-إسماعيل ياسين خاف تسرق منه الكاميرا فى ابن حميدو.. هزارها مع أحد العمال أوقف تصوير صراع فى النيل
بقوام ممشوق، وخصر نحيل منحوت، مثل جدارية بأحد المعابد الفرعونية، كانت تطل علينا فاتنة تختزل كل عبارات الإغراء والغزل فى نظرتها، تزلزل بابتسامتها قلوب الجميع، كأنها أحد آلهة الإغريق، كانت مضيئة أينما حلت كأنها نجم من نجوم السماء، تتقد بشرتها البيضاء، لتنير سماء المحبين، وتلهب قلوب العاشقين، وتذيب أعين الهائمين فى حسنها البديع، كل هذه الأوصاف ربما ليست عن الإلهة «إيزيس»، وأو «عشتار» البابلين، لكنها «هنومة» باب الحديد، الجميلة الساحرة هند رستم.
هند رستم أو ناريمان حسين مراد (نوفمبر 1931 - 8 أغسطس 2011)، أميرة حسناوات السينما المصرية، جميلة جميلات «برج العقرب»، وملكة الإغراء الأول فى السينما العربية بلا منازع، المرأة الشركسية الفاتنة التى سرقت قلوب المشاهدين، وألهبت صدور العاشقين، بجمالها وفنها الرفيع، فمن ذا الذى لا يحب هند رستم، ولم يقع فى غرام وعشق تلك المرأة الجميلة، ملكة الجاذبية، فتاة أحلام دونجوانات السينما المصرية، ونجمة الأدوار الأولى، والملكة المتوجة وحدها فى تقديم أدوار الإغراء.
فى محاولة لمعرفة الكثير عن الفنانة الراحلة، وتأمل كتاب «ذكرياتى: هند رستم» للكاتب الصحفى أيمن الحكيم، الصادر عن دار الكرمة للنشر والتوزيع، عام 2018، فى 200 صفحة من القطع الكبير «حجم الكتاب»، وجدنا العديد من الأحداث المثيرة فى حياتها المليئة بالمواقف والحكايات، التى أوصلتها لتلك المكانة الكبيرة فى قلوب الجمهور.
الصدفة وحدها هى التى قادت فاتنة السينما المصرية إلى طريق الفن، هذا الطريق الذى لم تتخيل أن تسير فيه إلى النهاية، فذات مساء، ذهبت «هند» لمشاهدة فيلم فى سينما «كوزموس»، وهناك تعرفت على فتاة من نفس عمرها مغرمة أيضا بالفن، عرضت عليها تلك الفتاة أن تذهب معها إلى «شركة الأفلام المتحدة» للتقدم للمسابقة التى أعلنت عنها الشركة لاختيار مجموعة من الوجوه الجديدة، للاشتراك فى فيلمها الجديد «أزهار وأشواك».
لم تترد «هند» وذهبت، لأنها كانت تعتقد أنها على الأقل سوف تقابل هناك نجوم السينما الذى أحبتهم وشاهدتهم، ربما لم تكن تتخيل أن هولاء سيأتى اليوم يتمنون أن يقفوا أمام حسناء السينما، وجلست مع المتقدمين حتى خرج عز الدين ذو الفقار، وما إن رأى تلك الوجه «الحسن» وقال لها: «أنتِ بتعرفى تتكلمى عربى كويس».
كان دهشة كبيرة للفنان الكبير، فهى الفاتنة أقرب إلى «الخواجات»، خاصة أن تلك الفترة كانت أغلب فتيات الكومبارس من الأرمن والإيطاليات، لكنها أجابت: «أيوه أنا مصرية».
لم يتردد الراحل فى أن يعرض عليها العمل فى الفيلم، ووافقت هى بلا تردد، وحينما رآها المخرج محمد عبد الجواد، أعجب بها وقال لعز الدين: «حطوها فى شلة سناء سميح»، وكانت الأخيرة تقوم بأداء البطولة الثانية بعد مديحة يسرى.
ويبدو أن ثقتها كانت أهم سماتها منذ البداية، فما إن انتهى أول يوم للتصوير، اقترب منها المخرج وقال لها: «إنتِ أول مرة تشتغلى!»، وعندما ردت بالإيجاب اندهش لأنها «ماختفش من الكاميرا»، وهو فعلا ما حدث فهى لم تخف ولم ترهب من الموقف لأنها كما قالت: «مفهتش اللى كان بيحصل ولا عمرى شوفت كاميرا ولا استديو قبل كده».
صادف ملكة الإغراء أثناء تصويرها أفلامها السينمائية عدد من المواقف الضاحكة، فأثناء تصوير فيلم باب الحديد، تروى «هند» أن يوسف شاهين أكثر واحد «بهدلها» فى التصوير، ووصفته بأنه كان «مجنون بجد» فأحد أيام تصوير الفيلم، قال لها: «شوفى يا هند.. وإنتى واقفة على سطح القطر وهو بيجرى تروحى ناطة من عربية لعربية»، وكانت هند تعتقد أنه يداعبها، لكنها عندما وجدته يتحدث بجدية انفجرت فيه: «يوسف أنت عيان ولا إيه؟! إنت فاكرنى هنومة بجد؟! أنط إزاى والقطر بيجرى؟!».
