شهدت الفترة الأخيرة ظهور العديد من الهجمات الإلكترونية الكبرى، والتى لا تزال تقتصر - رغم كثرتها- على الأفراد أو المؤسسات والتى تصنف وكأنها هجمات عابرة وضربات سريعة، ولكن سرعان ما يتم معالجة الآثار الناتجة عنها، وإن كانت كل الدلائل تشير إلى أن الحرب العالمية المقبلة لن تكون سوى حرب إلكترونية، إذ إن هذه الهجمات بمثابة اختبارات لقوى الدفاع الموجودة لدى الأطراف الأخرى.
وبالنظر إلى دول العالم المختلفة نجد أن كلا منها يخشى هذا النوع من الحروب، ويسعى جاهدا لتحصين نفسه طوال الوقت، نتيجة سهولة تنفيذ هذه الهجمات عن بعد دون سقوط نقطة دم واحدة، وكارثية النتائج التى قد تؤدي إلى خسائر بالمليارات في ثواني معدودة، خاصة وأننا أصبحنا في عصر تعتمد فيه كل كبيرة وصغيرة في حياتنا على التكنولوجيا والإنترنت والتقنية بشكل عام، الأمر الذى يثير مخاوف الكثير من الدول من هذه الهجمات قبل أن يثير اعتزازها بما وصلت إليه من تقدم.
الصين:
تعد الصين واحدة من الدول التى حصنت نفسها إلى حد ما من الهجمات الإلكترونية وذلك من خلال "الجدار الناري العظيم"، وهو عبارة عن نوع من الرقابة على الإنترنت، ولا يسمح هذا الجدار الناري لجميع المواقع العالمية بالوصول إلى الصين، حيث يقوم بحجبها ومن بينهم مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة وأيضا محركات البحث وغيرها، فيما يوجد في الصين أكثر من 500 مليون مستخدم للإنترنت وهو أكبر عدد من المستخدمين في العالم، وبالرغم من ذلك تخضع الصين إلى الرقابة بشكل كامل، ورغم مساوئ الحجب لكنه في نفس الوقت يبقي الصين بعيدة كل البعد عن اختراق انظمتها كونها تقوم بمراقبة كل صغيرة وكبيرة تحدث على الإنترنت، مما يجعلها محصنة.
كوريا الشمالية:
أما كوريا الشمالية، فتمتلك شبكة إنترنت مقصورة عليها فقط، فهي نسخة مغلقة من الإنترنت، حيث تستخدم المواقع فى كوريا الشمالية عناوين الويب المختلفة التى تختلف عما نعتاد عليه، كما توجد شركة واحدة لتزويد البلاد بخدمة الإنترنت وهى (ISP) التى تعد مشروعا مشتركا مع حكومة كوريا الشمالية، وإحدى شركات الاتصالات جنبا إلى جنب لشركة Loxley التايلاندية، وقبل ذلك كانت الطريقة الوحيدة للوصول إلى الإنترنت فى كوريا الشمالية عبر الأقمار الصناعية، وهو الأمر الذي يبقيها محصنة في نفس الوقت.
روسيا:
تعد روسيا المتهم الأبرز في العديد من الهجمات الإلكترونية، والتى شملت عددا من دول العالم مثل إسبانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول، وذلك عبر العديد من الطرق، بما في ذلك هجمات الهاكرز على المؤسسات المختلفة، أو إنشاء صفحات وهمية على شبكات التواصل الاجتماعى لنشر بعض الأخبار المضللة لأسباب سياسية، أو غيرها من أنواع الهجمات الإلكترونية.
لكن مؤخرا سعت روسيا لعزل نفسها عن الإنترنت العالمي وإنشاء شبكة مغلقة لا يمكن الوصول إليها إلا من داخل البلاد، حيث وقع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" قانون "السيادة على الإنترنت"، والذى يعزز من سيطرة الحكومة على شبكة الإنترنت الروسية، حيث يقوم بمراقبة حركة مرور الانترنت في روسيا وإبعادها عن الخوادم الأجنبية.
