أسطورة من أساطير الخيال، أميرة من أميرات العالم الساحر، بجمالها وتفاصيل حياتها القصيرة التى عاشتها حتى طريقة موتها، فالطابع الأسطورى غلب على كل تفاصيل حياتها بداية من ولادتها على ظهر السفينة التى هربت بوالدها سراً من تركياً ثم الفقر الشديد الذى عانته هى ووالدتها وأخواها فؤاد وفريد وتحولهم من أمراء إلى عائلة لا تمتلك قوت يومها فاضطرات أمها للتفصيل حتى تستطيع أن تطعمهم، مرورا باكتشاف صوتها العذب واحترافها الغناء وزواجها غصبا من ابن عمها وصراعاتها مع قامات الطرب فى مصر وعلى رأسهم حسب ما أشيع كوكب الشرق أم كلثوم، وعلاقاتها بالمخابرات الأجنبية، وزيجاتها المتعددة، فين كل هذه الصراعات عاشت أسمهان حياة أميرات الحكايات وكانت تفصيلات حياتها مشابهة لحياتهم، لكن الفرق أن هذه المقدمات التعيسة تقودنا إلى النهايات السعيدة فى الحكايات فقط، أما أسمهان فقد انتهت حياتهم بمأساوية، وكان الموت أسطورة جديدة تضاف لأساطير أسمهان أو الأميرة إيميلى الأطراش وهو اسمها الحقيقى التى لم تعرف راحة البال وهو ما يظهر فى الكتاب الذى كتبه الأستاذ محمد التابعى والذى يتناول مذكرات المطربة الراحلة، والتى كان نشرها التابعى على شكال مقالات فى مجلة آخر ساعة المصرية، ثم قام بتجميعها فى كتاب واحد بعنوان «أسمهان تروى قصتها»، يتناول علاقاتها الخاصة وزواجها من أشهر الرجال فى عالم الفن والصحافة والسياسة، وعلاقاتها بالمخابرات الإنجليزية والفرنسية وتوسطها السياسى بين كل منهما وبين أسرة الأطرش.
ويذكر التابعى الذى جمعته علاقة صداقة قوية جدا بأسمهان استمرت سنوات عديدة وأكدت بعض المصادر أن بينهما كانت قصة كبيرة، ويقول فى مقدمة كتابه أنه حين بدأ فى نشر قصة أسمهان فى مجلة «آخر ساعة» المصرية، قامت ضجة كبيرة وانقسم الرأى العام إلى فريقين، الأول يهاجمه ويطلب منه التوقف عن كتابة القصة، وهو الفريق الأكبر والأكثر نفوذا، وكان من بينهم ثرى من أعيان الصعيد، هدد التابعى بالحضور إلى القاهرة وضربه بالرصاص، وفريق آخر قليل العدد وقف بجانبه وطالبه إتمام كتابة القصة حتى نهايتها، ويذكر التابعى أيضاً فى مقدمة الكتاب أنه كان توقف فى كتابة القصص عن أسمهان فى آخر ساعة عندما قطع علاقته بها آخر يناير عام 1942، ومن ثم فهو لم يذكر شيئاً عن الفترة ما بين يناير 1942 ويوليه 1944 الذى توفيت فيه أسمهان، ماذا فعلت؟ وكيف طلقها زوجها حسن الأطرش؟ وكيف ولماذا تزوجت أحمد سالم؟ وكيف عادت إلى مصر؟ وماذا حدث؟ ولماذا حاول المرحوم أحمد سالم أن يقتلها بالرصاص؟ إلى آخره، مؤكدا أن كل هذه الأسئلة وضع لها إجابات فى كتابه «أسمهان تروى قصتها».
