نقلا عن العدد اليومى...
تعد إحدى المسؤوليات الرئيسية للبنك المركزى، ضمان سلامة الجهاز المصرفى، وذلك عن طريق إجراءات وقرارات تسهم فى قوة وسلامة البنوك واستقرارها.. والبنوك أحد أهم أعمدة الاقتصاد المصرى وعصب التنمية التى تنشدها مصر بعد ثورتين، وعقب برنامج إصلاح مصرفى استغرق 10 سنوات.
وجاء قرار طارق عامر، محافظ البنك المركزى المصرى، يوم الأربعاء الماضى، بألا تزيد مدة الحد الأقصى للمسؤول التنفيذى الرئيسى على 9 سنوات متصلة أو منفصلة، فى البنوك العامة والخاصة والأجنبية، ليؤثر فى عصب عمل البنوك خلال الفترة المقبلة، فى ظل رحيل 9 قيادات مصرفية تنفيذية كبيرة بهذا القرار.
وتشمل قائمة رؤساء البنوك الذين تجاوزوا الـ9 سنوات أو أكثر فى مناصبهم، وفقًا لتعليمات البنك المركزى المصرى الجديدة، هشام عز العرب، رئيس مجلس إدارة البنك التجارى الدولى، وإسماعيل حسن، رئيس بنك مصر إيران للتنمية وحسن عبدالله، الرئيس التنفيذى للبنك العربى الأفريقى الدولى، وفتحى السباعى، رئيس بنك الإسكان والتعمير، وأشرف الغمراوى، الرئيس التنفيذى لبنك البركة مصر، وعبدالحميد أبوموسى، محافظ بنك فيصل الإسلامى المصرى، وياسر إسماعيل حسن، الرئيس التنفيذى لبنك الكويت الوطنى مصر، وحاتم صادق، رئيس مجلس إدارة بنك عودة مصر، وأحمد إسماعيل حسن، الرئيس التنفيذى لبنك أبو ظبى الوطنى مصر.
وعندما ننظر إلى التجارب المصرفية العالمية فى اتخاذ مثل هذا القرار، نجد أنه غير مسبوق فى الأنظمة المصرفية فى الدول المتقدمة، بتحديد حد أقصى لتولى القيادة التنفيذية المنصب، وكمثال جيمى دايمون، الرئيس التنفيذى لبنك «جى بى مورجان»، أكبر البنوك الأميركية من حيث حجم الأصول والذى يتولى المنصب منذ نحو 11 عامًا، ويعد قرار استمراره من عدمه أصيلًا للجمعية العمومية التى تقرر صلاحية استمرار المسؤول المصرفى التنفيذى فى موقعه من عدمه، وفى ظل تقييم دقيق للأداء الوظيفى للمسؤول ونتائج الأعمال التى حققها ومستهدفات الأرباح ونمو الأعمال المصرفية التى أنجزها.
وتعد الجمعيات العمومية للبنوك وما تمثله من حملة الأسهم والملاك للمؤسسة المالية، هى صاحبة الكلمة الأهم فى تعيين الرؤساء التنفيذيين والأعضاء المنتدبين للبنوك الخاصة، وهى ما تتيح تعيين واستمرار القيادات المصرفية من عدمه، وبالتالى فإن هناك مشكلة قانونية تعارض قرار البنك المركزى الأخير الخاص بالسقف الزمنى بـ9 سنوات، دفعت العديد من المساهمين بالبنوك الخاصة إلى الاستعداد لرفع دعاوى قضائية ضد هذا القرار لوقف تنفيذه، وهو ما يتطلب العمل على إصدار صيغة تنفيذية لهذا القرار تعمل على علاج الجدل الذى أعقبه.
ووفقًا للقرار فإن البنوك الخاصة تقرر أيضًا ألا تزيد مدة الحد الأقصى للمسؤول التنفيذى الرئيسى على 9 سنوات متصلة أو منفصلة، وفى حالة تجاوز هذه المدة يستمر لحين انعقاد أول جمعية عامة للبنك لاعتماد القوائم المالية السنوية، وفى حالة تجاوز المسؤول التنفيذى الرئيسى 9 سنوات فى 31 ديسمبر 2015 تمنح البنوك مهلة حتى انعقاد الجمعية العمومية عن العام المالى 2016، شريطة الحصول على موافقة البنك المركزى.
وفى فروع البنوك الأجنبية تقرر أيضًا ألا تزيد مدة الحد الأقصى للمسؤول التنفيذى الرئيسى على 9 سنوات متصلة أو منفصلة، وفى حالة تجاوز هذه المدة يستمر لحين اعتماد القوائم المالية السنوية من قبل مراقبى حسابات البنك.
وبالتالى فإن أثر تطبيق هذا القرار، يتمثل فى أنه على الرؤساء التنفيذيين للبنوك الـ9 أن يغادروا مناصبهم خلال عام من الآن وقبل انتهاء النصف الثانى من عام 2017، وبالفعل هناك نية لدى بعضهم فى مغادرة مناصبهم خلال العام الجارى.
