لجأت مصانع الدرفلة لمحكمة القضاء الإدارى، لوقف تنفيذ قرار وزير التجارة والصناعة رقم 346 والخاص بفرض رسوم وتدابير وقائية على استيراد البيليت بنسبة 15%، والذى دخل حيز النفاذ بدءا من 15 أبريل 2019 ولمدة 6 أشهر، وجاءت فى الإدعاءات المقدمة من مصانع الدرفلة، أنها تتعرض لخسائر كبيرة نتيجة هذا القرار، رغم أنه باحتساب تكلفة الإنتاج ستظل المصانع تحقق مكاسب تتخطى حاجز الـ500 جنيه لكل طن.
وقبل الخوض فى المسائل الفنية والحسابية بشأن مكاسب مصانع الدرفلة، وكذلك إيجابيات قرار فرض رسوم حمائية على واردات الحديد والبيليت، نجد أن أزمة إغراق السوق بالحديد المستورد ليست وليدة الشهور الماضية، بل موجودة منذ فترة طويلة، لكنها اشتدت بدءًا من عام 2017، الأمر الذى جعل جهاز حماية مكافحة الدعم والإغراق «قطاع المعالجات التجارية» التابع لوزارة التجارة والصناعة يجرى تحقيقات عقب تلقى الجهاز شكوى مدعومة مستنديًا من المصنعين بتضررهم من واردات الحديد المغرقة، لكن الشكوى وقتها حددت ثلاث دول وهى الصين وتركيا وأوكرانيا، وفعليًا بعد 6 أشهر كاملة من التحقيقات، قررت الحكومة فرض رسوم مكافحة إغراق نهائية لمدة 5 سنوات.
لكن فى هذا التوقيت، لم تثر أزمة من قبل المستوردين أو مصانع الدرفلة، لأن البدائل كانت موجودة وأصبح يتم الاستيراد من دول أخرى للتحايل على القرار الذى حدد 3 دول فقط، الأمر الذى جعل مصانع الحديد الوطنية، صاحبة دورة الإنتاج الكاملة تتقدم بشكوى مجددًا لجهاز مكافحة الإغراق للتحقيق فى إغراق السوق بالحديد والبيليت المستورد، الأمر الذى أثر على المنافسة فى السوق، وبالفعل بدأ الجهاز التحقيق وقرر فرض رسوم مؤقتة لمدة 6 أشهر لحين انتهاء التحقيقات النهائية، عقب الإثبات بشكل مبدئى تعرض الصناعة للضرر وحدوث إغراق للسوق.
ومنذ اللحظات الأولى لصدور قرار الحكومة بفرض رسوم وقائية مؤقتة، وفقًا لما يتيحه القانون، وما تقره اللوائح لدى منظمة التجارية العالمية، بدأت مصانع الدرفلة فى الترويج لتعرضها لخسائر كبيرة جراء هذا القرار، إلا أنه باحتساب تكاليف البيليت الحالية، فإن مصانع الدرفلة تحقق هامش ربح لا يقل عن 500 جنيه للطن، طبقًا لهيكل التكاليف، والتى تثبت أن سعر البيليت بالدولار يسجل 443 دولارًا للطن، ومع إضافة نسبة رسوم الحماية المفروضة 10.55%، والتى تمثل تقريبًا 50.70 دولار، سنجد أن إجمالى سعر الطن بعد إضافة الرسوم الحمائية 493.70 دولار.
وبالنظر إلى تكلفة سعر البيليت بالجنيه، وبحسبة بسيطة، سنجد أن تكلفة الطن تسجل 8439 جنيهًا، وإذا ما أضفنا عليها 14% ضريبة قيمة مضافة، والتى تساوى 1106 جنيهات، مع مصروفات فتح الاعتماد وخدمات الميناء 150 جنيهًا، ثم تكلفة النقل من الميناء للمصنع 100 جنيه، وبإجمالى هذه المصروفات سنجد أن تكلفة طن البيليت حتى المصنع 9795 جنيهًا، ثم بإضافة تكلفة الدرفلة شامل الهالك 850 جنيهًا، سنجد أن إجمالى تكلفة إنتاج حديد التسليح على مصانع الدرفلة 10645 جنيهًا للطن، ومتوسط سعر البيع للطن من مصانع الدرفلة 11545 جنيهًا، لتكون النتيجة النهائية هى وجود فارق بين سعر التكلفة والبيع قرابة 900 جنيه، ومع خصم فارق ضريبة القيمة المضافة «فارق ضريبة المشتريات والمبيعات» 312 جنيهًا، إذًا سنجد أن هامش الربح 588 جنيهًا للطن.
