كانت الساعة الرابعة نهار يوم 14 مايو عام 1948، حين تحولت نكبة العرب الكبرى فى القرن العشرين إلى حقيقة واقعة، فى هذا الوقت بدأ احتفال العصابة الصهيونية لإعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وحسبما تروى جولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل أثناء حرب أكتوبر 1973، وأحد الموقعين على إعلان تأسيس الدولة، فإن «بن جوريون» أول رئيس للوزراء، وقف مرتديا حلة سوداء ورباط عنق، ودق بالمطرقة، وتضيف فى مذكراتها «اعترفات جولدا مائير» ترجمة: عزيز عزمى، عن «دار التعاون – القاهرة»: «وقفنا وأنشدنا نشيدنا الوطنى، ثم تنحنح بن جوريون وقال: سأقرأ الآن وثيقة الاستقلال، واستغرق الأمر منه ربع ساعة لتلاوة الإعلان، وكان يقرأ ببطء وبوضوح تام، وأتذكر جيدا كيف علا صوته عندما وصل إلى الفقرة الحادية عشرة التى أعلن فيها قيام الدولة اليهودية على «أرض إسرائيل».
استدعى هذا الحدث لدى مائير ذكرى هى: «فى ختام المؤتمر الصهيونى الأول فى بازل «سويسرا»، كتب هرتزل «أبو الفكرة الصهيونية» فى مفكرته يقول: «فى بازل أسست الدولة اليهودية، ولوأننى قلت ذلك اليوم، لقوبلت بالضحكات، لكنه ربما فى خمسة أعوام، وبالتأكيد فى خمسين سنة، سوف يراها كل فرد»، تعود مائير إلى ذكرياتها عن يوم التأسيس، وتقول: «وقفنا جميعا نصفق ونهتف ونحن نستمع إلى بن جوريون يقول: «ستكون دولة إسرائيل مفتوحة للهجرة اليهودية وتجميع المنفيين»..تضيف: «عندما انتهى بن جوريون من تلاوة الـ979 كلمة عبرية التى تكون الإعلان دعانا إلى الوقوف والموافقة عليه، ووقفنا».
تصف «مائير» مشاعر قادة العصابة الصهيونية بعد إعلان اغتصاب فلسطين: «بدأ التوقيع على إعلان التأسيس، وبعد أن عزفت الأوركسترا نشيد «الهاتيكفاه»، دق بن جوريون المطرقة للمرة الثالثة قائلا: «قامت دولة إسرائيل، انتهى هذا الاجتماع»، ووقفنا نتباد القبل، وانتهى الاجتماع وأصبحت إسرائيل حقيقية، وفى الفندق شربنا كأسا من النبيذ فى نخب الدولة، وكان الناس يغنون ويرقصون، كنا نعرف أن الانتداب البريطانى سينتهى مع حلول منتصف الليل وسوف يبحر المفوض السامى البريطانى، ويرحل آخر جندى بريطانى عن فلسطين، لكننا كنا نعرف أيضا أن الجيوش العربية سوف تعبر حدود الدولة الجديدة، وكنت أعرف أن أحدا لن يزحزحنا أويشردنا مرة ثانية».
فى فجر اليوم التالى «15 مايو - مثل هذا اليوم – 1948، ووفقا لما تذكره «مائير»: «شاهدت فى السماء أربع طائرات مصرية من طراز «سييتفاير» تئز فى السماء فى طريقها إلى تل أبيب لنسف محطة الكهرباء فيها، وكانت تلك هى أول غارة جوية فى الحرب»..تذكر: «بعد عدة دقائق عقب منتصف ليلة 14 مايو تلقيت مكالمة سمعت فيها من يقول لى: «يا جولدا، لقد اعترف بنا ترومان «رئيس أمريكا» كان الاعتراف الأمريكى أضخم شىء يمكن أن يحدث لنا فى تلك الليلة، وجاء الاعتراف الروسى عقب الاعتراف الأمريكى».. تضيف: «فى صباح يوم 15 مايو تعرضت إسرائيل لهجوم عسكرى من جانب مصر جنوبا، ومن لبنان وسوريا شمالا، وفى الشمال الشرقى، ومن جانب الأردنيين والعراقيين شرقا، وكانت هناك أسباب لدى العرب للاعتقاد بأن إسرائيل سوف تسحق خلال عشرة أيام».
تتعجب «مائير» من الغارات المصرية.. تقول: «الغريب أن المصريين لم تكن لديهم أى مكاسب يحققونها، مصر لم يكن لها من هدف بالمرة اللهم إلا نهب وتدمير كل ما بناه اليهود»، تضيف: «الواقع أن الدهشة ظلت تسيطر علىٍ إزاء تلك الرغبة المحمومة لدى العرب للحرب ضدنا، والتفسير الوحيد الممكن عندى هو أنهم لا يتحملون وجودنا، ولا يسعنى إلا أن أؤمن بأن جميع القادة كانوا ومازلوا يفكرون بطريقة بدائية»، تطرح «مائير» أسئلة وتجيب عليها ببجاحة المستعمر الذى يفتقد إلى أى ضميرإنسانى..تقول: «ما الذى فعلناه كتهديد للدول العربية؟، صحيح أننا لم نوافق على إعادة الأراضى التى ربحناها خلال الحروب التى بدأوها، لكن الأرض ليست هى الشىء المهم لدى العرب، فماذا إذن؟ هل هى رغبة حارقة فى تصفيتنا جسدنيا؟، هل هو الخوف من التقدم الذى يمكننا أن نقدمه فى الشرق الأوسط؟، هل هى كراهية الحضارة الغربية ؟، على أية حال سيأتى اليوم الذى يقبلنا فيه العرب على مانحن عليه، وتحقيق السلام يعتمد على أمر واحد، هو أن يقبل القادة العرب وجودنا هنا».
فى مواجهة هذا الإعلان الصهيونى المشؤوم، قررت جامعة الدول العربية إرسال بعض الجيوش العربية إلى فلسطين، وأعلنت ذلك فى وثيقة أصدرتها يوم 15 مايو 1948، ومما جاء فيها: «نظراً لأن أمن فلسطين وديعة مقدسة فى عنق الدول العربية، ورغبة فى منع انتشار الاضطراب والفوضى من فلسطين إلى البلاد العربية المجاورة وفى سد الفراغ الحادث فى الجهاز الحكومى بفلسطين نتيجة لزوال الانتداب وعدم قيام سلطة شرعية تخلفه، قد رأت حكومات الدول العربية نفسها مضطرة إلى التدخل فى فلسطين لمجرد مساعدة سكانها على إعادة السلم والأمن وحكم العدل والقانون إلى بلادهم وحقناً للدم»، ودخلت الجيوش العربية لكنها لم تسحق إسرائيل فى عشرة أيام.