واحد من أكثر ملائكة الله الذين يعرفهم الجميع، ويحسبون لهم ألف حساب، إنه ملك الموت، الذى يضع لمسته على الجميع، مهما قصر العمر أو طال لابد من لقاء معه.
لم يذكر الإسلام اسمًا لملك الموت، فيقول الله سبحانه وتعالى «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ»، وذلك فى سُورة السّجدة آية 11، فهو يعرف بملك الموت فى الإسلام، لكن «عزرائيل» اسم عبرى ومعناه «الذى يعينه الله» أو عبد الله الذى وكله بقبض الأرواح وهو آخر مخلوق يموت.
لكن هل هو ملك واحد مكلف بهذه المهمة أم أن ملائكة عدة مسؤولين عن هذا الأمر، ذكرنا من قبل الآية رقم 11 فى سورة السجدة والتى فيها «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ»، لكن جاء فى آيات أخرى أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملَك واحد، كقوله تعالى: «إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمى أَنْفُسِهِمْ»، وذلك فى سورة النساء الآية رقم 97، وكذلك قوله تعالى فى الآية رقم 27 من سورة محمد «فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ»، وقوله تعالى «حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ» فى سورة الأنعام الآية رقم 61، ويذهب العلماء إلى أنه لا تعارض بين هذه الآيات ولا تناقض، وذلك لأن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد، إلا أن له أعوان يعملون بأمره ويعينونه على ذلك.
ومما يدل على وجود أعوان لملك الموت ما رواه الإمام أحمد فى مسنده عن البراء بن عازب قال، قال النبى عليه الصلاة والسلام، «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِىءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِى إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ.. فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِى السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِى يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِى ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِى ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.. فَيَصْعَدُونَ بِهَا».
ويقول ابن جرير الطبرى: «إن قال قائل: أو ليس الذى يقبض الأرواح ملك الموت، فكيف قيل: «توفته رسلنا»، و«الرسل» جملة، وهو واحد؟
قيل: جائز أن يكون الله تعالى ذكره أعان ملك الموت بأعوان من عنده، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت.
فيكون «التوفى» مضافًا إلى ملك الموت، كما يضاف قتلُ من قتله أعوانُ السلطان، وجلدُ من جلدوه بأمر السلطان، إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه، ولا وليه بيده».
وقال الإمام أبو المظفر السمعانى:
«فإن قيل: قد قال فى آية أخرى: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ» السجدة /11، وقال هاهنا: «تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا» الأنعام /61، فكيف وجه الجمع؟
قيل: قال إبراهيم النخعى: لملك الموت أعوان من الملائكة، يتوفَّوْن عن أمره؛ فهو معنى قوله: «توفته رسلنا»، ويكون ملك الموت هو المتوفى فى الحقيقة، لأنهم يصدرون عن أمره، ولذلك نسب الفعل إليه فى تلك الآية. وقيل: معناه: ذكر الواحد بلفظ الجمع، والمراد به: ملك الموت».
وقال القرطبى:
«والتوفى تارة يُضاف إلى ملك الموت، كما قال: «قل يتوفاكم ملك الموت».
وتارة إلى الملائكة لأنهم يتولون ذلك، كما فى قوله: «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ».
وتارة إلى الله وهو المتوفى على الحقيقة، كما قال: «الله يتوفى الأنفس حين موتها».