وتتعمد مصانع الدرفلة محاولة إثارة السوق وتصدير أزمة بأنه ليس لديهم المادة الخام للإنتاج وهى البيليت، رغم أن هذه المصانع أوقفت عمليات تخليص البيليت من الموانئ لافتعال أزمة عدم وجود المادة الخام لتشغيلها، والادعاء أن تلك الأزمة ناتجة عن فرض الرسوم، لكن البيليت متكدس فى الموانئ، ورفض أصحاب المصانع التخليص الجمركى له، فى مسعى واضح لتصدير مشهد أنها مهددة بالإغلاق لعدم كفاية الخامات، وعلى الرغم من أن رسوم الوقاية ليست إجراء لحماية أصحاب الصناعة المتكاملة، لكنها وسيلة للعودة بأسعار الواردات لمستواها العادل، بما يعكس التكلفة الحقيقة وذلك طبقًا لتعريف منظمة التجارة العالمية.
ومع الهجوم العنيف من المستوردين ومصانع الدرفلة على القرار، يحاول الجميع تصدير صورة بأن القرار بدعة بل وسابقة أولى، لكنه متسق تمامًا مع منظمة التجارة العالمية، ودول عدة اتخذت إجراءات أشد بكثير من الإجراءات المصرية، حيث قامت الولايات المتحدة بإصدار قرار شبيه فى مارس 2018 بفرض 25% رسومًا إضافية على وارداتها من الحديد، تبعتها فيه دول الاتحاد الأوروبى سعيًا إلى حماية صناعتها المحلية من تدفقات الحديد الصينى والأوكرانى والتركى الضخمة، خاصة مع تزايد مخزون تلك الدول ودخول قطاع الصلب فيها حالة من الركود، دفعها إلى تصريف رواكدها بأسعار غير عادلة، بل ووصل الأمر فى بعض الحالات إلى تقديم حكوماتها دعمًا ماليًا مباشرًا للمصنعين والمصدرين، إلى جانب تسهيلات واسعة فى كُلفة النقل ورسوم الشحن والتفريغ وغيرها من الأمور اللوجستية.
وكشفت تحقيقات إغراق السوق بالحديد، حدوث زيادة فى واردات الحديد لتسجل ارتفاعًا بنسبة 31% خلال النصف الثانى من 2018 لتسجل 908733 طن مقارنة بالنصف الأول من 2017 والتى سجلت 696176، وزيادة حجم الواردات بالنسبة للإنتاج المحلى خلال النصف الثانى من عام 2018 مقارنة بالنصف الأول من عام 2017 بنسبة 17%، إضافة إلى زيادة فى الواردات ألحقت ضررًا جسيمًا لبعض مؤشرات الصناعة المحلية، حيث بلغت نسبة الواردات إلى الإنتاج 117% خلال النصف الثانى من 2018 مقابل 113% خلال النصف الأول من نفس العام، وهو ما يدفع الحكومة لتجديد الرسوم الوقائية وفرضها لمدة 3 سنوات.
ويتم احتساب رسم الحماية على أساس الأسعار،التى يقوم قطاع المعالجات التجارية، بإرسالها لمصلحة الجمارك نهاية كل شهرعلى أن تطبق على الشهر التالى، على أن تطبق على كافة الرسائل التى يتم الإفراج عنها على ألا يتم الأخذ فى الاعتبار الأسعار الواردة بالفواتير المقدمة عند الاستيراد.