واجه العالم كله أحداث مذبحة نيوزلندا الوحشية عبر البث المباشر بشبكة التواصل الاجتماعى "فيسبوك"، وهو الأمر الذى لم يتوقعه أحد وكان بمثابة صدمة حقيقية أن تبث الأعمال الإرهابية بهذه الطريقة وللجميع.
ونشرت مؤسسة " nieman" للصحافة بجامعة هارفرد تحليلا حول القضية متساءلة هل حان الوقت لغلق خدمة البث المباشر بفيسبوك، وهل للشركة تحقيق الوعد الذى قطعه على نفسه مؤسسها والمدير التنفيذي لها مارك زوكربيرج قبل عامين، قائلا" سوف نستمر في بذل قصارى جهدنا لمنع حدوث مثل هذه المآسي."
فعندما انتشرت فيديوهات المذبحة في نيوزيلندا والتى كانت مباشرة على فيسبوك، أعاد ذلك حادثة روبرت جودوين في عام 2017 عندما قتل في كليفلاند، وأشارت التقارير الأولية إلى أن المهاجم قد بثها على خدمة فيسبوك لايف، والتى كانت في ذلك الوقت ميزة جديدة نسبيا للشبكة الاجتماعية.
أوضح فيسبوك وقتها أن الفيديو تم تحميله بعد الحدث، لكن الحادث لفت انتباه الجمهور إلى مخاطر البث المباشر.
في أعقاب مقتل جودوين، أطلقت المؤسسة بعض التوصيات بتأجيل عمليات البث على فيسبوك لايف، على الأقل لمستخدمي فيسبوك الذين تعرف الشركة بأنهم أقل من 18 عامًا، وبهذه الطريقة، ستتاح للمستخدمين البالغين فرصة الإبلاغ عن المحتوى غير اللائق قبل مشاهدتها من قبل الأطفال.، وعلى الرغم من أن الشركة قد استعانت بأكثر من 3000 مشرف إضافي على المحتوى ، إلا أن فيسبوك لم يتحسن حاله في منع أعمال العنف المرعبة من البث دون أي تحذير للمستخدمين.
وقالت الشركة إنه خلال الـ 24 ساعة التي تلت مذبحة نيوزيلندا ، تم تحميل 1.5 مليون مقطع فيديو وصور لعمليات القتل على خوادم فيسبوك.
سلطت فيسبوك الضوء على حقيقة أن 1.2 مليون منهم "تم حظرهم عند التحميل"، ومع ذلك، فقد اعترفت الشركة أن 300 ألف مقطع فيديو وصور لعملية قتل جماعي مرت عبر أنظمتها الآلية وكانت مرئية على المنصة.
ولاحظت الشركة أن أقل من 200 شخص شاهدوا بث المذبحة ، ومن المثير للدهشة أنه لم يبلغ أي مستخدم عن ذلك على فيسبوك حتى بعد انتهائها، وتوضح هذه التفاصيل مدى اعتماد فيسبوك على المستخدمين للإبلاغ عن المحتوى الضار، وتقترح أيضا أن الأشخاص لا يعرفون كيفية الإبلاغ عن محتوى غير لائق أو لا يثقون في أن الشركة ستتصرف بناءً على الشكوى.
وتمت مشاهدة الفيديو الذي بقي بعد انتهاء البث المباشر ما يقرب من 4000 مرة، وهذا العدد لا يشمل النسخ العديدة للفيديو الذي تم تحميله إلى مواقع أخرى وعلى فيسبوك بواسطة مستخدمين آخرين.
بما أنه يُسمح للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 عامًا بإعداد حسابات على فيسبوك فيالتالى قد يكون العديد منهم رأوا اللقطات.
هل يكون الحل فى تأخير وقت البث؟
تعد التأخيرات الزمنية القصيرة لبضع ثوان في صناعة التلفزيون، بمثابة بث نموذجي للأحداث الحية، حيث يتيح ذلك الوقت للمشرف مراجعة المحتوى وتأكيد ملاءمته للجمهور العريض. ويعتمد فيسبوك على المستخدمين كمشرفين، ولا تحتوي معظم برامج البث المباشر على جمهور كبير مثل التلفزيون، لذلك يجب أن يكون تأخيره أطول ربما بضع دقائق، فعندها فقط يقوم عدد كبير من المستخدمين البالغين بفحص البث وتتيح لهم الفرصة للإبلاغ عن محتواه.
