أقيمت مراسم الاحتفال بتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فى البيت الأبيض بواشنطن يوم 26 مارس، مثل هذا اليوم 1979.. كان الرئيس السادات ورئيس الحكومة الإسرائيلية «بيجن» والرئيس الأمريكى جيمى كارتر يتوجون مسارهم الذى شهد زلزال زيارة السادات إلى إسرائيل يوم 19 نوفمبر 1977، ثم توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام يوم 17 سبتمبر 1978، وفى 27 أكتوبر 1978 تقرر منح جائزة نوبل للسلام للسادات وبيجن.. وفى كتاب «ستون عاما من الصراع فى الشرق الأوسط– شهادات للتاريخ- دار الشروق– القاهرة»، ويقوم على حوارات مواجهة أجراها «أندريه فرساى» مع الدكتور بطرس غالى وزير الدولة للشؤون الخارجية أثناء كامب ديفيد، وشيمون بيريز الرئيس الإسرائيلى الراحل.
يؤكد غالى أن السادات لم يتوجه إلى ستوكهولم لاستلام الجائزة، ويضيف: «كان يمثله هناك سيد مرعى رئيس مجلس الشعب، ففى قرارة نفسه، شعر أن السفر إلى القدس نقطة الانطلاق نحو السلام كان نابعا من مبادرة شخصية منه هو فقط، ولم يبد أنه قبل أن يتساوى بيجن معه». ويتذكر بيريز: «عندما أعلنت النبأ بنفسى لجولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل أثناء حرب أكتوبر 1973، نظرت إلى ثم قالت بعد لحظات:«نوبل للسلام لبيجن؟.كيف؟.كان يجب منحه جائزة الأوسكار».
يتذكر غالى مراسم التوقيع: «كنت أجلس بجانب كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية أثناء حرب أكتوبر، الذى كان يتصرف وكأنه شاهد على عقد زواج، وبعد سنوات من الحدث قص لى السفير الأمريكى فى القاهرة أن كيسنجر قال له فى هذا اليوم: «لماذا، بحق السماء، وقع السادات على هذه المعاهدة؟..كنت سأستطيع الحصول له على أفضل من ذلك»..يضيف غالى: «من الغريب أننى لم أشعر أنى جزء مشارك فى هذه الاحتفالية، شعرت كما لو أننى مجرد مشاهد ولست لاعبا، وبينما كانت تتم عملية التوقيع على المعاهدة سمعنا فى الخارج مظاهرات معادية بشدة لاتفاق السلام: «لقد تخليتم عن العرب، لقد تخليتم عن الفلسطينيين»، ولقد آلمنى ذلك، فكيف شعر السادات إزاء ذلك؟ هذا ما لا أعرفه».. يضيف غالى: «فى المساء، نظم البيت الأبيض حفل عشاء كبيرا، وجاء مجلسى مع زعماء الجالية اليهودية الأمريكية الذين لم يتوقفوا عن ترديد إلى أى حد هم سعداء بهذا السلام، ولكنى كنت معنويا مرهقا جدا ولم أستطع مشاركتهم ولو بقدر قليل فى فرحتهم».
يكشف محمود رياض، أمين عام جامعة الدول العربية وقتئذ، فى الجزء الأول من مذكراته «البحث عن السلام والصراع فى الشرق الأوسط»: «جاء الرئيس كارتر إلى القاهرة يوم 8 مارس، وأعلن فى خطاب له فى مجلس الشعب التزامه بالحل الشامل وبحقوق الفلسطينيين، ثم زار إسرائيل فى محاولة منه لإقناع الحكومة الإسرائيلية بألا تغلق الباب أمام الحل الشامل، إلا أنه لم ينجح بسبب تمسك بيجن بالحل المنفرد مع مصر، وإصراره على مواصلة احتلال الضفة الغربية وغزة، ولذلك فإنه عندما توقف «كارتر» بمطار القاهرة يوم 13 مارس بعد انتهاء زيارته لإسرائيل، اكتفى فى تصريح له بالحديث عن تحديد العناصر الرئيسية لاتفاق السلام بين مصر وإسرائيل».
يضيف «رياض»: «أصرت إسرائيل على أن تتضمن معاهدة الصلح نصا يعنى عمليا إنهاء مصر لالتزاماتها العربية المترتبة على عضويتها فى الجامعة العربية واتفاقية الدفاع المشترك، وجاء فى المادة السادسة من الاتفاقية، وحاول الوفد المصرى الإبقاء على التزامات مصر العربية عن طريق وضع تفسير لهذا النص فى ملحق الاتفاقية، إلا أن النص فى الملحق عاد ليؤكد ما جاء فى المادة السادسة التى ورد فيها: «يقر الطرفان بأنه فى حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأى من التزاماتها الأخرى، فإن الالتزمات الناشئة عن هذه المعاهدة هى التى تكون ملزمة التنفيذ».. يعلق رياض: «بموجب هذا النص فإنه فى اللحظة التى تباشر فيها إسرائيل غزو الأردن أو سوريا، لا يحق لمصر مد العون لها، لأن التزاماتها بمعاهدة السلام مع إسرائيل تعلو التزاماتها بالدفاع المشترك مع الدول العربية».
فى نفس اليوم «26 مارس» وقعت أمريكا وإسرائيل «مذكرة تفاهم»، ووفقا لرياض نصت على: «إن الولايات المتحدة ستتخذ التدابير التى تراها مناسبة فى حالة انتهاك معاهدة السلام والتى قد تتضمن تدابير دبلوماسية واقتصادية وعسكرية»، والتدابير فى فقرة تالية جاء فيها: «إن الولايات المتحدة على استعداد لاتخاذ التدابير التى من شأنها تقوية الوجود الأمريكى فى المنطقة وإمداد إسرائيل بالمعونات العاجلة من أجل وضع حد للانتهاك..وتتعهد بأن تعارض وتصوت ضد أى إجراء أو قرار فى الأمم المتحدة إذا كان له آثار معاكسة على اتفاقية السلام، وستسعى إلى الاستجابة لمتطلبات المساعدة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل».
كيف تصرف السادات أمام هذا الموقف الأمريكى، وكيف استقبلت الدول العربية توقيع المعاهدة؟