منحت سورة البقرة فى القرآن الكريم مساحة كبيرة لقضية الخلق، وللعلاقة بين سيدنا آدم عليه السلام والملائكة الكرام، كما ظهر الشيطان «ملاك سابق» ليفسد الصورة الرائقة، وليصنع نوعا من الصراع الأبدى فى الحياة.
كانت البداية، حينما أراد الله أن يخلق آدم، عليه السلام، من تراب الأرض، أرسل ملكًا ليقبض قبضة من التراب، ثم خلق سيدنا آدم، وظلَّ بين الماء والطين حينًا من الدهر، ثم أوحى الله سبحانه إلى الملائكة: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، وهنا علينا أن نتوقف ونتأمل الصورة كاملة، ونلقى الضوء عند أحد أبرز أطرافها «الملائكة».. يقول كتاب «عالم الملائكة» لـ«مصطفى عاشور»، الصادر عن مكتبة القرآن، إن الملائكة، هم «سفرة بين الله تعالى ورسله عليهم السلام، كرام خَلقا وخُلقا، كرام على الله تعالى، بررة طاهرون ذاتا وصفة وأفعالا، مطيعون لله عز وجل، وهم خلق من خلق الله، خلقهم من النور لعبادته، ليسوا بنات لله ولا أولادا، ولا شركاء معه، ولا أندادا له»، ذلك الكلام مهم ويثير شيئا، إنه يرفض كلام القائلين بأن الملائكة بنات الله.. وهل هناك من قال ذلك؟
يقول ابن كثير فى «تفسير القرآن العظيم» منكرًا على المشركين تسميتهم الملائكة تسمية الأنثى، وجعلهم لها أنها بنات الله، كما قال: «وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ» ولهذا قال «وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم» أي: ليس لهم علم صحيح يصدق ما قالوه، بل هو كذب، وزور، وافتراء، وكفر شنيع.
وفى تفسير البغوى، أن «جهينة وبنى سلمة وبنى عبد الدار» زعموا أن الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، يقول: جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين، بينما يقول «العراقى» فى «طرح التثريب» والقائلون اتخذ الله سبحانه ولدا هم من قال من اليهود بأن عزيرًا ابن الله، ومن قال من النصارى بأن المسيح ابن الله، ومن قال من العرب بأن الملائكة بنات الله، تعالى عن ذلك.
كيف خلق الله الملائكة؟.. فى الحديث الصحيح عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم».
علاقة الملائكة بـ«آدم».. نعود مرة أخرى لنتوقف عند علاقة الملائكة بأبى البشر آدم، أخبر الله الملائكة بأنه «جاعل فى الأرض خليفة» وكان ردهم غريبا ويدل على معرفة سابقة أو رؤية مستقبليه، وحسب ما ذكره ابن كثير فى الجزء الأول من كتابه المهم «البداية والنهاية» فإن الله خاطب الملائكة قائلًا لهم: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» أخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة، لا على وجه الاعتراض والتنقص لبنى آدم، والحسد لهم كما قد يتوهمه بعض المفسرين «قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ».
فبين لهم شرف آدم عليهم فى العلم، فقال «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» قال ابن عباس: هى هذه الأسماء التى يتعارف بها الناس، إنسان، ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها، وقال مجاهد: علمه اسم كل دابة، وكل طير، وكل شىء، وكذا قال سعيد بن جبير، وقتادة، وغير واحد.
«ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِى بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»، قال الحسن البصرى: لما أراد الله خلق آدم قالت الملائكة: لا يخلق ربنا خلقًا إلا كنا أعلم منه فابتلوا بهذا، وذلك قوله «إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ».
«قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ».
«قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» أي: أعلم السر كما أعلم العلانية.
وقيل: إن المراد بقوله: «وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ» ما قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها.
وبقوله: «وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» المراد بهذا الكلام: إبليس حين أسر الكبر والتخيرة على آدم عليه السلام، قاله سعيد بن جبير وآخرون، وقوله «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا» هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، كما قال: «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» فهذه أربع تشريفات: خلقه له بيده الكريمة، ونفخه فيه من روحه، وأمره الملائكة بالسجود له، وتعليمه أسماء الأشياء.
سجد الملائكة لآدم طاعة لربهم لكن إبليس أبى واستكبر.. لكن هذه قصة أخرى.