فى 7 يناير 1920، ونشأ فى أجواء صوفية ترعرع فيها على حلقات الذكر وقراءة القرآن وأجواء التصوف ومريدى الطريقة النقشبندية، فجده محمد بهاء الدين النقشبندى الذى جاء من بخارى فى أذربيجان «بلد الألف مئذنة وبلد البخارى» ليلتحق بالأزهر الشريف ويكون علمًا من أعلام التصوف، ووالده أحد علماء الدين ومشايخ الطريقة النقشبندية، بينما بدا واضحا منذ سنواته الأولى أن الطفل الناشئ فى حدائق الذكر سيكون مولعا وممسوسا بتلك الأجواء الروحانية. بدأ منذ طفولته التردد على مولد أبوالحجاج الأقصرى وعبدالرحيم القناوى، ومن فيض الأجواء الصوفية امتلأت روحه وتشبعت بالمحبة والموسيقى، ولاحقا اختار جوار الأحبة، فعاش عمره فى طنطا على مقربة من السيد البدوى، واقتصر إنشاده على مسجد سيد الشهداء «الحسين بن على» حتى التقى الإذاعى البارز أحمد فراج الذى كان الكشاف وعين العناية التى أخرجت نور النقشبندى من بين الجدران إلى اتساع العالم، فأخرج لنا ابتهالات سيد المداحين من الحسين إلى أثير الإذاعة، مقدما «فى رحاب الله» التى تلاها تسجيل عشرات الأدعية الدينية لبرنامج «دعاء» الذى كان يذاع يوميا عقب أذان المغرب. «إنه مثل النور الكريم الفريد الذى لم يصل إليه أحد».. بتلك الكلمات وصفه الدكتور مصطفى محمود معلقا على تلاواته القرآنية وإنشاده البديع، وصوته الخلاب المستحوذ على الأسماع والأرواح. وكان الرئيس السادات صاحب الفضل فى خروج أنشودة «مولاى» الشهيرة، بعدما طلب من النقشبندى الغناء للملحن بليغ حمدى، وفى البداية رفض الشيخ أن يغنى كلاما ملحنا مصحوبا بالموسيقى، لكنه بعدما استمع للحن بليغ هام به وبدأ التعاون بينهما، ليُثمر قرابة 14 لحنا كلها من عيون المزج العبقرى بين الإنشاد والتصوف والروحانية، والموسيقى والأنغام والجمال المحسوب، وظل الشيخ فاتنا وبديعا حتى أسلم روحه ليلة 14 نوفمبر 1976، ليبدأ جولة جديدة من الإنشاد فى السماء. درويش الحريرى.. صياد اللؤلؤ ومكتشف النجوم..عمل أستاذاً فى معهد فؤاد الأول للموسيقى تخرج على يديه محمد عبدالوهاب وزكريا أحمد ورياض السنباطى كان درويش الحريرى جامعة فنية، لا يرتبط به أحد من محبى الموسيقى والغناء إلا علا شأنه، كما لعب دورا كبيرا فى اكتشاف المواهب والنابغين، حتى أصبح أحد أبرز صيادى اللؤلؤ والنجوم فى القرن العشرين. وُلِد «الحريرى» بقسم الجمالية بالقاهرة فى العام 1881، وفقد إحدى عينيه فى عامه الأول، ثم فقد الثانية وهو فى الأربعين من عمره، ليقضى بقية سنواته ضيفا على نور الله وبصيرة المؤمنين، وبدأ منذ طفولته الأولى حفظ القرآن حتى أتم حفظه فى التاسعة من عمره، على يد أستاذه السيد أبوالهاشم، بعدها أرسله والده للدراسة فى الأزهر الشريف، فأتقن تجويد القرآن على يد الشيخ مبروك حسنين، ثم مرة أخرى على يد الشيخ على سبيع. استمر «الحريرى» فى دراسة العلوم الدينية واللغة العربية، وكان حبه للموسيقى والغناء يمثل جانبا جوهريا فى شخصيته، فدرس مبادئها على يد الشيخ على محمود، وواصل الدراسة حتى أتقن المقامات والأنغام إتقانا كاملا، وعندما بلغ مرحلة النضج سُمح له بالتدريس، فتعلم على يديه كثيرون ممن صاروا نجوما فى الإنشاد والفن لاحقا، أبرزهم الشيخ عبدالسميع بيومى، والشيخ سيد الطنطاوى، كما عمل أستاذا فى معهد فؤاد الأول للموسيقى «معهد الموسيقى العربية لاحقا» وتخرج على يديه كثيرون من كبار الموسيقيين والمطربين الذين صاروا نجوما فيما بعد، منهم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، والشيخ زكريا أحمد، ورياض السنباطى، وألّف درويش الحريرى كثيرا من السماعيات والبشارف والموشحات والأدوار والطقاطيق التى ظل المطربون يغنونها لعقود لاحقة، وأصبحت تشكل جانبا كبيرا من تراث الموسيقى والغناء المصريين فى النصف الأول من القرن العشرين. طه الفشنى.. عمدة فن الإنشاد..