تهمة ازدراء الأديان قديمة منذ أن وجد الدين ووجد الاختلاف ووجد الفكر، لكن الملاحظ فى الفترة الأخيرة أنها أصبحت تهمة سهلة متاحة تأتى من مجرد تدوينة على "تويتر" كما حدث مع فاطمة ناعوت أو رأى فى برنامج تليفزيونى كما حدث مع إسلام بحيرى، لكنها قديما كانت تأتى بناء على كتب وفكر ويتفق الناس حول ذلك ويختلفون:
طه حسين وكتابه "فى الشعر الجاهلى"
بدأ طه حسين كتابه بقوله و"أكاد أثق بأن فريقا منهم سيلقونه ساخطين عليه" ونشر كتابه 1926، وثار الأزهر على الكتاب، وطالب عدد من علماء الأزهر طه حسين إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين أو للقرآن.
فى هذا الكتاب طبق طه حسين على الشعر الجاهلى المنهج الفلسفى -منهج الشك- الذى استحدثه ديكارت للبحث عن حقائق الأشياء، وخلص فى استنتاجاته وتحليلاته أن الشعر الجاهلى منحول- أى لا ينتمى لقائله، وأنه كُتب بعد الإسلام ونُسب لشعراء ماقبل الاسلام.
ولقد مُنع الكتاب من البيع وتقدم طه حسين للمحاكمة بتهمة إهانة الإسلام، لكن القاضى المستنير محمد نور حكم ببراءته وقال "أنه رأى أكاديمى لاستاذ فى الجامعة ولا يمكن اتخاذ أى إجراء قانونى ضده".
الإسلام وأصول الحكم للشيخ على عبد الرازق
رأى الكتاب أن الخلافة ليست أصلا من أصول الحكم فى الإسلام، بل طرأت عليه فى عصور متأخرة، وأن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لم يتطرقا لموضوعها وأن اتفاق المسلمين لم ينعقد قط على خليفة.
كذلك رأى الكتاب أن كل ما جاء به الإسلام من عقائد ومعاملات وآداب وعقوبات إنما هو شرع دينى خالص لله ولمصلحة البشر الدينية لا غير.
قامت هيئة كبار العلماء فى الأزهر بمحاكمة الشيخ على عبد الرازق، ووجهت الهيئة سبع تهم تتهم الكتاب بالضلال، حيث قالت إن الكتاب تسبب فى جعل الدين لا يمنع من أن جهاد النبى كان فى سبيل الملك لا فى سبيل الدين، ولا لإبلاغ الدعوة للعالمين، واعتبار نظام الحكم فى عهد النبى موضوع غموض أو إبهام أو اضطراب أو نقص وموجبًا للحيرة، واعتبار مهمة النبى كانت بلاغًا للشريعة مجردة عن الحكم والتنفيذ، وإنكار إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام وأنه لابد للأمة ممن يقوم بأمورها فى الدين والدنيا، وإنكار أن القضاء وظيفة شرعية، واعتبار حكومة أبى بكر والخلفاء الراشدين من بعده كانت لا دينية.
والأزهر رأى فى الكتاب خروجا عن حد المعتقدات لذا حاكم على عبد الرازق أمام هيئة كبار العلماء الأزهريين وأخرجه من زمرتهم، وتم فصله من القضاء.
حدث خلاف بين عبد العزيز فهمى باشا وزير الحقانية ورئيس حزب الأحرار الدستوريين، ويحيى إبراهيم باشا رئيس الوزراء بالنيابة ورئيس حزب الاتحاد، فرأى الأول أن ما ذهب اليه الشيخ عبد الرازق خطأ فى رأى دينى قد لا يستلزم إخراجه من وظيفته القضائية وأن هيئة كبار العلماء غير مختصة بالنظر فى مثل هذا الحال، أما الثانى فيرى رأى هيئة كبار العلماء فى أنه أخطأ فى رأى دينى يبعده عن منصة القضاء الشرعى.