وتنص المادة رقم 43 من قانون البنوك رقم 88 لسنة 2003، على «دون الإخلال بسلطة الجمعية العامة للبنك يتم أخذ رأى محافظ البنك المركزى عند تعيين رؤساء وأعضاء مجالس إدارة البنوك وكذلك المديرين التنفيذيين المسؤولين عن الائتمان والاستثمار وإدارة المحافظ والمعاملات الخارجية بما فيها المبادلات والتفتيش الداخلى، ويكون أخذ الرأى على قائمة بالمرشحين تقدمها الجهات صاحبة الشأن للعرض على مجلس إدارة البنك المركزى، ولمحافظ البنك المركزى بعد العرض على مجلس الإدارة أن يطلب تنحية واحد أو أكثر من المنصوص عليهم فى هذه المادة إذا ثبت خلال التفتيش على البنوك مخالفتهم لقواعد سلامة أموال المودعين وأصول البنك فإذا لم تتم التنحية كان للمحافظ أن يصدر قرارًا مسببًا باستبعاد أى منهم من عمله، ولصاحب الشأن التظلم إلى مجلس إدارة البنك المركزى من قرار استبعاده خلال 60 يومًا من تاريخ إبلاغه بالقرار، وتسرى أحكام هذه المادة على فروع البنوك الأجنبية فى جمهورية مصر العربية».
ومنصب محافظ البنك المركزى فى كل دول العالم يعد المنصب الاقتصادى الأهم فى هرم المناصب الرسمية، ويعد عصب الاقتصاد بقراراته التى تؤثر فى مستويات التضخم – مستويات الأسعار – والسيولة النقدية والائتمان وطباعة النقد وإدارة مديونيات الدولة، واستقرار الجهاز المصرفى الذى يعد أهم قطاعات الدولة المصرفية الاقتصادية حاليًا نظرًا لأنه الوحيد الذى لم يتأثر بتداعيات تردى الاقتصاد نتيجة الاضطرابات.
ويوم 28 فبراير الماضى، أرسل البنك التجارى الدولى إلى البنك المركزى المصرى، قرار تعيين هشام رامز، نائبًا لرئيس مجلس الإدارة وعضوًا منتدبًا للبنك التجارى الدولى، للتصديق عليه، وبعد مرور شهر كامل على هذا الإجراء لم يتم الموافقة على هذا القرار حتى الآن، خاصة أن «رامز» خدم الوطن فى المنصب الرفيع 7 سنوات فى موقعى محافظ ونائب محافظ البنك المركزى فى فترة من أصعب الظروف الاقتصادية فى تاريخ البلاد، وهو ما يتطلب سرعة الموافقة على هذا القرار فى ظل أنه لا يتطلب أكثر من ساعات معدودة للموافقة، وللمحافظة على شكل القطاع المصرفى المصرى أمام العالم خاصة أننا نتكلم عن محافظ سابق للبنك المركزى له المكانة الكبرى فى هرم المناصب الرسمية المصرية.
وإحدى مزايا قرار البنك المركزى هى إعطاء الفرصة للقيادات المصرفية من الصف الثانى والشباب بالبنوك للقيادة وتولى المناصب التنفيذية الكبرى بالجهاز المصرفى، خاصة أن هناك قيادات مثل باسل رحمى فى بنك الإسكندرية ومحمد عباس فايد فى بنك عودة وحازم حجازى فى البنك الأهلى المصرى، وغيرها الكثير، على قدر كبير من الكفاءة والخبرة وساهمت فى تحقيق نقلة كبرى فى قطاعات التجزئة والائتمان فى المؤسسات المصرفية التابعين لها.
ويمثل تفعيل أداء المجلس التنسيقى للبنك المركزى، ضرورة فى ظل دقة المرحلة الحالية ومتطلباتها من ضرورة التنسيق بين الجهات الاقتصادية، خاصة طرفى السياستين النقدية والمالية ومجلس التنمية الاقتصادية التابع لرئاسة الجمهورية وأعضاء المجموعة الوزراية الاقتصادية، بعد مطالب كثيرة خلال الفترة الماضية بوجود هذا التنسيق، خاصة مع تشكيل رفيع المستوى برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية محافظ البنك المركزى، ووزراء الاستثمار والمالية والتجارة والصناعة ونائب محافظ البنك المركزى، ووكيل محافظ البنك المركزى لقطاع السياسة النقدية والذى تشغله الدكتورة رانيا المشاط، وعضوية الدكتور فاروق العقدة، والدكتور محمد العريان، والدكتورة عبلة عبداللطيف.
ويواجه البنك المركزى المصرى حاليًا عدة تحديات مهمة، أبرزها القضاء على السوق السوداء للعملة، وإعادة هيكلة الاحتياطى الأجنبى ودعم أرصدته، والعمل على جذب عملاء جدد للبنوك، وزيادة التنافسية فى القطاع المصرفى بين مؤسساته الـ38، عبر طرح منتجات وخدمات مصرفية تلبى احتياجات المواطنين، وبالتالى زيادة قاعدة المتعاملين مع البنوك والذى يقف حاليًا عند نحو 10 ملايين مواطن، وهو ما يسمى بمفهوم «الشمول المالى»، إلى جانب الاستمرار فى مواكبة القوانين الدولية فى ظل التحديات الخاصة بتمويل الإرهاب والجريمة وأنشطة غسل الأموال.