هند ترى أن يوسف شاهين، كان مجنون سينما، لا يهمه شيئا حتى لو الممثل حيموت قدام عينه، ومن الذكريات التى لا تنساها فى هذا الفيلم أيضا، تلك الحادثة التى أصيبت فيها أثناء التصوير بمحطة مصر، «عندما هجم علينا القطار وأنا أحمل صندوق المياه الغازية، فوقعت على القضبان، وأصبت فى قدمى إصابة بالغة، ومكثت فى المستشفى ثلاثة أسابيع للعلاج».
تذكر هند أيضا فى أثناء تصوير فيلم «صراع فى النيل» وكان يجمعها مع عمر الشريف ورشدى أباظة، أقام المخرج عاطف سالم، سقالة توصل بين الشاطئ والمركب التى يتم فيه تصوير الفيلم، حتى يستطيعوا الوصول إليه، وفى وقت الراحة لاحظ عمر الشريف أن أحد العمال يستعد لحمل كاميرا التصوير لنقلها إلى المركب، فنظر إلى هند فى براءة وقال: «روحى زغزغى الراجل ده وهو معدى».
ومن دون تفكير، وبغير أن تحسب عاقبة هذا الأمر، نفذت ما قاله، فسقط الرجل فى النيل، ومعه الكاميرا، وتعطل التصوير لأن الكاميرا أصابها العطب ولم يكن لها بديل، وحزنت هند جدا مما حدث، وعرضت على المنتج جمال الليثى أن ترسل الكاميرا إلى باريس لإصلاحها على نفقتها الخاصة، لكنه رفض وقال: «إن كان على الكاميرا مش مشكلة، الحمد لله إن محدش فيكم جراله حاجة وحشة».
موقف آخر ترويه مارلين مونرو الشرق، فذات يوم «طق» فى دماغها هى ورشدى أباظة والمخرج حسام الدين مصطفى، أن يتشاركوا فى تكوين شركة إنتاج سينمائى، وكانت باكورة إنتاجها فيلم «ست البنات» وفشل الفيلم فشلا ذريعا، وتسبب فى خسائر كبيرة كانت كفيلة بفض الشركة، وكان رشدى كلما يقابلها بعد الفيلم ينظر لها فى غيظ ويقول: «منك لله يا شيخة خربتى بيتى».
فى أول أيام تصوير فيلم ابن حميدو، حدث احتكاك بينها وبين الكوميديان الكبير إسماعيل ياسين، وحدث مشكلة، فأثناء تصوير أحد المشاهد فى العين السخنة، وكانت هند تقدم شخصية البنت الغلباوية بنت الصياد، وإذا بها تتفاجأ بانسحاب إسماعيل ياسين من التصوير، فتدخل المخرج فطين عبد الوهاب، وقال: «ستوب.. إيه يا إسماعيل مالك؟!». فرد إسماعيل ياسين فى غيظ: «الست هند عاملة زى البغبغان، ولا تعطينا فرصة للكلام، إيه ده؟!»، وما إن سمعت هند تلك الكلمات، حتى حست بالقهر، فرأت أنها هند رستم النجمة التى لم يجرؤ أحد مهما كان أن يحدثها بذلك الأسلوب، ونزلت دموع الفاتنة، فأخذتها زينات صدقى على جنب، وقالت: «بتعيطى ليه يا عبيطة، إسماعيل عايز كده، لأنه خايف تاكلى منه الجو وتسرقى منه الكاميرا، هو ده نظامه»، ولما أدركت الموقف قالت لها: «النبى حارسه، بقى الحكاية كده.. طيب صبرك عليه، ده أنا تربية حسن الإمام».
فطين عبد الوهاب، تدخل بحزم، وقال لإسماعيل ياسين: «إنت ترجع تعمل المشهد زى ما أنا عايز» لكن المشهد تكرر فيه نفس السيناريو، فكان المشهد أن تأتى هند من خلف إسماعيل ياسين لتخطف منه السمكة قائلة: «هات السمكة يا حرامى»، وتحكى هند رستم عن رد فعل إسماعيل ياسين: «وما إن أمسكته من كتفه حتى صرخ وفز وكأن حية لدغته، وصاح: إيه ده؟! إيه العافية اللى فى إيديك دى؟! كتفى يا شيخة!». وتوقف التصوير، ولم تعلق هند لأنها أدركت الموقف، فإسماعيل ياسين، يرى أمامه بنت حلوة، جسم زى الملبن، دم خفيف، أكتاف عارية، شعر أصفر، فقال لازم أوترها حتى لا تسرق الجو، وعذرته هند فيما فعل، لأنه كان فنانا له الحق أن يخاف على اسمه وجماهيريته، لكن فطين عبد الوهاب، كان هو الآخر مدركا لما يحدث، وأمسك بزمام الأمور بقوة حتى نهاية التصوير.
الألقاب التى أطلقت على جميلة جميلات برج العقرب كانت كثيرة، المخرج الكبير حسن الإمام كان يسميها «عِند رستم»، وكان فطين عبد الوهاب يتفاءل بها ويطلق عليها اسم «أم رجل دهب»، واختار لها مفيد فوزى لقب «ملكة الإغراء»، وأيضا «مارلين مونرو الشرق»، وهو لقب كان يسعدها ويضايقها فى الوقت نفسه، فقد كانت ترى نفسها أنها أجادت فى كل الأدوار، ولذلك كانت تفضل لقب «ريتا هيوارث مصر».
تعددت ألقابها وتنوعت، ولكنها كانت أميل إلى اللقب الذى أطلقه عليها الموسيقار محمد عبد الوهاب «الهانم»، وكانت هى كذلك، وسوف تظل هانم عصرها وكل العصور، وجميلات السينما العربية، وأميرتها الحسناء.