رأى الكاتب المفكر الدكتور لويس عوض أن يتقدم بالعزاء بطريقة مختلفة لأسرة المبدع عبد الرحمن الخميسى الذى توفى فى منفاه بموسكو وتم دفنه يوم 1 إبريل1987 فى المنصورة ..«راجع ذات يوم 1و2 إبريل 2019».
يتذكر لى الكاتب والقاص الدكتور أحمد الخميسى، الابن الأكبر لعبدالرحمن: «تقدم الدكتور لويس بعزائه لنا بأن دعانا أنا ووالدتى السيدة شفيقة جبر للعشاء فى مطعم بشارع شريف فى القاهرة يوم 3 إبريل مثل هذا اليوم1987.. يوضح: «والدتى كانت تلميذته فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، وانقطعت عن الدراسة بعد زواجها من والدي».. يكشف: «فى 24 يونيو 1953 كان والدى جالسا فى محل الأمريكيين الشهير بشارع سليمان باشا ففوجئ بضباط من البوليس السياسى يتقدمون إليه ويفتشون حقيبته وضبطوا فيها منشورا بعنوان «عد إلى بلادك يا فوستر دالاس» وزير الخارجية الأمريكية من 1953 إلى 1959»، ومنشورا آخر من ثلاث ورقات بعنوان «الاستعمار فى مصر» ويضيف: «فى ملفات المباحث العامة التى نشرها المحامى عادل أمين طالب الخميسى بإلغاء الأحكام العرفية، وعاد إلى توضيح موقفه ذاته مرة أخرى لوكيل النيابة بقوله إنه «لايرى أى دواعٍ لإقامة الحكم العسكرى»..يضيف: «ووارت القضبان والدى معتقلا لنحو ثلاث سنوات».
يؤكد أحمد الخميسى أن والدته قررت مواجهة شظف العيش باعتقال الوالد بأن تعود للدراسة لتحصل على الشهادة الجامعية للعمل بها، ونصحها لويس عوض بالحصول على شهادة مرضية للتغلب على انقطاعها عن الدراسة، وسيقوم هو بتذليل الباقى، وبالفعل عادت «شفيقة جبر» إلى الجامعة، وتخرجت، وتوظفت، وأصبحت مسئولة عن النشر فى المؤسسة المصرية للتأليف والنشر».
وفقا لموقع «البديل» الإلكتروني..فإن الكاتب والروائى جمال الغيطانى كتب وهو فى سن السادسة عشرة، مجموعته القصصية الأولى «المساكين» تيمنا بمساكين دوستويفسكي، وأرسلها إلى «المؤسسة المصرية للتأليف والنشر»، وبعد أسابيع تلقى رسالة لمقابلة مسؤولة النشر السيدة شفيقة جبر، وأبدت إعجابها بالقصص، ولم تعترض على النشر، لكنها أشارت إلى أن القصص تحتاج لمراجعة لغوية وتعديلات طفيفة، وقالت له إن أحمد ابنها يكتب القصة، وفى نفس عمره تقريباً ودعته أن يزورهم فى المنزل، وفوجئ أنها زوجة الأستاذ عبد الرحمن الخميسي، ليبدأ بعد هذا اللقاء الدخول إلى عوالم مختلفة، وقرر عدم نشر المجموعة.. يؤكد الغيطانى: «السيدة الرائعة شفيقة جبر لعبت دورا هاما فى حياتى، بل يمكن القول إن تعرفى إليها كان نقطة تحول حقيقية.. فى البيت تعرفت بأحمد وربطتنى به علاقة أخوية حميمة حتى فرقت بيننا ظروف الحياة، أما والده عبد الرحمن الخميسى فلم أعرفه جيدا عن قرب وإن سمعت عنه من خلال صحبه أكثر، لكنه ساعدنى فى الحصول على وظيفة عملت بها بعد تخرجى عام 196».
استدعى عزاء لويس عوض ذكريات سجن «الخميسى»، واحتفاء عوض بالكتابة عن إبداعه المتنوع خاصة فى مجاله الشعري.. يذكر يوسف الشريف:«الخميسى حين فرض نفسه شاعرا مغوارا على محافل القاهرة الأدبية عام 1938، ظل يؤثر نشر قصائده الجديدة فى الصحف والمجلات الأدبية حتى عام 1958، حيث اقتنع بنصائح أصدقائه لإصدار أول ديوان له، واختار له عنوان«أشواق إنسان» ضمنه تسع من مطولات قصائده، فكان موضع حفاوة النقاد على اختلاف توجهاتهم ومدارسهم الأدبية، إذ رأوا فيه السمة الأساسية المسيطرة على مختلف مراحل حياة الخميسى المتمثلة فى ذاك الشوق النبيل الذى يرفض كل ما هو كائن من ظلم اجتماعى وقهر سياسى، والحلم بما يجب أن يكون عليه المجتمع الذى تسوده العدالة والحرية».
ينقل الشريف رأى لويس عوض فى الخميسى شاعرا: «الخميسى شاعر مفطورلايصنع شعره ولا يقوله إلا إذا اضطربت به نفسه، ففاضت به فطرته حتى لم يعد يطيق السكوت، وليس معنى هذا أنه نفسه لا تهتز لشعر الحياة إلا نادرا، فأنا أعرف الخميسى وهو صديقى منذ عشرين سنة، وأعرف عنه أن نفسه قطع حية من شعر الحياة، وحياته ذاتها قصيدة عصماء، ترق أحيانا وتصفو كأنها الغدير الأزرق الرقراق، وتهدر أحيانا كأنها البركان قاذف الحمم.. الخميسى صادق حين يقول لقارئه:هذا الديوان «أشواق الإنسان».. كل قصيدة فيه مسقية من وجداني، مورقة برحيق ألمى وأملى، بدموع يأسى أو فرحى، متوردة بدمى..انظر مثلا إلى قصيدته «فى الليل» التى كتبها عام 1938 ولم يبلغ الثامنة عشرة من عمره بعد، ومطلعها: «أسدل الليل ياحبيبى ستوره/ ومشى فى جوانب المعمورة/ كاهنا تخفق الشموع على/ كفيه حيرى كأنها مذعورة»..يرى «عوض» أن الخميسى هو آخر الرومانسيين فى الأدب العربى الحديث وأنه ورث الرومانسية عن خليل مطران، وأدباء المهجر، ومدرسة أبولو، وتعلم قواعدها على يد زكى أبوشادي، وصديقه إبراهيم ناجي».
يتذكر أحمد الخميسى أن لويس عوض حضر حفل تأبين والده والذى أقامه حزب التجمع «اليساري» بزعامة خالد محيى الدين، ويؤكد: «كانت هذه أول مرة يدخل فيها حزب التجمع»..فى يوم 4 إبريل 1987، كان هناك حدثا جديدا عن الخميسى يستحق التوقف عنده.