كان القارئ المفضل للرؤساء والملوك دع كل شىء قبل أن تدخل حضرته، لأنك إن لم تدعه اختيارا فسيجبرك على التخلى عنه، فأنت فى حضرته لن تملك من نفسك شيئا، القيادة هنا للشيخ وحده، فبمجرد أن ينطلق صوت طه الفشنى تنطلق العصافير والفراشات، ويتقطر الندى على قلوب المحبين. هو أحد الأفذاذ فى جيل الرواد، وعمدة من عُمد وأساطين القراءة والإنشاد، استطاع بصوته العذب وتمكنه من أدواته وخبرته فى القراءات والمقامات الموسيقية أن يحتل مكانة كبيرة لم يبلغها أحد سواه، حتى أصبح واحدا من أبرز ثروات الإذاعة المصرية وهداياها. وُلد الشيخ طه فى العام 1900 بمركز الفشن فى محافظة بنى سويف، وحفظ القرآن الكريم وتعلم القراءات منذ طفولته المبكرة، ورغم إجادته للقرآن تماما فى العاشرة من عمره فإنه أراد الاستزادة والسباحة إلى أعماق الروحانية، فالتحق بالأزهر الشريف وحصل على إجازة علم القراءات على يد الشيخ عبدالحميد السحار، ثم أتقن علوم التجويد. كان صاحب مدرسة متفردة فى التلاوة والإنشاد، وكان على علم كبير بالمقامات والأنغام، وانتهت إليه رئاسة فن الإنشاد فى زمنه، فلم يكن يعلوه فيه أحد، وهو أشهر أعلام هذا الفن بعد الشيخ على محمود، ومن أشهر تواشيحه «ميلاد طه». ولعل قرب سكن «ملك العذوبة» كما لقبه مستمعوه فى حى الحسين، إذ كان قريبًا منه فى السكن الشيخ على محمود ملك التواشيح الدينية، الذى يملك فرقة تواشيح خاصة، كان أمرا فارقا فى مسيرة طه الفشنى، إذ عرض عليه الشيخ على الانضمام لفرقته، وكانت فرصة جيدة لأن يتعلم على يد الشيخ المؤسس وأستاذ كل القراء والمنشدين والموسيقيين، كما زامل وقتها الشيخ زكريا أحمد‏ أحد أبرز الملحنين فى القرن العشرين. ويعد الشيخ الجليل من أشهر مقرئى الرؤساء والملوك، إذ تلا القرآن أمام الملك فاروق، وكان القارئ المفضل للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وأيضا للرئيس محمد أنور السادات، فكانوا جميعا يحرصون على الاستماع إليه فى خشوع ولا يفوتون مناسبة بدون حضوره، وظل «الفشنى» علمًا وصيّيتًا متجاوزا ومتفوقا على الجميع حتى توفاه الله فى 5 فبراير 1972. الكحلاوى.. والقلب يميل لزيارة النبى..لمع فى الغناء الدينى وغنى بنوتة موسيقية وفرقة كاملة مداح الرسول، الخاشع الذى أبكى قلوب الخاشعين، المطرب الذى لمع فى الحب واصطادته المحبة، فصار منشدا يرفض التغنى لأحد إلا رسول الله وخاتم المرسلين، فخلد فى قلوب محبى سيد الأنام وأشرف خلقه. إنه الفنان والمنشد الكبير محمد الكحلاوى. ولد «الكحلاوى» فى مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية فى العام 1912، وخرج إلى العالم يتيما كحبيبه النبى، بعدما توفيت والدته خلال ولادته، ثم ارتقى والده بعدها بفترة قصيرة ولم يكن تجاوز طفولته المبكرة، فاحتضنه خاله الفنان محمد مجاهد الكحلاوى، وكان ذا صيت فى دولة الإنشاد، فتشبع الفتى الصغير بالفن والموسيقى، وساعدته وراثة الصوت الحسن وواسع المساحة على احتراف الفن. بدأ مشوار حياته بإنشاد المواويل الشعبية، ثم ترك وظيفته والتحق بفرقة «عكاشة»، ورغم نجاحه الجيد فى الفن والغناء التقليدى، كانت محطته السريعة والأكثر رحابة وجمالا مع فن الإنشاد الدينى، الذى اقتطع نصف إنتاجه الفنى تقريبا، إذ قدّم أكثر من 600 لحن دينى من مجمل إنتاجه الذى قارب 1200 لحن، لعل أشهرها «لاجل النبى»، و«يا قلبى صلى على النبى»، و«خليك مع الله»، و«نور النبى»، و«خلّى السيف يجول». غنى «الكحلاوى» بنوتة موسيقية وفرقة كاملة، وتنوع أداؤه ت بين الإنشاد والغناء والسير والملاحم والأوبريتات، فقدم «سيرة محمد» و«سيرة المسيح» و»قصة الخليل»، ولمع فى الغناء الدينى لتلاقى أعماله احتفاء واسعا من جمهور المحبين والهائمين فى محبة الرسول، فأصبحت أعماله قاسما مشتركا فى كل الاحتفالات والمناسبات الدينية، وسجل التليفزيون كثيرا منها، ما رسخ مكانة «الكحلاوى» كأشهر مداحى الرسول، بل إنه حاز لقب «مداح الرسول» منفردا، وظل إلى جوار المحبة والوصل بالرسول وآله حتى اختاره الله إلى جواره فى 5 أكتوبر 1982.






































الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;