توالى وصول وزراء ومسؤولين إلى سجن أبوزعبل، وكان من بينهم سامى شرف الوزير برئاسة الجمهورية، ومدير مكتب جمال عبد الناصر، ثم أنور السادات حتى استقالته يوم 13 مايو 1971، ويذكر فى الجزء الخامس من مذكراته: «اكتمل العقد حوالى الساعة التاسعة من مساء يوم 17 مايو، مثل هذا اليوم عام 1971، وبدأنا دون أن نضيع الوقت، فى أن نتمم على بعضنا البعض بالنداء على الأسماء، وكان الصديق حلمى السعيد له السبق فى هذه العملية إلى أن تأكدنا بأننا جميعًا موجودين».
كان الموجودون فى السجن ممن عملوا بجوار جمال عبد الناصر، واعتقلهم الرئيس السادات فى صراعه معهم والذى تم حسمه لصالحهم بتقديمهم استقالتهم يوم 13 مايو 1971، ثم بدأت بعدها عملية القبض عليهم، ويروى «شرف» قصة القبض عليه ووضعه فى السجن: «فى الساعة السادسة مساء يوم الأحد 16 مايو 1971، كانت تقف عربات ثلاثة أمام منزلى رقم 10 شارع بطرس غالى بمصر الجديدة والمطل أيضًا على شارع رمسيس، يترجل من إحدى هذه العربات شاب أسمر معتدل الطول مرتديًا بدلة كاملة بالكرافتة، وحسبما أذكر كانت البدلة ذات لون يميل إلى الكحلى، وتقدم هذا الشاب إلى باب الحديقة، حيث قام بتأدية التحية له أحد الأفراد الذين كانوا مزروعين أمام المنزل منذ الصباح الباكر ليوم الجمعة 14 مايو 1971».
ويضيف شرف: «كانت الأمور واضحة ولا تحتاج لذكاء كبير، فقد كنت فى هذه اللحظة واقفًا فى البلكون وشاهدت ما يجرى فدخلت فى نفس الوقت الذى سمعت فيه صوت جرس باب البيت يدق، وألقيت نظرة أخيرة على محتويات الحقيبة الصغيرة التى أعددتها قبل يومين لتأكدى أن ما يحدث الآن سيتم، إن لم يكن اليوم فغدًا.. فتحت الباب، فقدم الضابط نفسه على أنه العقيد «م.م» من وزارة الداخلية، فطلبت منه الدخول وتمنع ثم دخل، وقال لى بعد اعتذارات معروفة فى مثل هذه الأحوال: أرجو من سيادتك أن تعد شنطة صغيرة وسننزل سويا، فقلت له: الشنطة جاهزة.. وطلعت الدور الثانى حيث أبلغت شريكة حياتى أنى راحل مع هذا الضابط طبعًا للمعتقل، وكانت صامدة كعهدها طوال رفقتها لرحلة عمرى القاسية الصعبة، ونزلت دمعة صامتة وتبادلنا السلامات، ونزلت إلى سيارة سوداء اللون ماركة نصر 2300 بأرقام ملاكى القاهرة، وأمامها سيارة وخلفها أخرى، وسار الموكب الهادئ فى شوارع مصر الجديدة إلى أن وصل إلى منطقة الأميرية، ففهمت أننا متجهون إلى أبى زعبل، فهو السجن الوحيد فى هذا الاتجاه من مدينة القاهرة».
يتذكر شرف: «بعد رحلة صمت كامل بدأ الليل يلفها وصلنا، كما توقعت، إلى منطقة سجون أبو زعبل، ودخل الموكب إلى حرم السجن الذى اصطف على جانبى المدخل طابور من جنود وضباط مصلحة السجون لاستقبال الوافدين الجدد، وبعد حوالى مائة متر توقف الركب عند أول بوابة ذات أسوار عالية عليها أبراج وحرس يتنادون بينهم بنداءات متفق عليها لكى يبقوا متنبهين باستمرار، وبعد اجتياز هذا المانع استمر سيرنا الصامت إلى النقطة الثانية عبر طريق تقوم على جانبيه حراسة مشددة، وكانت المحطة الثالثة بوابة أخرى اجتزناها إلى باب خشبى ضخم يكمن فى أحد جوانبه باب أصغر لمرور الأفراد فقط، وبعد تبادل كلمات بدا أنه متفق عليها عبرنا هذا المانع الحصين إلى ساحة كبيرة اخترقناها إلى بوابة جديدة من الحديد هذه المرة، وأيضًا تم تبادل كلمات بين من كان فى السيارة الأولى والحرس الذى بيده المفاتيح الضخمة.
دخلنا إلى السجن الرئيسى وكان فى استقبالى مجموعة من ضباط الشرطة وعلى رأسهم العقيد وجيه الذى دون أن يدرى وبحركة لا إرادية أدى التحية كما كان معتادا على ذلك عندما كنت أزور معارض مصلحة السجون على مدار سنوات مضت، وتقدم ضابط آخر برتبة الرائد فقال لى: تسمح سيادتك نأخذ الشنطة كما نرجوك أن تسلمنى الساعة ودبلة الزواج، ثم سألنى: هل مع سيادتك أوراق أو قلم؟، فقلت له ليس معى إلا البطاقة العائلية وقلم شيفرز فأخذهم.. ثم طلب منى أن أخلع حزام البنطلون واستدار بعد ذلك، وأعطى تمام للعميد الذى قال سيادتك يا فندم هتشرفنا وأومأ برأسه لأحد الضباط الذى تقدم منى طالبًا أن أصحبه وتوجهنا إلى باب حديد كبير دخلنا منه إلى حرم السجن حيث صعدنا السلالم إلى الدور الثالث.. وكان السجن عبارة عن طوابق ثلاثة.