أشرنا أكثر من مرة إلى أن الإرهاب كتهديد لم يتوقف عند دولة أو قارة، وأنه أصبح يمثل أطرافا من شبكات تمثل تهديدا لكل دول العالم، حتى تلك الدول التى ساندت الإرهاب ومولته لم تنج منه. كما أن الدول التى تصورت أنها بعيدة عن التهديد طالتها أيادى الإرهاب فى أكثر من مكان. وأشرنا إلى بعض الخطوات التى تبدو أنها انعكاس لإدراك الخطر العام للإرهاب، ومنها قرار مجلس حقوق الإنسان بجنيف «أثر الإرهاب على التمتع بحقوق الإنسان»، الذى تبناه المجلس الدولى لحقوق الإنسان، والذى يعكس فى بعض منه استجابة لتحذيرات ونصائح ودروس للتعامل دوليا مع الإرهاب، وأهمية التعاون الدولى لمواجهته، لكن الأزمة كما أشرنا هى الوقوف عند الجهات التى تمول وتدعم هذه التنظيمات. وتبادل الاتهامات بين تركيا وبلجيكا وهولندا حول مدى التعاون المعلوماتى ضد الإرهاب، وهى الخطوة الأهم فى مواجهة الإرهاب.
هناك مقاومة لدى بعض الدول فى أن تقدم ما لديها من معلومات تتعلق بالإرهاب، وما إذا كان هناك اتجاه لتبادل المعلومات بين الدول، لأن غياب المعلومات كشف عن الارتباك فى المواجهة، بل إنه عطل بعد هجمات باريس القبض على الإرهابيين، بل إنهم هربوا إلى بلجيكا ونظموا عمليات جديدة، بما يكشف عن انقطاع فى تبادل المعلومات بين دول أوروبا، فضلا عن وجود غطاء تمويلى وتنظيمى يمثل خيطا غائبا فى هذه التنظيمات. ومن هنا يصعب تصور حدوث تقدم فى مواجهة الإرهاب ما لم تتفق الدول على استراتيجيات تنطلق من كون التهديد واحدا، وتقدم كل دولة ما لديها من معلومات يمكن أن تمثل قاعدة للتعرف أكثر على تركيبة وبناء الشبكات الإرهابية.
لكن الأزمة هنا هى أن توسيع دوائر تبادل المعلومات من شأنه أن يفجر خلافات، لأنه يعنى الكشف عن كل الدول والجهات الضالعة فى تمويل ومعاونة الإرهاب من جهة، والاستفادة من غنائم التدمير الإرهابى. ومع أهمية المواجهة الفكرية مع هذه التنظيمات، فإن الأهم هو الكشف عن مصادر التمويل لأنها تمثل الخطوة الأولى للمواجهة. وهى التى نجحت من قبل فى قطع اتصالات وتمويلات الإرهاب بالشكل الذى شكل خطوات قوية لتجفيف المنابع. لكن فى نفس الاتجاه فإن الكشف عن ممولى ومخططى وقواعد معلومات هذه التنظيمات، يضاف إلى ذلك الشبكات الإعلامية التى تمثل أيضا إحدى منصات التنظيم العملى والتخطيطى لهذه التنظيمات، كما أن وسائل الإعلام التى تديرها الدول الممولة الإرهاب تعلب دورا فى نقل الرسائل والتنسيق، وأيضا فى تسليط الضوء على عمليات هذه التنظيمات، ومعها مواقع التواصل ومنصات العمليات. النجاح فى المواجهة أساسه كشف الإمدادات المالية ومصادر التمويل والجهات الداعمة لهذه التنظيمات ماديا وإعلاميا، وهو ما يفترض أن تنتبه إليه الدول المهددة حتى لا تكرر أخطاءها السابقة.