أكد مرصد الأزهر الشريف، فى تقرير له بعنوان "المرأة لم تخلق فقط للإنجاب" أن المرأة خُلِقَت من جنس الرجل، فكانت شقيقة له فى الإنسانية، ومعينة له فى تحمل المسئولية، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}.
وأكد المرصد أن المرأة فى أصل الخلقة فوق تحملها المسئولية، خلقت لأسمى وظيفة، بجعلها موضع النسل والإنجاب؛ لتكون سبباً مع الرجل فى المحافظة على النوع الإنسانى، عن طريق التناسل والتوالد، قال تعالى: { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}.
وأضاف: جاء حديث القرآن الكريم عن المرأة حديثاً منصفاً وضعها فى أكرم منزلة، فتحدث عنها كأم للإنسانية، وأم لنبى، وزوجة لنبى، وملكة صاحبة رأى فى قومها، وبصيرة فى قولها،فالمرأة فى التاريخ الإسلامى مشاركة فى مجالات الحياة المختلفة، ولم تُحْرَم من أى نوع من أنواع المشاركات التى تتناسب مع فطرتها وخلقتها.
المرأة مكون أساسى فى بناء المجتمع الإنسانى
لقد سطرت آيات القرآن الكريم دور المرأة فى الحياة وفى بناء المجتمعات الإنسانية، فكانت شريكة الرجل فى إقرار قِوام الأسرة باعتبارها اللبنة الأولى فى أساس المجتمع، والخلية التى ينتج عنها التوالد والتكاثر فى النسل البشرى منذ خلق الله عز وجل الإنسان الأول فى عالم البشر، وصنفه إلى نوعين متكاملين وفقاً للطبيعة الفطرية فى كل منهما – الذكر والأنثى-، قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}، فكانا معاً هما الأساس فى التنوع البشرى الذى قام عليه امتداد النوع الإنسانى حتى الآن وإلى يوم القيامة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}.
وحتى يكون النوع الإنسانى ذا نسب معروف ورحم موصول، جاءت العلاقة بين الإنسان الأول –آدم- كذكر، والأم الأولى –حواء- أنثى، علاقة زواج شرعى بوحى من الله عز وجل {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، فلم تكن علاقة صداقة، ولا علاقة خِدن تستباح فيها المرأة، وإنما علاقة أنساب وأصهار وتواصل أرحام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}.
المرأة شقيقة الرجل فى المسئولية
مما يميز الشريعة الإسلامية فى النهوض بالمرأة أنها شيدت فكرة المساواة بين الإناث والذكور فى الخلق والتكريم والتكليف والحساب والجزاء مع الحرص على توزيع العمل بصورة تحافظ على نظرية التمايز بين الذكورة والأنوثة، فكانت المساواة هى مساواة الشقين المتكاملين "النساء شقائق الرجال"، وهو ما يدفع المجتمعات لتوزيع العمل بين الرجال والنساء على أساس الطبيعة الفطرية التى استندت إلى تحديد السنة لدور كل من الرجل والمرأة فى المسئولية، فكانت المرأة مسئولة كما الرجل مسئول، وهو ما أشار إليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا".