هناك صحف هاجمت على عبد الرازق منها البلاغ والأهرام والمقطم ومجلة المنار، التى اتهم صاحبها محمد رشيد رضا المؤلف بالزندقة والإلحاد ووصفه الشيخ محمد قنديل فى البلاغ بإنه نار محرقة وأنة ترديد لسياسة الكماليين فى تركيا
وفى المقابل تصدى أنصار حرية الفكر للدفاع عن الكتاب وعن حرية التفكير والرأى المكفولة فى الدستور وأبرزهم عباس العقاد وسلامة موسى وأحمد حافظ عوض ود. منصور فهمى.
رواية "أولاد حارتنا" نجيب محفوظ
بدأت الأهرام فى نشر هذه الرواية على حلقات، بعدها واشتعل الأمر بعد أن نشرت الصفحة الأدبية لجريدة الجمهورية خبرا يلفت فيه كاتبه النظر إلى أن الرواية فيها ما يمس الدين، وبعدها بدأ البعض ومن بينهم أدباء للأسف فى إرسال عرائض وشكاوى إلى النيابة العامة ومشيخة الأزهر، يطالبون فيها بوقف نشر الرواية وتقديمى إلى المحاكمة.
وبعدها جاء إلى "محفوظ" حسن صبرى الخولى، الممثل الشخصى للرئيس جمال عبد الناصر، وقال له: "إنه لا يستطيع أن ينشر الرواية فى مصر ككتاب لأنها فى حال صدورها سوف تُحدث مشكلة كبيرة مع الأزهر، ولكن من الممكن نشرها خارج مصر.." وبالفعل نشرت فى دار الآداب ببيروت.
"الله والإنسان" لمصطفى محمود
أثار كتاب "الله والإنسان" لمصطفى محمود جدلا واسعا، واتهم بالإلحاد، وبحسب فيلم وثائقى أنتجته الجزيرة بعنوان مصطفى محمود - العالم والإنسان - أن جمال عبد الناصر أمر بمصادرة الكتاب فقط ولم يستجب لرغبة عدد من علماء الأزهر فى تحويل مصطفى محمود إلى المحاكمة بتهمة الكفر والإلحاد، ولم يلبث أن أفرج عنه الرئيس أنور السادات فيما بعد وأوصى بطباعته طبعة ثانية.
"نقد الخطاب الدينى" لنصر حامد أبو زيد
"نقد الخطاب الدينى” صدر عن دار الثقافة الجديدة فى عام 1990، وبدأت أزمة هذا الكتاب داخل جامعة القاهرة عام 1993 عندما رفضت الجامعة ترقية الدكتور نصر حامد أبو زيد، الاستاذ المساعد بكلية الآداب، إلى درجة الاستاذ بعد اتهامه بإهانة العقيدة، وكان قد تقدم فى العام السابق لتلك الواقعة للترقية إلى درجة استاذ بإنتاج علمى منه كتابا "الإمام الشافعى وتأسيس الأيديولويجية الوسطية" وكتاب "نقد الخطاب الديني"، إلا أن الكتاب الأخير أثار أزمة كبرى بعدما اتهمه الدكتور عبد الصبور شاهين فى تقريره عن الكتاب "بالكذب والجهل والافتراء" على الإسلام، فكانت النتيجة أن رفضت الترقية.
"أبى آدم" عبد الصبور شاهين
"أبى آدم" للدكتور عبد الصبور شاهين، هو الكتاب الذى أثار جدلا واسعًا منذ صدور أولى طبعاته وقبيل وفاة مؤلفه بأشهر قليلة فى سبتمبر 2010، وطرح وجهة نظر جديدة فى قصة خلق الإنسان، ناقضا ما كان راسخا فى الفكر الإسلامى عنها.
ودعم كتاباته بأدلة من القرآن والسنة، فرفض شاهين فى كتابه القصة التقليدية التى ترجع خلق آدم إلى الطين بشكل مباشر قائلا: "وجدنا أكثر المفسرين للقرآن يرددون ما ذكرته الإسرائيليات ترديدا حرفيا، دون أدنى محاولة تعرض مضمونها على العقل وتغربل ما حفلت به من خرافات وأساطير".
وقرر مجمع البحوث الإسلامية إعداد تقرير عنه وأصدر قرارا بمنع تداوله حتى تنتهى المحكمة من النظر فى الدعوى المقدمة ضده، ورد عبد الصبور شاهين على موقف المجمع بأنه سيطبع الكتاب فى بيروت.