فى خطوة مفاجئة أصدر المرشد الأعلى فى إيران، آية الله على خامنئى مساء الأحد، مرسوما أعفى قائد الحرس الثورى الجنرال محمد على جعفرى من منصبه، وتعيينه مسؤولا لمقر "بقية الله" الثقافي الاجتماعي، وأصدر مرسوما منفصلا بتعيين نائبه حسين سلامى خلفا له وترقية رتبته إلى درجة لواء، الأمر الذى أثار العديد من التساؤلات حول توقيت التغيير واختيار سلامي قائدا جديدا للحرس الثورى تلك المؤسسة النافذة فى السياسة الإيرانية، والتى تحمل على عاتقها أبرز أدورا مد النفوذ الإيرانى اقليميا عبر ذراعها الخارجى فيلق القدس الذى يقوده قاسم سليمانى، سنحاول الاجابة عليها فى التقرير التالي.
اولا- جاء إعفاء المرشد الأعلى لجعفرى قبل نهاية مدة الثلاث سنوات التى مددها له خامنئى للبقاء فى منصبه فى يوليو 2017، وجرى العرف السياسى فى إيران أن يعين خامنئى قائد الحرس للمنصب لمدة 10 سنوات بعدها يتم النظر فى منصبه إما بالإقالة أو التمديد 3 سنوات اضافيه، ما يعنى أن هناك عوامل أدت إلى تبكيره فى اعفائه من المنصب الذى تولاه منذ سبتمبر 2007.
وتأتى فى مقدمة هذه العوامل اعلان الولايات المتحدة الأمريكية الحرس منظمة ارهابية واضافته إلى اللائحة السوداء بموجب المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية الأمريكى، وجاء بعدها بأيام اعفاء قائد الحرس من منصبه، ما يشير إلى أن قرار واشنطن شكل صدمة كبيرى داخل الدوائر السياسية الإيرانية، لم يخفيها اعلام طهران، ويمكن التأكيد على أن قرار الإدارة الأمريكية لعب دورا كبيرا فى تعيين اللواء حسين سلامى على رأس هذه المؤسسة بعد أن شغل منصب نائبا قائد الحرس مدة 9 سنوات وشارك في الحرب العراقية الايرانية 1980-1988 وقاد القوات الجوية للحرس، وله شقيق العميد مصطفى سلامي بالقوات المسلحة الإيرانية.
وبالنظر إلى تاريخ ومواقف اللواء الجديد "سلامى"، الذى يمكن وصفه بأنه أحد الصقور الإيرانية، يمكن التأكيد على أن المرشد الأعلى الإيرانى يرغب فى بدء مرحلة جديدة فى الصراع مع خضوم طهران ولاسيما الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلى، قد يتغير فيها قواعد الإشتباك بين البلدين، فسلامى قائد أهم ما يميزه على الساحة الإيرانية هو نبرته الهجومية التى تتسم بالتصعيد مع واشنطن وتل أبيب وتهديداته المباشرة والصريحة، وتصريحاته النارية تجاه خصوم طهران، لكن كلها كانت تصريحات لم تكن تخرج على مدار السنوات الماضية عن كونها استعراض العضلات ولم تخرج عن اطار الاستهلاك الداخلى حيث كانت توجه خطاباته الرنانة والحماسية لشحن الجماهير الإيرانية وخطابات تعبوية ضد سياسات الخصوم.
إذن اختيار سلامى الذى أصبح القائد الثامن للحرس الثورى منذ إنشاءه 1979 من قبل مؤسس الجمهورية آية الله الخمينى، لم يكن أمرا عشوائيا بل مدروس وبدقة من خامنئى الذى يتولى القيادة العامة لقوات الحرس بموجب المادة 110 من الدستور الإيرانى، وينظر إلى سلامى بأنه رجل المرحلة والضرورة لدى المرشد فى الوقت الراهن، فسلامى يعد أيضا أحد عناصر الحرس الثورى المنتمية للتيار المتشدد،والتى ترفض ابداء أى مرونة مع خصوم طهران، ويعد أحد المنظرين فى هذه المؤسسة.
فعلى المستوى الخارجى يتخذ سلامى مواقف أكثر تشدد من سابقه، فهو القائل بأن "إيران قوة لا يستهان بها.. وأنها تمتلك تقنيات صاروخية ليست لدى الدول العظمى" وبعد قرار واشنطن حول الجولان السورى قال : "الجيش الايراني في مرتفعات الجولان ينتظر التعليمات لازالة اسرائيل من الوجود".. وووجه كلامه إلى نتنياهو: "ستهرب إلى البحر المتوسط قريبا..يتعلّم نتنياهو والصهاينة السباحة لأنه لن يكون أمامهم الا البحر للهروب".
أما على المستوى الداخلى تحدثت مصادر صحفية واعلامية إلى انفراد وقالت إن سلامى لا يميل إلى التدخل فى السياسة الداخلية والصراع بين أجنحة السلطة فى إيران، بل يميل أكثر إلى الصدام مع خصوم طهران فى الخارج، ما يعنى أن خامنئى يرغب باختياره لهذا الشخص، وضع حد للنزاعات الداخلية بين أجنحة السلطة وتدخل الحرس فى السياسات الداخلية، ويرغب التركيز بشكل أساسى على الساحة الخارجية وتفاعلات طهران الاقليمة ومواصلة استراتيجية مد النفوذ وتعزيز أنشطة الحرس الثورى، وايضا تشديد الحرس النفسية مع خصومه لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بعد أن بات فى مواجهة مباشرة مع واشنطن بعد قرار إدراجه على قوائم الإرهاب.
لكن مصادر قالت: خامنئى لا يرغب فى الوقت نفس اشعال فتيل الحرب مع الولايات المتحدة، ولن يكون البادئ فى هذه الحرب حال اشتعالها، لذا اختار سلامى لتشديد النفسية والتصعيد الكلامى فقط مع الولايات المتحدة بحسب ما تقتضيه المرحلة الراهنة، ويشير تعيينه إلى أن طهران ماضية فى سياساتها ولن تبدى أي مرونة فى تنفيذ حزمة المطالب الـ 12 للولايات المتحدة، والتى فى مقدمتها قطع الدعم والإمداد لوكلائها فى المنطقة من أمثال حزب الله فى لبنان والحشد الشعبى فى العراق والخروج من سوريا.
كما أن اختيار سلامى تعد رسالة من قبل طهران، بأن استراتيجة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى تغير السلوك الإيرانى وتقويض البرنامج الصاروخى لن تجدى فى ظل قيادة متشددة، ورغبة فى المواجهة مع الولايات المتحدة من قبل المرشد الأعلى المتربع على قمة هرم السلطة، الأمر الذى يؤكد أن المنطقة سوف تشهد فى السنوات المقبلة مواجهة كبرى بين طهران وواشنطن، فى إحدى مراحلها قد تدمر هذه المواجهة الاتفاق النووى المبرم مع القوى الست فى 2017 والذى انسحبت الإدارة الأمريكية منه فى 2018، لكن فى النهاية لن تصب فى صالح طهران.