فى الفصل الأول من الكتاب والذى يحمل عنوان «مفكرات الجيب» يبدأ التابعى كتابه بسؤاله وهو «كيف عرفت أسمهان؟» قائلا: إنه وجد أن أول مرة جاء فيها ذكر اسم «أسمهان» كان فى المفكرات، وكان يوم الاثنين 15 مايو سنة 1939 حيث وجدت الفقرة التالية «تعشت عندى أسمهان وشقيقها فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وذهبنا إلى «الكيت كات»، واتفقنا على السفر معاً إلى أوروبا، ثم عدنا إلى مسكنى وكان مع فريد فتاة أجنبية من راقصات الكيت كات، وانصرف الجميع فى الساعة الخامسة صباحاً»، ويواصل التابعى أنه وجد فى مفكرة جيبه فى يوم 17 مايو فقرة تقول: «كلمتنى أسمهان بالتليفون وقالت إن شقيقها فؤاد زجرها عندما سمعها تكلمنى أمس بالتليفون حتى أنه أبكاها.. إيه الحكاية؟ هل هى كوميديا أو حقيقة؟، ويذكر التابعى أنه لم يدون عن أسمهان شيئاً فى مفكرته خلال أول يوم قابلها فيها حينئذ إبريل 1939 لأنه أعتقد أنها لن تكون أكثر من «أرتست»، رغم أن المرة الأولى التى رأى فيها التابعى أسمهان كان لها الأثر الأكبر فى نفسه وفقا لكتابه حيث يقول أنه رآها صدفة فى «صالة» فنية مملوكة لمارى منصور «إحدى ممثلات مسرح رمسيس بمصر»، وكانت أسمهان تقف على المسرح وتغنى فى ثوب أسود وهى تنظر أمامها ولا تلتفت لا يميناً ولا يسارا، ولا تلقى بالاً إلى صيحات السكارى وتأوهات المعجبين، قائلا: إنها تركت فى نفسه أثراً فى تلك الليلة، طالما تركته مرارا وتكراراً خلال رحلة معرفته بها وعلاقتها بها، حيث كان فى صوتها الرقيق الحزين «وفقا لتعبير التابعى»، شىء ما لا تألفه الأذن لأول مرة، رغم أنك تستريح إليه، معلقا «حاولت أن أحدده وأجد له صفة أو وصفاً أو اسماً فلم أوفق حتى اليوم!».
وخلال صفحات الكتاب يصف التابعى أسهمان بالعديد من الصفات السيئة بداية من أنها لم تكن جميلة، حيث قال: «كانت فيها أنوثة ولكنها لم تكن جميلة فى حكم مقاييس الجمال، وجهها المستطيل وأنفها الذى كان مرهفا أكثر بقليل مما يجب وطويلا أكثر بقليل مما يجب، وفمها الذى كان أوسع بقليل مما يجب وذقنها الثائر أو البارز إلى الامام أكثر بقليل مما يجب.. عيناها كانت كل شىء. فى عينيها السر والسحر والعجب... تعرف كيف تستعمل سحر عينيها عند اللزوم، كما قال إنها كانت متقلبة المزاج طوال الوقت، وتمل بسرعة شديدة من كل شىء وأى شىء، فكانت تسافر من بيروت إلى القاهرة لأنها ملت من الأولى، لكنها سرعان ما تمل أيضا من القاهرة فتقرر السفر إلى فلسطين، بضعة أيام وتمل فتذهب إلى سوريا ثم إلى فلسطين، وهكذا كانت متقلبة المزاج دوما، كما كانت متعددة العلاقات الغرامية، وكانت أيضا تشرب بشراهة كبيرة، فكانت تملاء الكأس بمجرد الإنتهاء منه، وكانت تستطيع شرب أكثر من زجاجة فى ليلة واحدة، قائلا عباراته الشهيرة أنه سألها أول مرة تناولت معه العشاء فى بيته ماذا تريد أن تشرب، ويسكى أم شامبانيا فأجابته «الأثنين»، فأحضر لها كأسا وأخذت تشرب كأسا وراء الأخر، وعندما لاحظ شراهتها فى الشرب، سألها لماذا تشرب هكذا فأجابته أن قلبها ينفطر أن وجدت الكأس فارغا، وينفطر أيضا إن رأته ممتلاء، كما وصفها التابعى فى كتابه بالتكلف والإصطناع قائلا: إنه قابلها يوماً بمكتب الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب حيث كانت تراجع أوبريت «قيس وليلى»، وأنه اكتشف أنها تتكلف وتصطنع بعض الحركات والتصرفات عندما تقابل شخصاً ما لأول مرة، حتى أنها عندما رأته بعد انتهاء البروفة مع عبد الوهاب، تحولت من المطربة التى كانت تغنى من روحها وتذيب قلبها فى الغناء، إلى سيدة صالونات أو إلى ما ظنت هى أنه السلوك الذى يجب أن تأخذ به سيدة الصالون فمدت يدها تصلح من وضع الفراء الرخيص الذى كان يحيط بعنقها وبرق فى أحد أصابع يديها خاتم فيه فص زجاجى كبير، وحارت ساقاها أيهما تضعها على الأخرى، ويذكر التابعى أنه حاول فيما بعد ن يشفيها من هذا التكلف فى جلستها وفى حديثها، لكن طبيعتها كانت أقوى من إرادتها عندما تلقى سيدات أو سادة لأول مرة.
