تلعب الصناعة دورا مهما فى ارتقاء ونمو الأمم، ونجحت العديد من الدول فى غزو الدول الأخرى بالصناعة، ولا سيما فى ظل الطفرات التكنولوجية الهائلة التى يشهدها العالم.
وتاريخيا فإن مصر كانت من أقدم الحضارات التى استخدمت المعادن فى الصناعة والتى تطورت بعد ذلك وشهدت نهضة حقيقة على يد محمد على باشا ثم استكملها طلعت حرب باشا والزعيم جمال عبد الناصر.
ويساهم القطاع الصناعى بنسبة نمو سنوية تتعدى الـ 17%، فضلًا عن قدرة هذا القطاع على توفير مورد مستدام من موارد الدولة من النقد الأجنبى، بالإضافة إلى إمكانيات القطاع فى تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد القومى، وكذلك تشابكه مع قطاعات إنتاجية أخرى.
وتعول الحكومة على هذا القطاع فى تحقيق طفرة تنموية ملحوظة خلال الفترة القادمة لكونه من القطاعات عالية الإنتاج سريعة النمو، وأن الوزن النسبى لقطاع الصناعة فى النمو يبلغ حاليًا حوالى 15% وأنه من المستهدف مساهمة هذا القطاع فى تحقيق 20% من النمو فى العام المالى 2018 /2019 لتتزايد المساهمة تدريجيا فى ضوء تحسن معدل نمو القطاع الصناعى.
والصناعة فى مصر متنوعة ومتميزة على مستوى المنطقة العربية بداية من صناعات الغزل والنسيج والملابس والأغذية وصناعات قطع غيار السيارات والمركبات امتدادا لصناعات الالومنيوم والحديد والصلب والأدوية .
وبحسب الأرقام المعلنة فإن مجال تجميع وصناعة السيارات فى مصر يساهم بنسبة تصل إلى 20% من حجم الاقتصاد المصرى ويفوق معدل نموه سنويا الذى بلغ 7.8% العام الماضى معدل نمو كل الاقتصاد، بحسب اتحاد الصناعات.
كما يتصدر قطاع الصناعة نسبة المساهمات القطاعية بحوالى 50 مليار دولار من ناحية قيمة المساهمة فى الناتج المحلى الإجمالى، فيما يساهم القطاع الخاص فى مجمل نشاط القطاع الصناعى بنسبة 81% والقطاع الحكومى بنسبة 19%.
ويبلغ حجم الصادرات المصرية، التى مصدرها قطاع الصناعة 26.11 مليار دولار فى 2014، منها 12.5 مليار دولار من منتجات الوقود والزيوت المعدنية و2.8 مليار دولار من السلع كاملة التصنيع.
وتحتل مصر المرتبة الأولى فى المنطقة فى صناعة الأسمدة والأسمنت التى تصل لنحو 83 مليون طن سنويا، إضافة إلى امتلاك مصر لأكبر مجمع للألومنيوم فى الشرق الأوسط وإفريقيا وهو مجمع نجع حمادى الذى صدر العام الماضى بنحو 8 مليارات جنيه .
تاريخ طويل لصناعة الحديد والصلب
بدأت صناعة الحديد و الصلب فى مصر فى الأربعينات بشركات خاصة بهدف استغلال الخردة من مخلفات الحرب العالمية الثانية بصهرها بأفران تعمل بالوقود السائل ثم صبها يدويا فى قوالب ودرفلتها إلى حديد تسليح و كان ذلك بشركات الدلتا والأهلية والنحاس . و التى شهدت فيما بعد تطويرا متلاحقا بإدخال أفران الصهر بالقوس الكهربى ووحدات الصب المستمر.
فى نهاية الخمسينات , انشأ بحلوان أول مصنع متكامل باستخدام تكنولوجيا الأفران العالية و بمعدات من ألمانيا لصهر خامات الحديد المستخرجة من أسوان (منخفضة الجودة و عالية الشوائب) مع فحم الكوك المستورد إلى زهر سائل و من ثم صبها يدويا، و تشغيلها إلى منتجات صلب نهائى. و قد شهدت الشركة العديد من مراحل الإضافة والتطوير أهمها إنشاء مجمع الصلب الذى بدأ إنتاجه عام 1972 بإستخدام نفس تكنولوجيا الأفران العالية بمعدات روسية حيث بلغت الطاقة الإنتاجية مليون طن سنويا من كافة الأشكال الطولية و المسطحة للصلب .
فى بداية الثمانينات أسست شركة أخرى بالدخيلة بالإسكندرية مشاركة مع اليابان تعتمد على تكنولوجيا جديدة لإنتاج الصلب من اختزال نوعيات عالية الجودة من خامات الحديد الاستخراجية المستوردة و باستخدام الغاز الطبيعى ( بدلا من الفحم ) و تحويلها إلى حديد أسفنجى ( تصل نسبة الحديد به إلى > 90 % ) ثم بعد ذلك صهرها بأفران كهربائيه وصبها و تشكيلها إلى منتجات نهائية, و بدأت الشركة إنتاجها عام 1986 بطاقة تصميمية 800 الف طن من حديد التسليح . شهدت الشركة بعد ذلك العديد من خطوات و مراحل التطوير بإضافة خطوط جديدة و رفع طاقات حتى بلغت الطاقة الحالية من حديد التسليح الى 1.8 مليون طن و إنتاج مسطحات بتقنية البلاطات الرقيقة بطاقة 1.1 مليون طن .
