طلب مواطن إسرائيلى اسمه «جوجولدن» مقابلة السفير المصرى فى إيطاليا ثروت عكاشة ، فحدد له موعدًا يوم 31 مايو، مثل هذا اليوم عام 1958، وفى مقر السفارة بروما تم اللقاء، حسبما يؤكد عكاشة فى الجزء الأول من مذكراته «مذكراتى فى السياسة والثقافة ».
كان«عكاشة» سفيرًا لمصر فى إيطاليا منذ 20 أكتوبر عام 1957، وقبلها كان ملحقًا عسكريًا فى فرنسا، وحسب قوله:«فى باريس تعرفت على الصحفى الفرنسى»روبيرا بار«المعروف بصداقته للعرب، وفى بيت هذا الصحفى التقيت بمواطن إسرائيلى اسمه«جوجولدن»، وهو مستشار الشؤون العربية لناحوم جولدمان رئيس المؤتمر اليهودى العالمى».
كان هذا اللقاء مفتتحًا لقصة اتصالات تعددت بين عكاشة و«جوجولدن»جرى خلالها نقل وجهات نظر لناحوم جولدمان حول السلام بين العرب وإسرائيل.. يؤكد عكاشة أن ذلك تم بمعرفة الرئيس جمال عبدالناصر«لاستطلاع ماعندهم ونعرف موقفهم جليًا دون أن نلتزم معهم بشىء ولاسيما أنى لم أكن عندها أشغل منصب رجل مسؤول فى الدولة لأتكلم باسمها، ولم يغب عن بالى لحظة واحدة أن هذا الاتصال ليست له طبيعة سياسية بل كان عملًا يدخل فى نطاق الخدمة السرية المشروعة لتبادل وجهات النظر لنستطيع التعرف على ما يدور فى المحيط الإسرائيلى ما قد يفيد الدولة فائدة ما، فلقد وقر فى الأذهان حينذاك أن الصلح مع إسرائيل أمر مستحيل». يذكر«عكاشة تفاصيل لقاءاته مع«جوجولدن»فى باريس ثم روما، وكانت جميعها تنصب على رغبة«ناحوم جولدمان» فى لقاء عبدالناصر «فى أى مكان يختاره مع ضمان السرية».. وبعد أن شغل «عكاشة» منصب سفير مصر فى إيطاليا، تلقى رسالة منه يلح فيها على لقائه.يتذكر عكاشة:«استقبلته فى مكتبى بالسفارة، وأقترح أن تمنح إسرائيل للجمهورية العربية المتحدة ممرًا يربط بين إقليمها الشمالى«سوريا»والجنوبى«مصر»عبر إسرائيل.. يذكر عكاشة أنه فى يوم 24 مارس 1958 التقى مرة ثانية مع«جوجولدن»، وفى هذا اللقاء، قال «إن ناحوم جولدمان مستعد للقائه فى أى مكان، وأنه يقترح فتح الممر بين الحدود السورية ومصر عبر إسرائيل نظير السماح للسفن الإسرائيلية بعبور قناة السويس.. يقول عكاشة«إنه علق هذا العرض بقوله:«فكرة الممر تبدو عبثية، فمن غير المعقول قبولنا ممرا يقع تحت رحمة الإسرائيليين من بدايته إلى نهايته».
فى 31 مايو، مثل هذا اليوم، 1958جاء جوجولدن إلى مقر السفارة المصرية فى روما.. يكشف عكاشة أنه بعد حديث مستفيض، تطرق«جوجولدن» إلى أن الشهور الستة السابقة سلخها «ناحوم جولدمان» فى إسرائيل لمعارضة سياسة «بن جوريون» رئيس الحكومة الإسرائيلية القائمة على أنه لا أمل فى سلام مع الدول العربية، وأنه نجح إلى حد كبير فى الحد من شوكة بن جوريون وسطوته التى يعتمد فى بسطها على نظام بوليسى إرهابى، وأن سبب زيارته هو السؤال عما إذا كان قادة الجمهورية العربية المتحدة ينوون حقًا أو يضمرون الوصول إلى حل سلمى مع إسرائيل، وفى هذه الحالة تكون الفرصة مواتية لأصحاب فكرة السلام وعلى رأسهم «ناحوم جولدمان» أن يتخذوا خطوات إيجابية فى هذا السبيل».يكشف عكاشة:«لما سألته عما يقصد بالخطوات الإيجابية قال:«إن ناحوم جولدمان يسأل هذا السؤال الذى طرحه حتى إذا تلقى ردًا بالإيجاب فإنه على استعداد للتنازل عن جنسيته الأمريكية، وخوض معركة الانتخابات المقبلة ضد بن جوريون، مناديًا بسياسة جديدة مع الدول العربية يجرى معها فى الوقت نفسه إعداد الرأى العام العربى، وأنه فى سبيل ذلك على استعداد لمقابلة الرئيس كما سبق أن طلب عدة مرات، أما إذا لم يكن لدى سلطات الجمهورية العربية أية نية نحو الوصول إلى حل مثمر مع إسرائيل، فهو لايرى محلًا كى يخوض المعركة الانتخابية المقبلة التى ستجرى فى بحر ثمانية شهور».
يضيف عكاشة:«عندما وعدته بعرض الأمر على القاهرة، رجانى الإسراع بإخطاره بالنتيجة، حيث إن المهلة التى يستطيع جولدمان استغلالها لوضع كل ثقله فى المعركة الانتخابية جد قصيرة».. يذكر عكاشة تفاصيل لقاء آخر تم يوم 11 سبتمبر 1958، وفيه قال جوجولدن، إن ناحوم جولدمان يرى أنه آن الأوان لاتخاذ خطوات إيجابية نحو إدماج إسرائيل ضمن المنطقة العربية، بذوبان الأردن داخل الضفة الغربية مكونة دولة فلسطين التى تضم كل اللاجئين مع الاتفاق على حدود مشتركة بين هذه الدولة ومصر، وأشار«جوجولدن» من جديد إلى استعداد «جولدمان» لمقابلة عبدالناصرحسبما يرى.ويؤكد عكاشة: «فى هذه الأثناء تأرجحت الآراء فى القاهرة بين مؤيد لمواصلة هذه اللقاءات بحذر شديد لأنها تلقى ضوءًا على اتجاهات الصهيونية الخفية، وبين معارض لها خاصة أنى سفير معتمد، وأنه إذا كان لابد من مواصلة هذه اللقاءات فلتكن على يد غيرى أوجهاز آخر، وبهذا انتهت صلتى بهذا الموضوع نهائيًا».