لم تهنأ أسمهان يوم ولم تتمتع بحياة هادئة نفسيا، فبعد أن كانت أميرة من عائلة الأطرش الكبيرة تملكها وأسرتها الفقر وهجرا سوريا بحثا عن لقمة عيش حتى وجدت ضالتها فى الغناء، الموهبة التى منحها الله ليعوض عنها، لكن حتى الصوت الجميل كان سببا فى تعاستها، بداية من رفض أخوها الكبير فؤاد لفكرة غنائها وقسوته عليها، ثم استغلال ابن عمها الأمير حسن الأطرش الذى جاء إلى القاهرة لمنعها من الغناء لكنه عندما رآها وقع فى حبها فقرر الزواج بها، رفضت أسمهان الزواج لكنه هدد والدتها إن لم تتزوجه فسوف يذهب للعائلة ويخبرها أن الأخبار المنتشرة بشأن ابنتها صحيحة وأن أيميلى أو الأميرة آمال الأطرش تحولت إلى مطربة، فوافقت الأم تحت تحديد وتزوجته اسمهان وسافرت معه وعاشت فى جبل الدروز، وحاولت كثيرا الحصول على الطلاق حتى هددت زوجها بالانتحار فوافق على تطليقها، وعادت إلى القاهرة، لكنها عادت بالعديد من العقد النفسية «على حد تعبير التابعى»، قائلا: إن العقد النفسية كانت تحكمها، متذكرا أن أسمهان كانت تكره الغناء أمام السيدات، اللهم إلا إذا كن من صديقاتها القديمات، ويروى التابعى أنه عندما سألها مرة بعد حفلة غنت فيها فى دار أحد أفراد أسرة شخصية كبيرة: هل أجدت الغناء ؟ ردت قائلة: كلا، بل غنيت زى الزفت! وغنيت وصلة واحدة وهربت من الحفلة، قائلة ويكاد الدمع يطفر من عينيها «أحسن منى فى إيه الستات دول علشان أقف أمامهم أغنى؟ الله ينعل أبوالزمن اللى خلانى أغنى علشان آكل عيش! وهنا يعلق التابعى أنها كانت تتمسك دائماً بلقب الأميرة من عائلة الأطرش، وكانت تعانى النقص من الفقر الذى تعيشه فى تلك الأيام.
علاقة أسمهان بمخابرات بعض الدول كأن لغزا جديدا من ألغازها، ويقال إنها كانت مستعدة لفعل أى شىء نظير نيل «سوريا» الاستقلال عن فرنسا وهو ما دفعها للتعامل مع المخابرات الفرنسية، والإنجليزية أثناء وقت الحرب العالمية الثانية، كما ترددت شائعات عن تعاملها مع المخابرات الألمانية لتطلب وعدا بالاستقلال من الفائز بالحرب، وكان التعامل مع أجهزة المخابرات المختلفة أمرا خطيرا للغاية، وهو ما جعل البعض يتهم واحدا من هذه الأجهزة بتدبير حادث موتها، لكن هناك اتهامات أخرى لآخرين بتدبير حادث موتها منهم زوجها السابق الأمير حسن الأطرش، حتى سيدة الغناء العربى أم كلثوم طالها نفس الإتهام، بل يظن البعض أنها انتحرت، خاصة أنها لم تكن هذه هى المرة الأولى التى تحاول فيها أسمهان الانتحار، حيث يقول التابعى فى كتابه «مذكرات أسمهان» أنه هناك محاولة انتحار قامت بها أسمهان، حينما كانت تسكن فى شقة بإحدى عمارات الزمالك بالقاهرة، قريباً من ملهى «الكيت كات»، ولم يكن يتواجد معها سوى خادمتها، ويروى التابعى أنه دخل عليها حجرة نومها، بعد أن اتصلت به الخادمة فوجدها فى فراشها وقد جمعت ركبتها إلى صدرها كأنها تغالب ألماً موجعاً وقد علا وجهها اصفرار شديد، وكانت أسمهان قد ابتلعت أنبوبة أسبرين كاملة، فتم إنقاذها، وهنا يعلق التابعى «ولو أننى رويت للقراء القصة كما روتها هى يومئذ يرحمها الله.. ويقصد «قصة انتحارها»، لعرف الذين يتشدقون بحديث الفضيلة وبآداب اللياقة أية مأساة كانت تعيش فيها أسمهان صباح مساء، وأنه حرام أن تؤخذ بالنقد الشديد أو بالحساب العسير، الذى يستطيع أن يفهم يستطيع أن يعفو ويغفر!»، كما يبدى التابعى أسفه على صوتها الذى يقول إنه كان كفيلا بأن «تبهر به الدنيا لو أنها عرفت كيف تحكم نفسها وتعيش كما تعيش المطربة أو كما يجب أن تعيش»، بعيدا عن التدخين والشراب.