الصناعة من عهد الفراعنة
ووفق المعلومات التاريخية فإن الصناعة فى مصر بدأت منذ الحضارة المصرية القديمة وعرف قدماء المصريين استخراج المعادن كالنحاس والفضة والذهب، ونجحوا فى صهرها وتصنيعها، وعرفوا صناعة الآلات والأدوات الزراعية والمعدات الحربية و صناعة الخزف وصناعة بناء السفن وصناعة المنسوجات الكتانية وصناعة عصر الزيوت.
وفى العصر الحديث شهدت مصر نهضة صناعية فى القرن ال 19 على يد " محمد على " الذى شهد عصره إرساء قاعدة صناعية كبرى، شملت صناعة المنسوجات وصناعة السكر وعصر الزيوت ومضارب الأرز وازدهرت الصناعات الحربية وتم إقامة ترسانة لصناعات السفن ومصانع لتحضير المواد الكيماوية.
وبعد الحرب العالمية الأولى، سمحت إنجلترا بقيام بعض المصانع فى مصر لخدمة المجهود الحربى أثناء الحرب نتيجة لانشغال المصانع البريطانية بإنتاج السلاح اللازم للمعارك.
نجحت المصانع المقامة فى مصر وكانت الجودة لا تقل عن مثيلاتها فى بريطانيا.
شجع الاقتصادى المصرى العظيم طلعت حرب لطرح وتنفيذ فكرة إنشاء صناعة وطنية مصرية فى مصر حتى تتحرر البلد من سيطرة الدول الأوربية ومنع المساس بمقدرات مصر والإضرار بمصلحتها القومية.
عندما بدأ طلعت حرب تنفيذ فكرته، حورب من البنوك التى كان معظمها مملوك للأجانب.
شعار المصرى للمصرى وبناء صناعات جديدة
فى العشرينيات من القرن الماضى رفع المصريون شعار " المصرى للمصرى" ونجح هذا الشعار فى حماية المصنوعات المصرية.
كانت أولى الشركات التى تم تأسيسها مطبعة مصر، وشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وغيرها الكثير تلتها شركات مصر للملاحة البحرية، ومصر لأعمال الأسمنت المسلح التى ساهمت فى بناء السد العالى، ومصر للصباغة، ومصر للمناجم والمحاجر، ومصر لتجارة وتصنيع الزيوت، ومصر للمستحضرات الطبية، ومصر للألبان والتغذية، ومصر للكيمياويات، ومصر للفنادق، ومصر للتأمين، وبيع المصنوعات المصرية لتنافس الشركات الأجنبية بنزايون - صيدناوى وغيرهم .
جاءت ثورة يوليو عام 1952 لتستكمل الطريق بإرساء مشروعات رائدة من الصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب والصناعات التعدينية والبترولية والصناعات الكيماوية بالإضافة إلى صناعات الغزل والنسيج والصناعات الغذائية.
أيضا تزايد دور القطاع الخاص فى تحقيق التنمية الصناعية، وحظى قطاع الصناعة بالعديد من المزايا والتيسيرات وتزايدت الاستثمارات الموجهة للأنشطة الصناعية.
مع بدايات القرن الحادى والعشرين بدأت مصر مرحلة من مراحل النهوض بالصناعة المصرية، بعد ارتباط الصناعة بالتجارة الخارجية والداخلية تحت وزارة واحدة، أخذت على عاتقها مهمة تحقيق النقلة النوعية للاقتصاد المصرى، ورفع القدرة التنافسية للمنتج المصرى وتحديث الصناعة المصرية فى إطار برنامج متكامل يساهم فى رفع الصادرات للانضمام بفاعلية فى الاقتصاد العالمى، بالإضافة إلى توفير البيئة الملائمة للنشاط الصناعى والتجارى لتشجيع القطاع الخاص للاضطلاع بالدور الرئيسى فى تحقيق التنمية الاقتصادية.
وفى عام 2007 شهد انطلاق مشروع الألف مصنع فى قطاع الصناعة ويسير المشروع بمعدلات اعلى من المستهدف، ويساهم قطاع الصناعة بما قيمته 20% من إجمالى الناتج القومى ويبلغ حجم الصادرات الصناعية حوالى 60 % من إجمالى الصادرات.
استمرت الدولة المصرية فى دعم الصناعة خاصة تلك التى شهدت تراجعا نتيجة التحول من نظام القطاع العام الى القطاع الخاص حيث اطلق الرئيس عبد الفتاح السيسى مبادرات لتطوير صناعة الغزل والنسيج بتكلفة 25 مليار جنيه مع تحديث وتطوير مختلف القطاعات الصناعية بحيث يتم تطوير القطاع فى غضون عامين ونصف من خلال استغلال وبيع أصول.