ويمكن السماح للمستخدمين الرئيسيين بما في ذلك الناشرين والشركات، بالبث المباشر بعد الانتهاء من الحصول على دورة تدريبية خاصة بطريقة استخدام االلايف، لا يوجد أي تنظيم لشركات التواصل الاجتماعي، إذ تسعى فقةط لتحقيق الأرباح أو لتقليل احتجاجات الجمهور.
أما عن كيفية تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي فهي مسألة سياسية ، ولكن العديد من السياسيين الأمريكيين طوروا علاقات عميقة مع منصات مثل فيسبوك، فاعتمد البعض على وسائل التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات واستهداف المؤيدين بالإعلان عنهم ومساعدتهم على الانتخاب، وبمجرد توليهم المنصب ، يواصلون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع المؤيدين على أمل إعادة انتخابهم.
وتستخدم الوكالات الفيدرالية أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع الرأي العام والتأثير على آراء الناس، وذلك حتى فيما يعد انتهاك للقانون الأمريكي، فإن دور فيسبوك كأداة لاكتساب القوة السياسية والحفاظ عليها يجعل السياسيين أقل عرضة لكبح جماحه.
ولم يتخذ الكونجرس حتى الآن أي إجراء ذي معنى لتنظيم شركات التواصل الاجتماعي، على الرغم من التصريحات القوية للسياسيين والدعوات لعقد جلسات استماع حول وسائل التواصل الاجتماعي رداً على هجوم نيوزيلندا، وهو ما يجعل من غير المرجح أن تقود الجهات التنظيمية الأمريكية الطريق.
ويتولى مسؤولو الاتحاد الأوروبي الكثير من العمل ، وخاصة حول الخصوصية، حيث شددت حكومة نيوزيلندا أيضًا من حظر الفيديو المباشر لمذبحة المسجد، ففرضت على أي شخص يشاركه غرامات تصل إلى 10 آلاف دولار نيوزيلندي و 14 عامًا في السجن، وتم بالفعل اعتقال شخصين على الأقل لمشاركتهما عبر الإنترنت.
أما عن طرح فكرة مواجهة هذا الخطر وتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي من خلال استخدام قوانين مكافحة الاحتكار لإجبار عمالقة التكنولوجيا الهائلة مثل فيسوك على الانقسام إلى شركات منفصلة أصغر، فذلك لم يكن حلا على الإطلاق، لأنه سيكون هذا أمرًا صعبًا للغاية وسيأخذ الكثير من الوقت لتحقيقه.
وخلال الوقت الذى سيأخذه قرار مثل ذلك، سيكون هناك الكثير من الحوادث الخطيرة والعنيفة قد حدثت، لذلك يجب على موقع فيسبوك منع إساءة استخدام خدماته وإيقافها إذا كانت التأثيرات ضارة بالمجتمع.
ويجب ألا يرى أي طفل على الإطلاق "المحتوى الذي يتم إنتاجه على "اللايف" بما في ذلك القتل الجماعي، وكذلك المستخدمين البالغين يجب ألا يتعرضوا لمشاهدة مثل هذه الأفعال أيضًا، حيث أظهرت الدراسات أن مشاهدة العنف ينطوي على مخاطر صحية مثل توتر ما بعد الصدمة.
ولعله لهذا السبب تحديدا لم يعد يفيد تأجيل البث المباشر للمراهقين والأطفال، لكن كل الناس يستحقون وسائط اجتماعية أفضل وآمنة، لذلك يجب الآن على مارك زوكربيرج إغلاق فسبوك لايف لمصلحة الصحة والسلامة العامة، وألا يتم استعادة هذه الميزة إلا إذا تمكنت الشركة من إثبات للجمهور وللجهات التنظيمية أن تصميمها أكثر أمانًا.
وتتضمن معالجة البث المباشر بأمان وجود الكثير من مشرفي محتوى الاحترافيين للتعامل مع عبء العمل، ويجب أن يتمتع هؤلاء أيضًا بوصول مناسب إلى دعم للصحة العقلية وبيئات عمل الآمنة، حتى لا يتعرض موظفو فيسبوك لمشكلات بسبب العنف الوحشي الذي يتم نشره عبر الإنترنت.