وبحسب موقع forbes الأمريكى، فيمنح القانون الجديد للوكالات الحكومية الضوء الأخضر لتطوير شبكة إنترنت روسية مستدامة، وآمنة، وتعمل بكامل طاقتها، وتعد هذه الخطوة جزءًا من خطة الكرملين لعزل استخدام الإنترنت، كوسيلة للدفاع ضد الحرب الإلكترونية الخارجية، وذلك على غرار الصين وكوريا الشمالية.
الولايات المتحدة:
فيما كشف تقرير آخر أن البنتاجون الأمريكى قد مكن سرا القيادة الإلكترونية للولايات المتحدة من تبنى نهج أكثر قوة للدفاع عن البلاد ضد الهجمات الإلكترونية، وهو ما يعتبر تحولا فى الاستراتيجية التى يمكن أن تزيد مخاطر الصراع مع الدول الأجنبية التى تؤوى جماعات القرصنة الخبيثة، وحتى الآن، فإن القيادة الإلكترونية تولت مهمة دفاعية إلى حد كبير فى محاولة لمواجهة المهاجمين وهم يدخلون إلى الشبكات الأمريكية.
وفى حالات قليلة نسبيا عندما بدأت هى بالهجوم، لاسيما فى محاولة تعطيل الأنشطة الإلكترونية لتنظيم داعش ومجنديه فى السنوات العديدة الماضية، كانت النتائج مختلطة فى أفضل الأحوال، لكن فى الربيع وبعدما رفع البنتاجون مكانة القيادة، فتح الباب لغارات شبه يومية على الشبكات الأجنبية، سعيا لتعطيل الأسلحة الإلكترونية قبل أن يتم إطلاقها، وفقا لوثائق خاصة بالاستراتيجية ولمسئولين عسكريين واستخباراتيين.
رد الأمم المتحدة:
دعا الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريس، إلى صياغة قواعد عالمية لتقليل أثر الحرب الإلكترونية على المدنيين، إذ يرجح أن تصبح الهجمات الإلكترونية الضخمة أولى مراحل حروب المستقبل، وقد تسبب متسللون إلكترونيون، بعضهم مجموعات تحظى برعاية حكومية على الأرجح، فى تعطيل شركات دولية وموانئ وخدمات عامة فى أنحاء العالم على نطاق لم يسبق له مثيل العام الماضى مما زاد الوعى بالقضية.
وفى الأسبوع الماضي، اتهم المحقق الأمريكى الخاص روبرت مولر 13 روسيا وثلاث شركات روسية بالتآمر والتجسس باستخدام وسائل التواصل الاجتماعى للتدخل فى الانتخابات الأمريكية عام 2016.
وقال جوتيريس فى كلمة بجامعة لشبونة التى تخرج فيها: "القصص عن حرب إلكترونية بين الدول موجودة بالفعل، الأسوأ أنه لا يوجد برنامج تنظيمى لهذا النوع من الحروب وليس من الواضح كيف تنطبق عليها معاهدة جنيف أو القانون الإنسانى الدولي".
وأضاف: "بخلاف المعارك الكبيرة فى الماضى التى كانت تبدأ بغطاء من القصف المدفعى والجوي، أنا مقتنع تماما أن الحرب القادمة ستبدأ بهجوم إلكترونى ضخم لتدمير القدرات العسكرية، وشل البنية التحتية الأساسية مثل الشبكات الكهربائية".
واقترح جوتيريش الاستعانة بالأمم المتحدة كمنصة يلتقى فيها لاعبون متعددون من علماء وحكومات للعمل على صياغة مثل هذه القواعد من أجل "إضفاء صبغة إنسانية أكبر" على أى صراع يشمل تكنولوجيا المعلومات وأهم من ذلك الحفاظ على الإنترنت "كأداة لخدمة الخير".