أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية: القمم العربية دليل على أننا أحياء.. لم نطلع على صفقة القرن.. ولا أحد ينافسنى فى تقديرى للرئيس السيسى.. وأتوقع مشاركة جيدة من جانب القادة العرب فى قمة

- الأمين العام لجامعة الدول العربية للأهرام العربي: التوصل إلى حل نهائى شامل للأزمة السورية سيستغرق سنوات - التدخلات التركية فى شمال العراق أمر مرفوض.. وقمة تونس ستناقش السلوك التركى وعلاقته بالأمن القومى العربى - مقعد سوريا سيكون حاضرا فى النقاشات غير الرسمية - نرفض المنطقة الآمنة التركية شمال سوريا..واتفاق أضنة بديل مقبول - التعامل مع الإرهابيين العائدين من ساحات الإرهاب ليس سهلا.. لكن الدول العربية لديها الخبرة للتعامل معهم - قمة عربية - إفريقية بالسعودية.. وحوار عربى مع روسيا واليابان هذا العام - ما شهدناه من الإدارة الأمريكية كان تراجعا عن تحقيق حل الدولتين - لا تبدأ الحروب دائماً عندما تنطلق المدافع.. بل يسبقها إعداد شاق. هذا الرجل هو شاهد على «الحرب والسلام»، ذهبت لمحاورته حول القمة العربية التى ستعقد فى تونس 31 مارس الجارى، فلم أستطع الإفلات من أسر سفير ووزير وأمين عام للجامعة العربية فى توقيت صعب جدا، لديه الكثير والكثير من الأسرار والمعلومات.. أتحدث عن الأمين أحمد أبو الغيط. مكتبه يبعد أمتارا قليلة من يمين عدة سلالم لا تزال تحتفظ ببصمات أقدام قادة، ورؤساء وزعماء، وتواريخ ومعاهدات واتفاقيات سرية، وأخرى علنية. هنا مكتب الأمين العام، يخرج علينا بتواضعه المعتاد، بوجه مشرق بالابتسامة، ليأخذنا من صالون إدارة مكتبه إلى صالون مكتبه. أخذ جلسته المعتادة التى يعتبرها علامة مميزة، واستهل ترحابه بمشاكسة زميلى المصور الفنان عماد عبد الهادى، مشيدا بقدراته وتميزه الفنى. على مقعد أمامى بزاوية جلس مائلا بكتفه اليمنى، حيث يجد فيها راحته، يشعرك بالألفة منذ اللحظة الأولى، دردشته من نوع السهل الممتنع. صاحب قاموس هندمته حكمة المسئولية، ملامح استضافته تؤكد كرما ونبلا قادمين من سنوات غنية بخبرات صناعة الأصدقاء، يعرف متى ينظر إليك وهو يتحدث، ومتى يشارك الآخرين الحديث. دائمًا لديه ما يقوله ويفخر به من مؤلفات سواء التى تتعلق بالطبعة الثامنة لمؤلفه الشهير «شهادتى»، أم مؤلفه «شاهد على الحرب والسلام». ما بين المؤلفين، أنتم أمام دبلوماسى يستحق أن يكون وزيرا، ووزير قادته لحظة تصحيح المفاهيم إلى كرسى الأمين العام لجامعة الدول العربية. طاف بنا فى بستان على ضفتى مشواره الطويل.. قطف زهرة من كل مرحلة، واستوقفته بعض الأشواك تارة أخرى، أشواك بطعم المرارة من إعلام دافع عن حزب الله عام 2006، وإعلام دافع عن حماس 2009. كلما حاول العبور عائدا إلى حديث حول الزهور المضيئة، سرعان ما تستدعى ذاكرته غضبا من أجواء قلبت الحقائق أثناء ما يسمى بالربيع العربى، مستشهدا بتلميذه فى محراب الدبلوماسية السفير رفيع المستوى محمود عفيفى، المتحدث الرسمى باسم الجامعة العربية، الذى جاءت إجابته باقتناع وعمق تحمل معنى أقرب إلى «أنه لا يصح إلا الصحيح»، بينما يواصل الأمين العام، متذكرا جملاً من بيانه عندما كان وزيرا للخارجية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها ال 59، يوم 24 سبتمبر 2004، يتذكر:«إن غرور القوة هيأ للبعض أن لديهم القدرة ليس فقط على كتابة التاريخ، بل على إعادة كتابته أيضا لتغيير حقائقه وتجاهل وقائعه». ثم يصمت صمت العارفين ليقول:«كنا نعلم، ومن لا يعلم شيئا كان ينتقد وهو جاهل بكل شىء».. نعم.. رجل صنع اختلافه بالعلم والثقافة. يتحدث مثلما يكتب.. علمته الدبلوماسية كيف يمارس السياسة، وعلمته السياسة قيمة وحكمة العسكرية التى قضى فيها عشرة أشهر طالبا بالكلية الحربية، وتعلم من الإصرار أنه لا يوجد شىء مستحيل. تعلم الوفاء فى مدرسة والده الطيار الذى قال:«ابنى سيصبح وزيرا للخارجية»، تحقق الحلم.. اعترف الوزير بالعرفان لمن أحاطوه ودعموه، وفى المقدمة زوجته وأبناؤه. كلما كان الحديث يأخذنا إلى محطات تستحق التوقف، يقلب هو فى أوراق مؤلفيه، خط بيده إهداءه لى، ولسانه يؤكد أنهما من أخطر الوثائق، أهدانى الكتابين، ثم سألته: هل لا يزال لديكم الكثير من الحقائق والأسرار والوثائق التى لم تنشر؟ أجابنى بكل ثقة.. نعم. فالخيط الرفيع بين مصلحة الوطن وبين أعدائه، يحتفظ بالعديد من الأسرار والحقائق.. على الفور اقتنصت منه وعدا بحوار آخر خاص، بهذه الحقائق والأسرار، ثم انطلقت أدير دفة حوارى حول القمة.. قمة تونس المقبلة. فى هذا الحوار توقع الأمين العام للجامعة العربية، أن تشهد قمة تونس المقبلة مشاركة جيدة للغاية من جانب القادة العرب، نظرا للعلاقات الطيبة التى تجمع القادة العرب بالرئيس التونسى الباجى قائد السبسى، وتوقع أبو الغيط أن القمة لن تشهد اتخاذ خطوات رسمية فيما يخص المقعد السورى فى جامعة الدول العربية، وإن كان يتوقع أن يكون هذا الموضوع حاضرا فى النقاشات غير الرسمية، وأن قمة تونس ستمثل فرصة مناسبة تماما، لتأكيد وجود وعى وإدراك عربى، بأهمية العمل على تنشيط منظومة العمل العربى المشترك، وأن حل القضية السورية سيستغرق سنوات، نظراً لغياب التوافقات السورية والإقليمية والدولية، وجدد أبو الغيط رفض الجامعة العربية إنشاء تركيا لما تسميه بالمنطقة الآمنة، واعتبر هذه الخطوة ضارة بوحدة سوريا، وبالأمن القومى العربى، كما رفض أبو الغيط السلوك الإيرانى المزعزع للاستقرار فى الشرق الأوسط، داعيا تركيا وإيران للتوقف عن السياسات الحالية، واتباع سياسات تتفق مع حسن الجوار . ونفى أبو الغيط أن تكون الجامعة العربية تم إطلاعها على ما يسمى بصفقة القرن، وقال إن الخطوات الأمريكية المتمثلة فى نقل السفارة من تل أبيب للقدس، ووقف تمويل الأونروا تشكل تراجعا عن المبادئ الدولية المتفق عليها لحل القضية الفلسطينية، وفى مقدمتها حل الدولتين، وكشف أبو الغيط عن إجراء حوار عربى مع اليابان وروسيا، بالإضافة للقمة العربية - الإفريقية خلال العام الجارى، مؤكدا أن دعم العلاقات العربية مع هذه التكتلات السياسية والجغرافية، يهدف إلى تعزيز المصالح العربية مع هذه التكتلات، وشدد الأمين العام للجامعة العربية على وجود مقاربة شاملة لمحاربة الإرهاب، مؤكداً وجود إستراتيجية عربية لمكافحة الإرهاب، مع توافر الخبرة العربية للتعامل مع العائدين من ساحات الإرهاب الدولية. وفى أول تعليق من الجامعة العربية على ما يحدث فى السودان والجزائر، قال أبو الغيط: إن التطورات الأخيرة فى السودان والجزائر، أوضحت أن الوضع لم يستقر بعد فى العالم العربى، فيما يتعلق بإدراك التكلفة التى عانت منها المنطقة منذ عام 2011، مجددا دعمه لجهود المبعوث الدولى لليبيا غسان سلامة، وكاشفا عن اجتماع للجنة الرباعية الخاصة بليبيا على هامش القمة العربية المقبلة فى تونس، وجدد الأمين العام قلقه من عدم التزام الحوثيين باتفاق «استوكهولم»، واستمرار التدهور للأوضاع الإنسانية فى اليمن. وحول المكاسب التى تحققت للعرب من انعقاد أول قمة عربية - أوروبية فى شرم الشيخ، قال أبو الغيط: إن الجانب الأوروبى أقر بأن عدم اهتزاز الدول الوطنية، هو المفتاح الحقيقى للخروج من الأزمات التى عاشتها عدة دول عربية، بعد ما يسمى بالربيع العربى، وأن الدول العربية حصلت على التزام أوروبى سياسى قوى بالتجاوب مع المنطلقات والمواقف العربية، وأن القمة العربية - الأوروبية أثمرت عن اتساع مساحة التفاهم بين العرب والأوروبيين حول العديد من القضايا المحورية، وإلى نص الحوار... فى 31 مارس الجارى تستضيف تونس القمة العربية فى دورتها العادية.. ما توقعاتكم لهذه القمة، وما أبرز القضايا التى يمكن أن يحدث فيها اختراق سياسى كبير؟ وما أهم رسائل هذه القمة؟ الموضوعات والتحديات العربية الرئيسية معروفة فى المجمل للرأى العام، سواء فيما يخص التحديات القائمة منذ عقود على غرار استمرار عدم وجود تسوية، أو أفق واضح حتى الآن للقضية الفلسطينية، أو تلك المتعلقة بالأزمات والنزاعات الكبيرة التى قامت على مدار السنوات الأخيرة، على غرار الأزمات فى كل من سوريا وليبيا واليمن، وتزايد التدخلات الخارجية فى الشئون الداخلية للدول العربية، خصوصا من جانب أطراف إقليمية، وما يرتبط أيضا بالأزمات من تصاعد فى حدة ظاهرة الإرهاب، وزيادة تدفقات المهاجرين واللاجئين، إضافة إلى موضوعات الأولوية فى المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، وستكون قمة تونس فرصة مناسبة لتأكيد الإرادة السياسية، للمضى قدما فى تعزيز ما تم الاتفاق عليه خلال قمة بيروت فى يناير الماضى، فيما يخص هذه الموضوعات الأخيرة. وأتصور من جانبى أن هذه القمة ستمثل فرصة مناسبة تماما فى هذه المرحلة الدقيقة، لتأكيد وجود وعى وإدراك عربى بأهمية العمل على تنشيط منظومة العمل العربى المشترك، وفى ذات الوقت مواجهة التحديات المتصاعدة للأمن الإقليمى العربى. وبشكل عام القمم العربية، ومن واقع كونها محفلا للقاءات بين القادة العرب داخل وخارج البرنامج الرسمى للقمة، تمثل فرصة يجب استغلالها بأقصى قدر ممكن، لإعطاء قوة دفع متجددة للعمل العربى، للتعامل مع التحديات والتهديدات، والتوصل إلى تفاهمات بين الدول وخطط وإجراءات تنفيذها، وأرى أن انعقاد القمة فى تونس يخدم إلى حد كبير تحقيق هذا الهدف، خصوصا فى ضوء العلاقات الطيبة التى تربط هذا البلد، والرئيس السبسى بمختلف الدول والقادة العرب، الأمر الذى أتوقع معه أن تكون هناك مشاركة جيدة للغاية من جانب القادة العرب فى هذه القمة، فضلا عن أنه وسط المأساة التى تعرضت لها هذه المنطقة منذ عام 2011، ولا تزال، فإن انعقاد مثل هذه القمم فى حد ذاته هو رسالة بأننا أحياء وقادرون على حل مشاكلنا. وكيف تنظرون إلى الدور المصرى فى دعم هذه القمم؟ من المؤكد أن مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، تلعب دورا كبيرا فى إنجاح هذه القمم، ولم الشمل العربى والتأكيد على ترسيخ وعدم اهتزاز الدولة الوطنية، فالرئيس السيسى داعم بقوة لفكر العمل العربى المشترك، ونحن هنا فى الجامعة نلمس ذلك جدا، ونسعى بكل جهد لتحقيق طموحات القيادة المصرية، وأشقائنا العرب، وهنا أريد التنويه إلى أننى من أكثر الداعمين لرؤية مصر بقيادة الرئيس السيسى تجاه المنطقة، هذا فضلا عن أننى على المستوى الشخصى أرى أنه لا يوجد أحد ينافسنى فى تقديرى للرئيس السيسى. هناك تباين إقليمى ودولى حيال الوضع فى سوريا، ما رؤيتكم لحل هذه القضية فى ظل الحديث عن انسحاب أمريكى من سوريا؟ القضية السورية، ربما تكون هى أكثر القضايا العربية تشابكا وتعقيدا على مدى السنوات الأخيرة، وذلك فى ضوء طبيعة التفاعلات والحسابات الإقليمية والدولية المرتبطة بها، خصوصا أن الإقليم السورى أصبح ساحة للتجاذبات بين أطراف إقليمية ودولية على رأسها روسيا والولايات المتحدة، إضافة إلى دولتى جوار إقليميتين، تحدثت أكثر من مرة حول نهجهما غير الإيجابى فى التعامل مع الإقليم العربى بشكل عام، ومع التطورات فى دول عربية بعينها على غرار سوريا. وفيما يتعلق بفرص حل هذه القضية واحتواء المأساة التى عانى منها الملايين من أبناء الشعب السورى، فإن نقطة البداية فى رأيى، هى ضرورة وجود توافق كامل بين جميع الأطراف المنخرطة فى التعامل مع هذه الأزمة، حول مجموعة من الثوابت اللازمة لحلها، علما بأننى أتصور أن التوصل إلى حل نهائى وشامل لهذه الأزمة سيستغرق سنوات، بالنظر إلى حجم تداعياتها الواسع. ويأتى على رأس هذه الثوابت احترام السيادة السورية، ووحدة الإقليم، أو الأرض السورية، والمواجهة الجماعية لخطر الجماعات والتنظيمات الإرهابية، مع ضرورة مخاطبة آمال وطموحات جميع أبناء الشعب السورى، بما يكفل فى النهاية الوصول إلى معادلة نهائية للحل، تكون عادلة ومتوازنة وتكفل حقن الدماء، وإعادة الاستقرار إلى هذا البلد العربى المهم، ومعالجة الأزمة الإنسانية الواسعة التى عانى منها أبناؤه. هناك تصريحات لدول عربية بأن عودة سوريا للجامعة العربية يمكن أن تناقش خلال القمة العربية المقبلة.. فما توقعاتكم فى هذا الملف؟ سبق أن أوضحت فى مناسبات مختلفة الوضعية القانونية لموضوع المقعد السورى، والملابسات التى أحاطت بتعليق العضوية السورية فى الجامعة فى نوفمبر 2011، بناء على قرار من المجلس الوزارى للجامعة، وبالتالى فلن أستطرد فى شرح هذه الجزئية، ولكن قصدت الإشارة هنا إلى هذه المسألة لتوضيح أن الآلية المعنية بالتعامل مع هذا الموضوع هو مجلس وزراء الخارجية، الذى علق العضوية السورية فى 2011، وبالتالى فإن بحث موضوع رفع التعليق يحب أن يكون أيضا من خلال هذا المجلس، حتى الآن لم يتحقق أمران، الأول هو وجود توافق بين الدول الأعضاء على عودة سوريا لشغل مقعدها فى الجامعة، وذلك نتيجة استمرار وجود اختلاف بين الدول فى هذا الصدد، والثانى أنه برغم تواتر الحديث من جانب المسئولين فى بعض الدول الأعضاء، حول أهمية عودة سوريا، فإنه لم يحدث حتى الآن أى تحرك رسمى فى هذا الاتجاه من جانب أى دولة عضو، فلم ترد مثلا مذكرة رسمية إلى الأمانة العامة قبل الاجتماع الأخير للمجلس الوزارى فى 6 مارس تطلب بحث هذا الموضوع خلال الاجتماع، ولم تتم أيضا إثارته بأى شكل من الأشكال خلال النقاشات الرسمية لاجتماع المجلس. لا يعنى هذا بالطبع أن الموضوع غير حاضر فى النقاشات غير الرسمية بين الدول. والأزمة السورية، وتطوراتها، وسبل حلها، تحظى دائما بنقاشات مستفيضة فى حوارات الوزراء والقادة، من منطلق الأهمية الكبيرة للعمل على تسوية هذه الأزمة. فى ضوء ما تقدم لا أتوقع شخصيا أن تشهد قمة تونس المقبلة، اتخاذ خطوات رسمية من جانب القادة فيما يخص المقعد السورى، وإن كنت أتوقع فى ذات الوقت أن يكون هذا الموضوع حاضرا فى النقاشات غير الرسمية. عبرتم عن رفضكم لإنشاء منطقة آمنة تركية فى شمال سوريا.. لماذا تتخوفون من هذه المنطقة، وما تأثير ذلك على الأمن القومى العربى؟ كما ذكرت، فإن من أهم الأولويات التى يجب أن يتم التعامل معها باعتبارها من الثوابت الرئيسية فى التعامل مع الملف السورى، هى احترام السيادة السورية ووحدة الأرض السورية، وبالتالى فإن أى حديث عن اتخاذ ترتيبات تخل بهذه الثوابت، على غرار إنشاء منطقة آمنة، هو أمر مرفوض، لأنه ستكون له تأثيراته المستقبلية العنيفة، ليس فقط فى الإقليم السورى، إنما فيما يرتبط بالأطماع الإقليمية فى الأرض العربية. وكنت قد أشرت أيضا فى السابق، إلى أنه، ومع تفهم الموقف التركى والتخوفات من النشاط الكردى فى منطقة شمال سوريا وتأثيراته على الإقليم التركى، فإن هناك حلولا وبدائل للتعامل مع هذا الموقف، وهو ما أشرت إليه أخيرا خلال مشاركتى فى أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن، عندما أشرت إلى إمكانية العمل على تفعيل اتفاق أضنة لعام 1998، الذى أبرم بين الجانبين السورى والتركى وبرعاية مصرية، كصيغة مناسبة لمخاطبة أولويات وتخوفات الجانبين. من ناحية أخرى فإن إصرار