الإنجاب من أهم وظائف المرأة وخصائصها إلا أنها لم تُخْلَق من أجله فقط
إن قضية الإنجاب من أهم وظائف المرأة وخصائصها، وأعظم مسؤولياتها، فمهما أُسند للمرأة من أعمال، ومهما ألقى عليها من تكاليف، فيجب أن يظل عملها الأصلى هو الإنجاب والأمومة، إلا أنه ليس معنى كونه عملها الأصلى أنها محصورة فى هذا العمل، ممنوعة من مزاولة غيره من الأعمال، بل خلقها الله تعالى لتعمل فى الحياة العامة، كما تعمل فى الحياة الخاصة، وجعل لها أن تزاول كل أنواع المهن التى تتناسب مع فطرتها وطبيعة خلقتها، وأن تتولى العقود، وأن تملك كل أنواع الملك، وأن تنمى وتستثمر أموالها، وأن تباشر شؤونها فى الحياة بنفسها، وأن تقوم بسائر المعاملات، فدورها فى الحياة ليس قاصرًا على الإنجاب، بل خلقها الله تعالى لحفظ توازن الحياة، ولتشارك آدم عليه السلام رسالته، وهى مثله تمامًا فى التكليف وتحقيق العبودية لله رب العالمين، وقد أشار القرآن الكريم إلى المساواة عند الله بين الذكر والأنثى بغير تفريق فى التكليف أو الجزاء، وكذلك فى ثمرات الأعمال و الجهود، فقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
المرأة شاركت عبر التاريخ الإسلامى فى مجالات الحياة المختلفة
القرآن الكريم ذكر المرأة فى مواضع تكريم واصطفاء، فهى إما أم لنبى، أو زوجة نبى، أو ملكة صاحبة رأى فى قومها، وبصيرة فى قولها، قال تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}،{إنِّى وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}، وقد ذكر القرآن الكريم سورة باسم جنسها، وهى سورة النساء.
والمرأة فى التاريخ الإسلامى مشاركة فى التعليم والرواية والتدريس، والجهاد، والدعوة، وبناء الحضارة، ومشاركة فى شتى مناحى الحياة فى المجتمع الإسلامى من العهد النبوى، وإلى الآن؛ فكانت المرأة فى العهد النبوى تشهد الصلوات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بغية الحصول على ثواب الجماعة، وتعلم العلم الشرعى الذى يتدارس فى المسجد، وقد أعطاها النبى - صلى الله عليه وسلم - هذا الحق بقوله: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ».
وكانت تشارك المرأة فى الغزوات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وتدافع عنه صلى الله عليه وسلم، وكانت تداوى الجرحى، وكانت حريصة على المشاركة برأيها فيما يستجد من أحداث، بل تجاوز المسلمون أخطر أزمة فى بداية تاريخ الإسلام يوم صلح الحديبية بحكمة امرأة ومشورتها وهى أم المؤمنين - أم سلمة رضى الله عنها- حينما أشارت على النبى " صلى الله عليه وسلم " فى صلح الحديبية أن يبدأ هو بالحلق، فحقنت دماء المسلمين وحقنت فتنة كادت أن تقع ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم.
ومن يقرأ السيرة النبوية يجد مشاهد عدة لنساء كن يعملن فى مواقع عدة ويكفلن أسرهن، وينفقن عليهن، ومن ذلك ما روى أن ريطة بنت عبد الله الثقفية زوجة عبد الله بن مسعود " رضى الله عنه " كانت امرأة صناعًا تعمل وتنفق على زوجها وأولادها، جاءت إلى النبى " صلى الله عليه وسلم " فقالت له: «إِنَّنِى امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا، وَلَيْسَ لِى وَلَا لِوَلَدِى وَلَا لِزَوْجِى شَيْءٌ، فَشَغَلُونِى فَلَا أَتَصَدَّقُ، فَهَلْ لِى فِى ذَلِكَ أَجْرٌ؟ فَقَالَ النَّبِى " صلى الله عليه وسلم ": «لَكِ فِى ذَلِكَ أَجْرٌ مَا أَنْفَقَتِ عَلَيْهِمْ فَأَنْفَقِى عَلَيْهِمْ».
المرأة فى نظر الإسلام تتمتع بشخصية مستقلة محترمة ذات حقوق مقررة، وواجبات معتبرة، مثلها مثل الرجل، ولم يكن دورها فى الحياة قاصرًا على الإنجاب، بل خلقها الله تعالى لتشارك الرجل فى شتى مجالات الحياة، فلم تحرم من أى نوع من أنواع المشاركات التى تتناسب مع فطرتها وخلقتها.