حين توفى قائد عملية تأميم قناة السويس، المهندس محمود يونس، يوم 18 أبريل، مثل هذا اليوم 1976، كان عمره 64 عاما و15 يوما«مواليد3 أبريل 1912»،وكان حدث تأميم القناة الذى قاده يوم 26 يوليو1956،مضى عليه 19 عامًا وثمانية شهور و12 يومًا.
كان«يونس»فى الثالثة والأربعين حين كلفه عبد الناصر وكان عمره 38 عامًا بتنفيذ قراره تأميم قناة السويس،وهو القرار الذى هز العالم وقتها،وأعاد رسم خريطة العالم فى النصف الثانى من القرن العشرين..يطرح«فتحى رضوان»الذى كان وزيرًا وقتئذ فى كتابه«عبدالناصر» سؤالا:«ماالذى حدث حتى يجرؤ شاب«عبدالناصر»لم يكمل الأربعين من عمره،حتى يجرؤ على أن يطأ بقدمه هذا المرفق الحيوى الذى ولد وسط الأزمات،وعاش مصدرًا للأزمات الدولية،وتضخم واغتنى وعظم أثره أيضًا بالأزمات الدولية».
لماذا حاز«يونس»على ثقة عبدالناصر فى مهمة تنفيذ حدث تأميم القناة الذى وقف العالم خلاله على أطراف أصابعه؟..يصفه المهندس عبدالحميد أبوبكر نائبه فى قيادة فريق التأميم:«كان عملاقا فى عصر العمالقة»،ويضيف فى مذكراته:«قناة السويس والأيام التى هزت الدنيا:«كان معروفا بقوة الشخصية،والصلابة والحنكة وكان بحق مدرسة كبيرة فى القيادة والإدارة».
كان«أبوبكر»معه ينتظر انتهاء لقائه بعبدالناصر فى مجلس الوزراء تنفيذًا لاستدعاء عاجل:«سأله الرئيس عبدالناصر عن معلوماته عن قناة السويس،فأجاب بأنه لايعرف عنها إلابعض المعلومات القليلة،وأنه أثناء الحرب العالمية الثانية عندما كان ضابطا مهندسا فى القوات المسلحة،كان يرابط وجنوده على طول القناة أثناء الغارات الجوية لمراقبة سقوط أية قنابل فى القناة،وبعد لحظات قال عبدالناصر:«قررنا تأميم القناة»،كان النبأ مذهلا ومفرحا لمحود يونس فى آن واحد،وعلى الفور قام من مقعده وعانق عبدالناصر مهنئا،ثم عاد مرة أخرى إلى مكانه ينظر فى الورقة التى أمامه وكانت حول مشاكل فى البترول حيث كان يونس يشغل رئيسا للهيئة العامة للبترول»..أكمل عبد الناصر حديثه:«أكلفك بتنفيذ هذه المهمة»..وللحظات لم ينطق يونس بكلمة».
يتذكرأبوبكر:«أمرالرئيس باستدعائى وكنت موجودا مع نقيب محمود الجيار مدير مكتب الرئيس،والرائد محمد أحمد السكرتير الخاص للرئيس فى مكتبهما،وسألنى عن معلوماتى عن القناة»..أبلغه الرئيس بقراره،وأعطاهما بعض الكتب عن القناة وملفا كان يحمل على صفحته الأولى عنوان«مذكرة عن الشركة العالمية قناة السويس،مقدمة من إدارة التعبئة»،ودارت العجلة فى 55 ساعة فقط كانت هى الفاصل بين وقت التكليف ووقت التنفيذ»..فى هذه الساعات وضع «يونس»خطة التأميم،واختار فريق التنفيذ.
كانت محطات التاريخ الوطنى ليونس قبل الحدث تزكيه،فحسب أبوبكر:«ولد فى حى السيدة زينب 3 أبريل 1912،ودخل مدرسة محمد على الابتدائية،وكان زميلا لفتحى رضوان وأحمد حسين ومحمود مختار التتش،ثم دخل مدرسة الخديوية الثانوية،حصل على البكالوريا عام 1930،ولأنه جده طبيب اسمه«يونس الحكيم»،أمره والده أن يدخل مدرسة الطب ليتخرج«طبيبا»مثل جده،ولكنه لم يكن يميل إلى الطب فرسب،ورفض دخول الملحق،واقتنع والده بأن يلحقه بالهندسة،ودخل فعلًا مدرسة الهندسخانة الملكية سنة 1931،وبعد سنتين تحولت المدرسة إلى كلية،وانتخب عضوًا بمجلس إدارة لجنة الطلبة التنفيذية العليا للجامعات والمعاهد العليا والمدارس الثانوية والفنية».
يضيف أبوبكر:«كان محمود يونس من زعماء طلبة الجامعة الذين قادوا مظاهرات معاهدة سنة 1936 ضد الإنجليز،وعندما فتحت السلطات كوبرى عباس لمنع مظاهرات الطلبة من العبور من الجيزة إلى القاهرة،نزل هو وبعض زملائه من زعماء الطلبة منهم زميله فى الهندسة مصطفى طلحة،وزميله فى الطب«محمد بلال»،وكان فى ذلك الوقت رئيس لجنة الطلبة التنفيذية العليا،واستشهد فى ذلك اليوم الشهيد عبد الحكيم الجراحى وبعض زملائه برصاص الكونستبلات الإنجليز،ونقل الشهيد الجراحى وأربعة من زملائه الجرحى إلى عربة زميله طالب الزراعة عباس قورة إلى المستشفى».
يكشف«أبوبكر»عن بداية علاقة عبدالناصر ويونس قائلا:«بعد تخرج يونس فى كلية الهندسة التحق بالجيش وبعد سنوات التحق بكلية أركان الحرب،وبعد تخرجه فيها عمل بالقيادة العامة،ثم وقع عليه الاختيار ليكون مدرسًا فى كلية أركان الحرب وهناك تعرف على الضابط جمال عبد الناصر الذى التحق بالكلية طالبًا،وكان يقوم بتدريس مادة«الإدارة والتحركات»،وبعد سنوات تخرج عبدالناصر من الكلية ثم عاد إليها مدرسًا للشؤون الإدارية، وكان مكتبه فى غرفة واحدة مع محمود يونس،ونشأت بينهما خلال هذه الفترة صداقة قوية».
عقب ثورة يوليو،تم تعيينه مديرًا للمكتب الفنى لمجلس قيادة الثورة،وانتقل من موقع إلى آخر، حتى أصبح رئيسًا وعضوًا منتدبًا للهيئة المصرية العامة للبترول،وانتخب عدة مرات نقيبًا للمهندسين ورئيسًا لهيئة القناة عام 1956،ثم نائبًا لرئيس الوزراء للنقل والمواصلات والبترول.