تركيا على المضى قدما فى هذا الاتجاه، يمكن أن تكون له آثاره الوخيمة على مستقبل وفرص تسوية الأزمة السورية، وأيضا على منظومة الأمن الإقليمى العربى ككل، والتى نسعى لتثبيت عناصرها، التى يأتى على رأسها وحدة الإقليم فى كل دولة عربية، ورفض التدخلات الخارجية، سواء فى الشئون الداخلية للدول الأعضاء، وأيضا التدخلات على الأرض، التى من شأنها أن تغير من العديد من العناصر السياسية والديمغرافية وغيرها، وتدخل بنا جميعا إلى نفق مظلم. هناك قوات تركية فى معسكر بعشيقة بالعراق، وترفض تركيا الانسحاب من هناك فى ظل حديث عن العودة لاحتلال الموصل حال انتهاء اتفاقية لوزان 2023.. فما الخيارات العربية لوقف التمدد التركى فى شمال العراق؟ بشكل عام التدخلات التركية فى شمال العراق وانتهاكها للسيادة العراقية، أمر مرفوض، وسبق أن أصدرت تصريحات واضحة فى هذا الصدد، كما أن هناك قرارات تصدر بشكل دورى عن مجلس الجامعة، وعن القمم العربية تتعلق بهذا الموضوع. وأنا أدعو الجانب التركى لإعادة تعديل مساره للتعامل مع المنطقة العربية، وذلك لخطورة المسار الحالي، وبالتأكيد فإن الدول العربية لا ترغب فى وجود توتر مع الطرف التركى، خصوصا فى ضوء الروابط الجغرافية والثقافية والحضارية والمجتمعية والاقتصادية التى تربط بين الجانبين، وبالتالى أدعو الجانب التركى لمراجعة نهجه تجاه الدول العراقية المجاورة له بشكل رئيسى، وتجنب اتخاذ خطوات قد يكون من شأنها فتح الباب لمزيد من التعقيدات، التى أتصور أن الجميع فى غنى عنها خلال المرحلة الحالية. هل نتوقع أن يكون هناك موقف عربى أثناء القمة المقبلة ضد التوغل التركى فى الأراضى العربية؟ بالتأكيد سيكون هناك تناول معمق لهذا الموضوع خلال القمة، خصوصا أنه، كما أسلفت، هناك وعى لدى الدول الأعضاء، بأن مثل هذا التدخل أو الاختراق للأرض العربية، يمكن أن تكون له آثار واسعة المدى، ويجب العمل على احتوائها قبل فوات الأوان، وحتى لا نكون بصدد محفزات جديدة للمزيد من الأزمات فى الدول العربية التى تشهد تدخلات تركية. أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار فى الشرق الأوسط مصدر للقلاقل فى المنطقة العربية.. ما رؤيتكم لوقف التدخلات الإيرانية فى الأراضى العربية؟ التدخلات الإيرانية فى الشئون الداخلية لعدة دول عربية هو أمر معلوم للجميع، وهناك قرارات تصدر باستمرار عن الجامعة العربية فى هذا الإطار، سواء من مجلس وزراء الخارجية أم على مستوى القمة، وذلك فى ضوء خطورة هذه التدخلات، واتساع دائرة تأثيرها على أمن واستقرار عدة دول عربية، وأيضا على السلام الاجتماعى والتوازنات الداخلية فيها فى ضوء ما تشهده من استخدام نبرة طائفية، وفى بعض الأحيان نبرة استعلائية، وهو أمر نرفضه تماما. ورسالتى للجانب الإيرانى هى: ضرورة أن يكف يده عن القيام بمثل هذه التدخلات، وأن يسعى لإقامة علاقة صحية مع العالم العربى، لا تتأسس بالتأكيد على استخدام النعرات الطائفية أو السعى لإحداث انقسامات داخلية فى الدول العربية، أو محاولة استغلال مثل هذه التدخلات كأوراق ضغط فى إطار توازناته مع الأطراف الدولية. الأمر يحتاج إلى التعقل من الطرف الإيرانى، خصوصا أن هناك بعض التصرفات التى جرت، التى كانت من الممكن أن تدفع بالمنطقة كلها إلى حافة الهاوية على غرار إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية العام الماضى من جماعة الحوثيين على المملكة العربية السعودية. هناك من يرى تراجع الإيمان الأمريكى بحل الدولتين، فهل أطلعتكم واشنطن على الخطة التى يروج لها البيت الأبيض حول القضية الفلسطينية؟ منذ تولت الإدارة الأمريكية الحالية مقاليد الأمور فى الولايات المتحدة، ونحن نسمع من وسائل الإعلام بالدرجة الأولى، عن وجود خطة تنتظر اللحظة المناسبة للإعلان عنها، وهو ما أطلق عليها البعض «صفقة القرن»، لكن حقيقة الأمر أننا لم نطلع حتى الآن على تفاصيل محددة لمثل هذه الخطة، وتتواتر إلينا أفكار من هنا وهناك، ونحن على علم بأن ما أثير مع القيادة الفلسطينية حتى الآن لم يرق، بالتأكيد، لأن يكون خطة متكاملة لتسوية فلسطينية إسرائيلية، تشمل آفاقا واضحة للحل النهائى، وتضمن إعمال حل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، بل وللأسف فإن كل ما شهدناه من هذه الإدارة الأمريكية كان عمليا، ارتدادا عن تحقيق هذا الهدف، مع الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وتعليق المساهمة الأمريكية فى ميزانية وكالة الأونروا وغيرها من الخطوات التى قامت بها هذه الإدارة، والتى أرى أنها لا تؤدى سوى إلى المزيد من التأزيم للقضية الفلسطينية والتعقيد لفرص التسوية المستقبلية. أحداث 2011 سببت انقسامات وخلافات عربية، فهل اقتربت الدول العربية من تجاوز هذه المرحلة الصعبة وما عوامل الدفع بالتقارب العربي- العربي؟ كان لدى قبل أشهر قليلة، تفاؤل بتبلور وعى عربى بأهمية تجاوز هذه المرحلة، التى نتج عنها اهتزازات شديدة فى بنية النظام العربى، وتهديد لفكرة الدولة الوطنية ومآس إنسانية واسعة فى الدول التى عانت نزاعات مسلحة، وتراجع معدلات التنمية وغيرها من التداعيات السلبية، فإن التطورات الأخيرة فى كل من السودان والجزائر، أوضحت أن الوضع لم يستقر بعد، فيما يتعلق بإدراك التكلفة التى عانت منها المنطقة منذ عام 2011، نتيجة عدم القراءة الجيدة للمشهد فى شموليته، وهو ما كانت له تكلفته الباهظة على مستوى فقدان أرواح مئات الألوف من البشر، قبل الحديث عن الخسائر الاقتصادية، أو تراجع معدلات النمو وغيرها من التداعيات السلبية. لنأمل أن نتجاوز هذه المرحلة الصعبة، وأن يكون هناك وعى بأن المنطقة لن تتحمل أن تدخل مرة أخرى فى دائرة مفرغة من التوترات أو النزاعات. وأتصور أن تراجع حجم العمليات العسكرية فى كل من سوريا وليبيا واليمن هو مؤشر على أن الأمور يمكن أن تسير بشكل جيد، إذا ما توافرت معادلات مناسبة ومتوازنة للتوصل إلى تسويات مناسبة للنزاعات فى هذه الدول. يبقى بالطبع التردى الحالى فى وضعية القضية الفلسطينية عنصرا محبطا، وكما سبق أن ذكرت فى أحاديث سابقة، فإن هذه القضية دفعت ثمنا كبيرا نتيجة التوترات التى ألمت بالمنطقة، التى أدت إلى الانصراف، إلى حد ما على مدار هذه السنوات الأخيرة، عن لفت الانتباه، خصوصا على المستوى الدولى، إلى استمرار تصاعد مأساة أبناء الشعب الفلسطينى، واتجاه الأنظار الدولية إلى ما يحدث فى الدول التى تواجه نزاعات مسلحة. لنأمل أيضا أن تثمر قمة تونس عن تحقيق توافقات مناسبة ما بين الدول العربية، وبعضها بعضًا، بما يسهم فى تحقيق نوع من التقارب بين الأطراف العربية التى توجد بينها اختلافات فى الرؤى تجاه بعض القضايا أو الملفات. ما رؤيتكم للحل فى ليبيا فى ظل عدم وجود أفق سياسى حتى الآن للحل، وهل يمكن أن يشهد عام 2019 الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التى تحدث عنها المبعوث الأممى غسان سلامة؟ الوضع الليبى ليس بالوضع السهل أيضا، وذلك على الرغم من أن ليبيا لا تواجه ذات الانقسامات العرقية أو الطائفية القائمة فى كل من سوريا واليمن على سبيل المثال، لكن ضعف البنى المؤسسية التى كانت قائمة وقت حكم القذافى وغلبة الطابع القبلى على المجتمع الليبى، وتربح الميليشيات من وراء استمرار الوضع الحالى، هى جميعها عناصر لعرقلة هدف تحقيق انتقال سلس للسلطة فى ليبيا، والتى واجهت على مدار السنوات الأخيرة مخاطر الانقسام إلى دولتين ليس فقط فى الشرق والغرب، وإنما إلى أكثر من ذلك، وهو إن حدث فسيمثل كارثة ليس فقط للشعب الليبى ومنطقة شمال إفريقيا، وإنما للوطن العربى ككل. ونحن ندعم كجامعة عربية جهود المبعوث الأممى غسان سلامة، فى اتجاه تحقيق التوافق المنشود بين الأطراف الليبية، وعودة المؤسسات الليبية للعمل بشكل سليم ودائم، كما أنشط شخصيا فى التعامل مع هذا الأمر، من خلال عضويتى فى المجموعة الرباعية الدولية المعنية بالوضع فى ليبيا، التى تضم إلى جانب الجامعة العربية كلا من الاتحادين الأوروبى والإفريقى والأمم المتحدة وهى المجموعة التى نعتزم عقد لقاء لها على هامش قمة تونس، كما ينشط المبعوث الخاص للأمين العام للجامعة العربية د. صلاح الدين الجمالى، فى التواصل مع مختلف الأطراف الليبية، ونأمل فى أن تشهد الفترة المقبلة التوصل إلى توافقات لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال العام الجارى، وندعم بالطبع، فى هذا الإطار بشكل كامل، الجهود التى تبذلها الآلية الثلاثية لدول الجوار، التى تضم مصر وتونس والجزائر، من أجل المساهمة فى إحلال كامل الأمن والاستقرار فى ليبيا. من المؤكد أنكم تتابعون محاولات الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاق إستوكهولم بين الحكومة الشرعية فى اليمن والمتمردين الحوثيين.. فكيف يمكن الدفع بالحل السياسى لإنهاء الحرب فى اليمن فى طل تعنت الحوثيين؟ هذه الأزمة تكتنفها أيضا تعقيدات ناتجة عن الحرب التى دارت بين الحكومة الشرعية والحوثيين، المدعومين بقوة من إيران، التى نتجت عنها مأساة إنسانية كبيرة، ومعاناة لقطاعات واسعة من أبناء الشعب اليمنى، سواء على المستوى الصحى أم على مستوى توفير الغذاء اللازم، ونحن نتابع الجهود التى يقوم بها المبعوث الأممى مارتين جريفيث، والتى كان على رأسها التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار فى إستوكهولم، وإن كان لم يحدث حتى الآن تواصل مباشر بينه وبين الجامعة العربية حول هذه الجهود، وهو الأمر الذى سنسعى لمعالجته خلال الفترة المقبلة. بشكل عام يقلقنى كثيرا استمرار عدم التزام الحوثيين بصورة كاملة باتفاق وقف إطلاق النار، خصوصا فى منطقة الحديدة، إضافة بالطبع للتدهور المستمر للأوضاع الإنسانية خصوصا للأطفال والنساء والشيوخ، مما فتح الباب للحديث حول إمكانية دخول اليمن إلى مجاعة كاملة، وتفشى وباء الكوليرا بشكل واسع، وبالطبع سيكون هذا الملف حاضرا بقوة خلال قمة تونس. منذ أسابيع نجح الجانب العربى فى إقناع الجانب الأوروبى بعقد أول قمة عربية أوروبية. ما أهم المكاسب التى حققها العرب فى أولى قممهم مع أوروبا؟ بداية دعنى أقول إن الرغبة فى ترفيع العلاقة بين الجانبين العربى والأوروبى تدخل مرحلة مؤسسية جديدة على مستوى قيادات الجانبين، وهى رغبة متبادلة، وذلك فى ضوء إدراكهما محورية علاقتهما فى العديد من أبعادها، خصوصا بعد أن شهدت السنوات الأخيرة تطورات، وأيضا توترات فى المنطقة العربية كانت لها آثارها المباشرة، وغير المباشرة على الإقليم الأوروبى، من بينها ما يتعلق بموضوعات الإرهاب، وتدفقات اللاجئين، والهجرة غير الشرعية، ولا ننسى أيضا العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية الواسعة بين الجانبين، وتشاركهما فى ميراث حضارى وثقافى ممتد عبر العصور، وبالتالى كان من المنطقى أن تدفع جميع هذه العناصر نحو التفكير فى عقد قمة بين الطرفين، ثم تفعيل هذه الفكرة من خلال القمة الأولى فى شرم الشيخ. أما فيما يخص أهم المكتسبات المتعددة بالنسبة للجانب العربي، وهى مكتسبات مهد لها عقد القمة الأولى فى دولة عربية بثقل مصر على المستويين الإقليمى والدولى، وتحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى بعلاقاته أيضا الإقليمية والدولية الواسعة. ويأتى على رأسها فى تقديرى إدراك الطرف الأوروبى، وإقراره بالطبيعة الحقيقية للتطورات التى شهدتها المنطقة على مدار السنوات الثمانى الأخيرة، وأن أمن واستقرار المنطقة وعدم اهتزاز الدول الوطنية هو المفتاح الحقيقى للخروج من الأزمات التى عاشتها عدة دول عربية خلال هذه السنوات، التى كانت لها تداعيات فى الإقليم الأوروبى كما ذكرت، إضافة بالطبع للحصول على التزام أوروبى سياسى قوى على أعلى مستوى، بالتجاوب مع المنطلقات والمواقف العربية تجاه عدد من القضايا الرئيسية للجانب العربى، التى يأتى على رأسها بالطبع القضية الفلسطينية، ثم كذلك تأكيد ضرورة سعى الطرفين للعمل بشكل مشترك، وحثيث للتعامل مع ملفات مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، ومواجهة الجريمة المنظمة وتوفير المعاملة اللائقة للاجئين العرب، واستشراف فرص جديدة للتعاون التنموى والاقتصادى بين الجانبين، وهى جمعيها ملفات مهمة للغاية للجانب العربى. ما الآليات التى سيعمل عليها العرب والأوروبيون لتحقيق ما جاء فى البيان الختامى للقمة العربية - الأوروبية لتحقيق نقلة نوعية فى العمل العربى - الأوروبى المشترك؟ هناك بالفعل آليات للتعاون والتنسيق قائمة بالفعل بين الجانبين منذ سنوات، تأتى على رأسها الاجتماعات الدورية لوزراء الخارجية العرب والأوروبيين، والتى تشهد مناقشة جميع الموضوعات ذات الأولوية المشتركة، ولا ننسى فى هذا الصدد أن الاجتماع الوزارى الذى عقد بمقر الجامعة العربية بالقاهرة فى ديسمبر 2016، هو الذى تمخضت عنه فكرة عقد أول قمة بين الطرفين، وذلك فى إطار الوعى بإستراتيجية العلاقات بينهما، وجسامة التحديات التى يواجهها الطرفان. كما أن هناك آليات أخرى للعمل على المستوى القطاعى، تناقش موضوعات مهمة للتعاون فى موضوعات، على غرار موضوعات الارتقاء بدور الشباب، وتمكين المرأة، ودعم دور المجتمع المدنى فى مساندة الجهود التنموية للدول، والهجرة، واللاجئين، ومكافحة الجريمة المنظمة، والتعاون الثقافى، وغيرها من الموضوعات العامة. ولدى الأمانة العامة للجامعة العربية برنامجها الخاص للتعاون فى هذا الصدد مع مفوضية الاتحاد الأوروبى، والذى يسمى ب "حوار 1 و2" وهو الآن فى مرحلته الثانية، وهو البرنامج الذى يشمل تقديم الدعم الفنى، وبناء القدرات والتدريب لكوادر الأمانة العامة، خصوصا الشباب منهم من جانب المفوضية الأوروبية فى عدد من المجالات المهمة. ومن المنتظر أيضا إضافة إلى ما تقدم، أن تعطى قمة شرم الشيخ مع ما حملته من نجاح وأجواء إيجابية قوة دفع لعمل هذه الآليات، وربما استحداث آليات جديدة أيضا خلال المرحلة القريبة المقبلة، فى إطار الإعداد للقمة الثانية المقرر أن تعقد فى بروكسل فى عام 2022. هل يمكن القول إن مساحات الاتفاق زادت وعوامل الاختلاف تراجعت بين العرب ودول الاتحاد الأوروبى بعد القمة الأولى بين الجانبين؟ يمكن القول: إن القمة أثمرت عن اتساع مساحة التفاهم بينهما حول العديد من القضايا المحورية. وكما ذكرت كانت للطرف الأوروبى قناعات معينة فيما يخص بعض الموضوعات، وربما فهم خاطئ لطبيعة التطورات فى المنطقة ولتركيبة أو بنية المجتمعات العربية، الأمر الذى جعله يبنى بعض سياساته فى المرحلة الماضية على قناعات لا تتناسب مع الطابع الحقيقى للأمور، وبما أسهم فى بعض الأحيان فى تعقيد الاتصالات، التى كانت تجرى للتعامل مع أو لاحتواء بعض الملفات العربية الرئيسية. وأعتقد فى هذا الإطار أن اختيار عنوان قمة شرم الشيخ "فى استقرارنا نستثمر" كان اختياراً مهما ومعبراً عن إدراك الطرفين لمدى أولوية تحقيق الاستقرار، ليس فقط فى المنطقة العربية، وإنما أيضا فى الإقليم الأوروبى، وبما يكفل قيام علاقة صحية وإيجابية بين الجانبين، تكفل إيجاد حلول عملية وحقيقية للأزمات القائمة. هل سنشهد خلال الفترة المقبلة حوارات عربية مع تكتلات سياسية أو جغرافية على غرار الحوار العربى - الأوروبى؟ هناك بالفعل أطر للحوار العربى مع عدد من الأطراف الرئيسية الفاعلة على المستوى الدولى، أذكر منها على سبيل المثال آلية القمة العربية - الإفريقية، والقمة العربية مع دول أمريكا اللاتينية، ومنتدى التعاون العربي - الصينى، والاجتماعات الوزارية للحوار العربي- الروسى، ومنتدى الحوار العربي - اليابانى، والمنتدى العربي- الهندي، وجميع هذه الأطر نشطة إلى حد كبير، وتعقد اجتماعاتها بشكل مستمر، ومتبادل مع هذه الأطراف، ومن المنتظر أن يشهد العام الحالى على سبيل المثال انعقاد قمة عربية - إفريقية بالمملكة العربية السعودية، كما سيعقد فى 16 إبريل المقبل بروسيا اجتماع وزارى جديد فى إطار الحوار العربى - الروسي، وسيعقد أيضا اجتماع وزارى جديد هذا العام للحوار العربي - اليابانى. وبصفة عامة فإننا نلمس من جميع هؤلاء الشركاء وجود اهتمام كبير لديهم بتطوير العلاقات مع الدول العربية فى مختلف المجالات، وتفهما فى معظم الأحيان لمجمل المواقف والرؤى والمنطلقات العربية، تجاه العديد من القضايا المحورية، ونحصل منهم على مواقف إيجابية للغاية ومساندة لهذه القضايا. وأخص بالذكر هنا كنموذج ناجح للغاية لمثل هذا التعاون مع الشركاء الدوليين الرئيسيين، عمل منتدى التعاون العربى - الصينى، الذى عقد اجتماعه الوزارى الأخير فى العاصمة الصينية بكين، وشهد مشاركة واسعة من الطرف العربى واهتماما صينيا كبيرا، بالتأكيد على محورية علاقاته بالعالم العربى، وحرصه على دعم المواقف العربية الرئيسية، ومساندة عمليات التنمية فى المنطقة خاصة من خلال مبادرة طريق الحرير الصينية. تروج الولايات المتحدة لنهاية نتظيم داعش، لكن الخبراء يؤكدون بقاء خطر التنظيم. كيف يمكن للدول العربية البناء على ما تحقق فى الحرب على الإرهاب؟ وهل من إستراتيجية عربية موحدة لمكافحة الإرهاب؟ القضية هنا يجب ألا تنحصر فى بقاء أو عدم بقاء داعش. ومع أهمية العمل بالطبع على كسر شوكته تماما، بحيث لا تقوم له قائمة، قياساً بما ارتكبه هذا التنظيم من مذابح وانتهاكات يندى لها الجبين فى كل من سوريا والعراق وليبيا، فإن إستراتيجيتنا فى العمل يجب أن تكون أوسع من هذا بكثير. فالتاريخ والتجربة العملية أثبتا أن زوال أو اختفاء تنظيم إرهابى أو متطرف فى وقت ما أو من مكان ما، لا يعنى أنه لن يعود فى صورة أخرى جديدة أو تحت مسمى جديد فى زمن آخر أو فى منطقة أخرى. وبالتالى فإن الهدف الأسمى هنا يجب أن يكون هو التعامل مع ظاهرة الإرهاب فى شموليتها، ومن خلال بحث جميع عناصرها وجذورها وتداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبحيث تشارك مجتمعاتنا العربية والإسلامية بجميع مكوناتها فى الحرب الضروس القائمة مع هذا الخطر الكبير، وبحيث يكون هذا التحرك مانعاً لتجدد عمل مثل هذه التنظيمات، وبما يكفل استئصال القائم منها من جذوره. ونحن فى الجامعة العربية متنبهون إلى هذا الموضوع منذ سنوات ولا توجد دولة عربية تقريبا، لم تعان من هذه الظاهرة بشكل أو آخر. فلدينا بالفعل إستراتيجية عربية لمكافحة الإرهاب، وهناك اجتماعات دورية تعقدها الدول الأعضاء، سواء فى إطار عمل الجامعة أم فى إطار عمل مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب، وهذه الاجتماعات تشهد مناقشات مستفيضة حول كيفية الارتقاء بالتعاون، والتنسيق بين الدول العربية فى هذا الصدد. كما أن لدينا أيضا لجنة تعمل على مخاطبة الجذور والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية لظاهرة الإرهاب، وسبق للجنة أن رفعت نتائج عملها وتوصياتها فى هذا الشأن إلى القمة العربية الدورية الثامنة والعشرين بالأردن فى عام 2017، وكلف القادة حينها اللجنة لمواصلة عملها. الخلاصة أن هناك عملا مستمرا ومكثفا فى هذا المجال، وهناك وعى كبير بمدى محورية هذه القضية، وضرورة التعامل معها بشكل رادع ومتكامل وسريع، فى ضوء ما تمثله من خطر على مستقبل دولنا ومجتمعاتنا العربية. قضية «العائدون من داعش» تشكل صداعا أمنيا للدول العربية وغيرها من دول العالم. ما رؤيتكم للتعامل الأمثل مع هذه القضية؟ هذه المسألة تمثل بالطبع أهمية خاصة قياسا من ناحية بالأثر السلبى الذى يمكن أن يلحق بالمجتمعات التى يعود إليها من التحقوا بهذا التنظيم، ولنا فى الخبرة التاريخية مع «العائدون من أفغانستان» عبرة، ومن ناحية أخرى فعملية استيعابهم أو دمجهم مرة أخرى فى المجتمعات، أمر ليس سهلا على الإطلاق، ويحتاج إلى تضافر جهود مختلف الجهات الرسمية والشعبية، ومراعاة قضايا مهمة ترتبط بهذا البعد، على غرار تشغيل الشباب وتجديد الخطاب الدينى، ومعالجة قضايا الفقر وتطوير التعليم، وغيرها من القضايا التى كان لها انعكاسها بالتأكيد فى انخراط مجموعات من الشباب فى هذه التنظيمات والجماعات الظلامية. برغم الظروف الصعبة نجحت الجامعة العربية فى جوانب ثقافية واقتصادية كثيرة، فهل تعتمدون على دعم العمل الاقتصادى العربى كرافعة للعمل العربى المشترك؟ هناك جهد كبير يبذل فى إطار الجامعة العربية للتعامل مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولعل أوضح مثال على ذلك هو حزمة القرارات المهمة التى تم تبنيها فى ختام القمة التنموية والاقتصادية والاجتماعية فى بيروت فى يناير الماضى، التى سنسعى خلال قمة تونس للتأكيد على محورية تفعيلها، لكن هذا الجهد لا يحظى بالاهتمام الكافى من جانب الرأى العام، نتيجة التركيز على القضايا السياسية ذات الأبعاد الأوسع، وما نحاول فعله حاليا هو خلق قناة للتواصل مع الرأى العام، لكى يتعرف على أبعاد هذا الجهد، وبحيث يحس المواطن العربى العادى بما يمكن أن يعود عليه من ورائه، أنه يمكن أن يسهم فى الارتقاء بأوضاعه اليومية والمعيشية، خصوصا أن العمل فى هذه المجالات يشهد نجاحات جيدة، يمكن أن تسهم إلى حد ما فى تغيير الانطباع التقليدى القائم لدى رجل الشارع العادى حول أداء الجامعة العربية. ومن أهم الموضوعات التى أتوقع أن تشهد زخما خلال المرحلة المقبلة، موضوع إتمام الاتحاد الجمركى بين الدول العربية ودخول اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى حيز النفاذ، مع قرب إتمام عدد التصديقات اللازمة لدخولها حيز النفاذ، وهى الخطوة التى من المنتظر أن يكون لها مردودها الإيجابى الواسع على حركة التجارة البينية العربية، ولا تفوتنى هنا الإشارة أيضا إلى محورية العمل القائم فى بعض مجالات العمل الاجتماعى المهمة على غرار موضوعات المرأة والطفل والشباب واللاجئين والهجرة والشئون الصحية للدول الأعضاء، وغيرها من الموضوعات التى أتصور أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من الإنجاز، خصوصا أن مساحات التوافق بين الدول الأعضاء بشأنها واسعة إلى حد كبير. محاولات إصلاح الجامعة العربية عملية مستمرة.. إلى أين وصلت هذه المحاولات؟ وهل تبشر الأفكار الجديدة بنقلة نوعية فى العمل العربى المشترك؟ الحديث فى موضوع إصلاح وتطوير عمل الجامعة العربية ليس بجديد أو وليد السنوات الأخيرة، وأنا شخصيا مقتنع تماما بأهمية تفعيل هذا الموضوع، ولكن وفقا لأسس متوازنة ومدروسة بعناية، خصوصا أن الجامعة العربية ليست عبارة عن مجموعة من الموظفين، الذين يقتصر الأمر على تلقيهم رواتب والقيام بنشاطات روتينية، وإنما نحن نتحدث عن منظومة واسعة ومتشابكة من النشاطات التى تدخل فى جميع مناحى العمل العربى المشترك، التى يجب العمل الارتقاء بها وفقا لأهداف وخطط واضحة، سعيا لخدمة الأولويات العربية الحقيقية، ووفقا للتوافقات التى تتوصل إليها الدول فى هذا الصدد. ولا تنس أننى كنت وزيرا لخارجية مصر لمدة سبع سنوات، وهى الدولة المستضيفة للجامعة العربية، التى لديها كل الحرص على تقويتها ودعمها والارتقاء بعملها، ومن هنا أعلم تماما مدى أهمية هذا الموضوع. وهناك بالفعل اجتماعات تعقد لفرق العمل الأربعة المكلفة بتناول أبعاد هذا الملف، وتشهد هذه الاجتماعات مناقشات مهمة ومفيدة بين ممثلى الدول، ومن بينها اجتماعات فريق العمل الأول المعنى بمراجعة ميثاق الجامعة العربية وتطوير الإطار الفكرى لمنظومة العمل العربى المشترك. من ناحية أخرى لا يجب تجاهل الأزمة المالية الخانقة التى عانت منها الجامعة العربية على مدار السنوات الأخيرة، وهناك استجابة، لكن ليس بالقدر الكافى من جانب الدول المتأخرة عن سداد حصصها فى ميزانية الجامعة، ومختلف الدول الأعضاء، على وعى بأن الجامعة لن تستطيع الوفاء بمهامها على الوجه الأكمل، إلا مع توافر التمويل المناسب لعملياتها، علما بأن ضرورة توافر هذا التمويل هو بالتأكيد أمر طبيعى فى مختلف مؤسسات العمل العام، والجامعة العربية ليست استثناء دوليا، بل على العكس، فنحن نعمل فى إطار ميزانية محدودة نسبيا لا تزيد على 60 مليون دولار سنويا، وهى لا تقارن على الإطلاق، ليس فقط بالميزانيات المتوافرة للأمم المتحدة، وإنما أيضا بنظيراتها من المنظمات الإقليمية. والحراك الذى قمنا به على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة، فى إطار إعادة توزيع الموارد التمويلية لضمان حسن استغلالها والاستفادة منها وفقا للأولويات، لم يأت فقط استجابة لمطالب الدول الأعضاء، وإنما فى إطار أيضا المراجعة الداخلية، التى وجهت نحو القيام بها عندما توليت مهام منصبى، من أجل ترشيد الإنفاق وتحقيق الاستغلال الأمثل للتمويل، وبما لا يعوق حسن سير العمل أو أداء الأمانة العامة لمهامها المرجوة، ولكن على الجميع أن يدرك أنه من الصعب الحديث حول التوجيه بتكليفات للقيام بأنشطة إضافية أو غير دورية، بما يستتبعه ذلك من نفقات وتكاليف دون توافر الحد الأدنى من الأموال فى الميزانية العادية للجامعة.












الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;