دخل الاحتفال بيوم اليتيم، ضمن سلسلة الأمور المحرمة التى يصدرها التيار السلفى تجاه كافة المناسبات والأعياد الاجتماعية التى يحتفل بها المصريين، ففى ظل تواصل الاحتفالات بـ"يوم اليتيم" التى تقيمها المؤسسات الحكومية وغيرها من القطاع الخاص، وتخصيص وزارة الأوقاف خطبة أمس الجمعة عن "اليتيم"، انتقد محمود لطفى عامر الداعية السلفى هذا الأمر، مؤكدًا أن تخصيص يومًا للاحتفال بيوم اليتيم ليست من الشريعة الإسلامية بل بدعة، فيما انتقدت مجمع البحوث الإسلامية هذه التصريحات مؤكدًا أنها تخالف نصوص القرآن الكريم.
وقال الداعية السلفى محمود لطفى عامر، فى تصريحات خاصة لـ"انفراد" بأن: "اليتيم له كل يوم وليس يوما واحدا فى العام، ونفس الأمر للأم، والحب المبنى على قواعد شرعية".. مشدداً:" تخصيص يوما للاحتفال باليتيم والأم وعيد الحب من محدثات الأمور والبدع ولا تسمن ولا تغنى من جوع".
وتابع: "من المفترض أن نفعل حقوق اليتيم بشكل يومى، وليس يوماً واحدًا فى العام نتذكر فيه حقوق اليتيم".. وتساءل: "هل نهتم بحقوق اليتيم اليوم وغدا لا نهتم؟.. هذه دعوات الناس العاجزة التى ليس لها رؤية شرعية".. مجدداً قوله: "تحديد يومًا للاحتفال بالأيتام لم يرد فى الشرع، فالأيتام لهم كل يوم وليس يوما واحدًا".
واستطرد قائلاً: "بر الأم أو الأب وكفالة اليتيم وإماطة الأذى من الطريق أى المحافظة على البيئة، والإحسان للقوارير أى النساء والحب كقيمة إنسانية لما يحبه الله ويحبه رسوله ثم ما يحبه المسلم بفطرته فى غير معصية كل ما سبق تكاليف شرعية أى عبادات ما بين واجب ومندوب".
وأوضح أن تخصيص يوم فى السنة أو فى الشهر أو فى الأسبوع للاحتفال بهذه الأمور أو الدعوة لها فى أيام معينة دون غيرها بدعة فى الدين فهذه التكاليف التى ذكرتها مكلف بها المسلم كل حين ولابد أن يستشعر بمسئوليتها دومًا وليس يوما فى السنة.
وأشار إلى أن "عيد الأم" من أخبث الأعياد، لأنه ربى فى نفوس الأبناء أنه إذا حرص على هذا اليوم فقد أرضى أمه وضميره، وكذلك عيد المولد النبوى ربى فى الأمة جفاء عملى تجاه نبيهم (صلى الله عليه وسلم)، لأنه تربى فى حسهم أن يوم المولد النبوى هو شراء الحلوى وتوزيع السوبيا فتقتنع بذلك أنه قام بالواجب المفروض تجاه النبى صلى الله عليه وسلم، لذا ترى زحام الناس من كل الطبقات على حلاوة المولد، ولا تجد زحامًا على عقيدة النبى أو أخلاقه، لأن الناس تعودت على ذلك ظنًا منهم أنهم أدوا ما عليهم".
فى المقابل، أكد الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن فتوى الداعية السلفى المحرمة لـ"يوم اليتيم" ليس لها أصل فى الإسلام، حيث لا يمكن إطلاقا أن يكون إكرام اليتيم من المحرمات، أو اعتبار أن اليوم الذى تحدده الدولة والمجتمع للاحتفال باليتيم عملًا مذموما فى الإسلام.
وأضاف عضو مجمع البحوث الإسلامية، لـ"انفراد" أن فتوى تحريم يوم اليتيم تخالف كل النصوص القرآنية، التى عظمت من مكانة اليتيم خاصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتيما، متسائلاً: "كيف يتم تحريم الاحتفال بيوم يجب على المجتمع أن يتمسك به بشدة، فإذا كان الداعية السلفى يفقه القرآن والسنة لكان عرف قدر اليتيم فى الإسلام".
كما تساءل: "هل يريد الداعية السلفى أن يتجاهل المجتمع اليتيم، فيوم اليتيم يجوز للمسلم أن يحتفل به أو لا يحتفل به، طالما كان فى صالح المجتمع".
وفي سياق متصل، قال هشام النجار، الباحث الإسلامى، إن هناك خلل كبير فى التعامل مع النص الشرعى وربطه بالواقع والمستجدات، وحتى يكون هناك فهم صحيح ومتكامل للارتباط الوثيق بين الأحكام الشرعية والحياة وتطورها لابد من الإلمام بثلاثة محاور، وهى: النسخ وأسباب النزول ومقاصد الشرع والمصالح.
وأضاف "النجار" أن المصالح اعتمد فيها الإسلام على خبرة نخبته بالأمور، وعلى معرفتهم بوجه المصلحة، وكانت تعرض المستجدات على النبى صلى الله عليه وسلم فيستشير صحابته ويستحسن آراءهم وتصبح تشريعاً، وأشهر نموذج على ذلك موافقات عمر (رضى الله عنه)، وهى دلالة على أن الشريعة كانت تنزل وفق ما يقتضيه الوضع الاجتماعى القائم ووجه المصلحة، فلم يكن الوحى ينزل على عمر، وإنما كانت خبرته الاجتماعية وحسه القانونى وحرصه على توخى المصلحة جعلت تفكيره فى الشأن الاجتماعى يلتقى مع مقاصد الشريعة، ولذلك كان الاجتهاد الذى يرعى وجه المصلحة أحد مصادر التشريع.
وأوضح أن العقول التى تسعى لتجميد الأوضاع وعدم استحداث صور وأنشطة اجتماعية تراعى مقاصد الشرع وقيمه وتحقق المصالح، بحسب تطورات ومستجدات العصر، إنما تسىء للشرع وتجعله معزولاً عن الحياة ودنيا الناس.
وهؤلاء الذين يجعلون الإسلام خصيماً لمبادئه وقيمه التى يحث عليها ويعلى من شأنها كبر الوالدين ورعاية وكفالة اليتيم بحجة أنه ليس هناك أعياد فى الإسلام، هم الأقرب لفصل الدين عن المجتمع فعلياً وليس لتطبيقه، فهم يباعدون بين القيم التى أمر بها الإسلام وبين إمكانية تطبيقها بحسب مقتضيات الواقع ومستجداته وتطوره.