خرج العاملون بمجلة رزواليوسف، والصحف المصرية ونخبة المجتمع من مثقفين ومفكرين وسياسيين يوم 11 إبريل، مثل هذا اليوم 1958، للمشاركة فى جنازة السيدة «فاطمة اليوسف» راجع ذات يوم 10 إبريل 2019.. كان المشهد يدل على عظمة الراحلة التى يحفظ التاريخ قصتها بأحرف من نور، وقصتها مع الصحافة التى أقدمت عليها بعد اعتزالها التمثيل عام 1925 هى الشاهد على ذلك.
تكشف فى مذكراتها «ذكريات»: «نبتت فكرة المجلة فى محل حلوانى اسمه «كساب»، كان يوجد فى المكان الذى تشغله الآن سينما ديانا، وكنت جالسة ساعة العصر مع الأصدقاء محمود عزى وأحمد حسن وإبراهيم خليل، نتحدث عن الفن..وتطرق الحديث إلى حاجتنا الشديدة إلى صحافة فنية محترمة ونقد فنى سليم يساهم فى النهوض بالحياة الفنية ويقف فى وجه موجة المجلات التى تعيش على حساب الفن كالنباتات الطفيلية..ولمع فى رأسى خاطر وقفت عنده برهة قصيرة، ثم قلت للزملاء بعد هذه البرهة من الصمت: لماذا لا أصدر مجلة فنية؟.. سألت إبراهيم خليل الذى كان يعمل فى جريدة البلاغ، كم يتكلف إصدار ثلاثة آلاف نسخة من مجلة ملزمتين على ورق أنيق، فأخرج «خليل» ورقة وقلما وحسب حساباته وقال:«12 جنيها».
تضيف: «طرحت على الزملاء سؤالا ثانيا: ماذا نسمى المجلة؟.. وتوالت المقترحات بالأسماء الأدبية والعلمية والفكاهية، وللمرة الثانية فاجأتهم باقتراح غريب: «لماذا لانسميها روزاليوسف؟»، ومع الصباح الباكر كنت فى مكتب إبراهيم خليل بجريدة «البلاغ» أملأ استمارة رسمية بطلب رخصة، ثم فى وزارة الداخلية لأقدم الاستمارة بنفسى بين الدهشة البالغة للموظفين.. وفى نفس اليوم بدأت أتصل بأول المحررين الذين سيشتركون معى فى إصدار المجلة، الصديق محمد التابعى».
خرجت المجلة إلى القراء، وسط تحديات هائلة، وخسائر تهدد بالتوقف، وكانت «فاطمة اليوسف» أقدر فى المواجهة، فدخلت تحديا أكبر بتحويل المجلة من فنية إلى سياسية، كما قفزت على تحدٍّ أصعب، فوفقا لكتاب «مقالاتى الصحفية بقلم روزاليوسف«إعداد وتقديم» رشاد كامل»: «كانت أكبر الصعوبات التى واجهتها أنها «سيدة» أو«ست» كما كتب الأستاذ فكرى أباظة، وتزيد هذا الأمر تفسيرا وإيضاحا السيدة فاطمة اليوسف عندما تقول متسائلة: «ماهى الصعوبة الكبرى التى واجهتنى فى إصدار المجلة وكان على أن أجتازها؟.. وتجيب قائلة: لم تكن هذه الصعوبة فى المال القليل ولا الجهد المضنى ولأسوق الصحافة الضيق بل كانت تتلخص فى أننى «سيدة»..فمنذ ثمانية وعشرين عاما لم يكن من حق المرأة أن تدخل ميدان الحياة العامة، لم يكن المجتمع يعترف بها إلا جارية تضع على وجهها الحجاب، وكان اقتحام ميدان الصحافة بالذات أمرا صعبا جديدا على الرجال فما بالك بالنساء!، وفى هذا الجو كان على أن أمضى، أن أتحمل مسئولية عمل يحمل اسمى.. أن أشن الحملات وأتعرض للهجوم المضاد..أن أرأس مؤسسة يعمل فيها رجال..أن أذهب لمقابلة رجال هم أمام الناس وزراء وكبراء، ولكنهم فى حقيقتهم ليسوا إلا رجالا لا يعرفون عن النساء إلا أنهن لهو ومتاع..كانت هذه فى واقع الأمر مشكلة المشاكل وكان على أن أجتاز تجارب قاسية وأتعلم دروسا كثيرة».
يذكر ابنها إحسان عبد القدوس فى مقدمته لمذكراتها: «هى التى دخلت ميدان الصحافة وفى يديها خمسة جنيهات، وأنشأت مجلة تحمل اسما يكاد يكون اسما أجنبيا، وهو الاسم الذى اشتهرت به على المسرح، فاستطاعت أن تجعل من هذه المجلة أقوى المجلات نفوذا فى الشرق ، وأن ترسم بها مستقبل مصر».
تكتب هى فى أكتوبر 1954:«إن حياتى كلها فى هذه الصفحات التى تؤلف مجموعة «روزاليوسف»خلال ثلاثين عاما..عندما أقلب صفحات المجموعة، وهو ما أفعله فى كل أوقات فراغي، أحس أنى أقلب ألبوم، يضم صورى فى جميع أدوار عمري.. إنى أرى نفسى فى هذه الصفحة ضاحكة مستبشرة، وأرى نفسى فى صفحة أخرى متعبة مجهدة، وأرانى فى صفحة ثالثة مفلسة لا أكاد أجد أجر الطبع، وفى صفحة رابعة أرى نفسى مسرفة فيزاداد عدد صفحات المجلة، ويتحسن نوع الورق وتتعدد الألوان، ثم أرى نفسى فى كل هذه الصفحات ثائرة، لم أكف أبدا عن الثورة ولم أسترح أبدا، ولا أظن أنى تمنيت يوما الراحة أوسعيت لها.. ومع كل صورة من هذه الصور قصة مع الحكومة، أو قصة مع النيابة والقضاء، أو قصة مع «الملك فاروق» وحاشيته.. أو قصة مع القمصان الزرق «جماعة شبه عسكرية شكلها حزب الوفد من 1936 إلى 1941»، أو..أو.. قصص تنتهى كلها بخاتمة واحدة هى أن تذهب الحكومة وتذهب النيابة والبوليس، ويذهب فاروق وحاشيته، وتذهب القمصان الزرق وتبقى «روزاليوسف» هذه الصفحات القليلية التى تصدر كل أسبوع، ولكن الصورة ليست صورتي، والقصة ليست قصتى، إنها صورة مصر، وقصة مصر منعكسة على الصفحات، لم تضطهد مصر يوما إلا واضطهدت «رزواليوسف».. ولم تختنق مصر يوما إلا واختنقت معها «روزاليوسف».. لم تجع مصر يوما إلا وجاعت معها روزاليوسف»، ولم تثر مصر إلا ومهدت لثورتها «روزاليوسف»، إنه التاريخ نفسه سجلته الأقلام على الصفحات».