لم يلجأ المرشد الأعلى فى إيران والقائد الأعلى للقوات المسلحة، للسلاح الإيرانى السرى الذى لوح به فى وجه الولايات المتحدة الأمريكية وقت دخول حاملات طائراتها إلى مياه الخليج، بل صعد منبر الصلاة ليؤدى خطبة عيد الفطر ممسكا بيده اليسرى سلاح قنص روسي عالى الدقة، ليبعث رسائل إلى واشنطن مفادها أن الدب الروسى لن يتخلى عن طهران حال فكرت واشنطن شن هجوم عسكرى عليها، وتهديد فى الوقت ذاته من أعلى قيادة فى الجمهورية الاسلامية التى تمتلك فقط قرار الحرب وفقا للدستور الإيرانى، باستعداد طهران العسكرى لرفع السلاح بوجه من يهدد مصالحها.
وربما اختار القائد الأعلى للقوات المسلحة والحرس الثورى الإيرانى الصعود بسلاح بهدف إلقاء خطاب تعبوي يحشد من خلاله الجماهير الإيرانية الغاضبة من العقوبات التى تكاد تفتك بالداخل، وأثرت بشكل كبير على الاقتصاد الذى أصبح يعانى، وأثر ذلك سلبا على المواطنين بسبب ارتفاع أسعار السلع وتهاوى قيمة العملة المحلية، وبحسب تقرير البنك الدولي فأن نمو الاقتصاد الإيراني يتجه نحو الانخفاض بنسبة سلبية بسبب العقوبات وحظر صادرات النفط الإيرانية، التقرير توقع أيضا البنك أن إيران ستكون في أسفل تصنيف النمو الاقتصادي (الناتج المحلي الإجمالي) لعام 2019.
وفي منتصف عام 2018، خفض البنك الدولي توقعه للنمو السلبى للاقتصاد الإيرانى، إلى 4.5%، بسبب العقوبات الأمريكية التى قال أنها ستقضي على عائدات البلاد، وقدرة حكومتها على تمويل المشاريع ودفع تكاليف الدعم. وإذا ما قونت هذه التوقعات بتوقعات صندوق النقد الدولي سنجد أن الأخيرة قدرت نمواً سلبياً بنسبة 6% في عام 2019. وقام البنك الدولي أيضًا بمراجعة تقديراته للتضخم الإيراني، قائلًا إنه بلغ 52% في أبريل، وذكر أنه على الرغم من أن هذا الرقم قابل للتغيير لكنه على حدود التضخم المفرط.
ورغم رفض المرشد الإيرانى القاطع للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية وتصريحات الرئيس حسن روحانى التى تلوح بقبول مشروط لهذه المحادثات، إلا أن الدولة الإيرانية مازالت تعول على خفض التوتر مع الولايات المتحدة عبر طرف ثالث، فقد اعتادت طهران فى إدارة ملف العلاقات الأمريكية - الإيرانية على اللجوء إلى وسيط وقنوات سرية للحديث مع واشنطن، فيوم الأربعاء المقبل سيحل على طهران وسيط يابانى جديد عوّلت عليه طهران فى خفض التوتر.
وفى هذا الإطار، أعرب نائب وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى، عن أمله بأن تخفض زيارة رئيس وزراء اليابانى شينزو آبى المرتقبة الأسبوع المقبل إلى طهران من حدة التوتر فى المنطقة، ونقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية عن عراقجى قوله فى مقابلة مع قناة يابانية إن "اليابان قد تتمكن من أن تجعل الأمريكيين يدركون الظروف الراهنة"، مبديا أمله فى أن تخفف زيارة آبى إلى طهران من "حدة التوتر فى المنطقة".
ورحب عراقجى بزيارة رئيس الوزراء اليابانى إلى طهران، موضحا أن آبي "سيجتمع الأسبوع المقبل مع المسؤولين الإيرانيين" وعلى رأسهم المرشد الأعلى على خامنئى، وتابع، أن"إيران لم تكن ترغب في أن يتدخل طرف ثالث كوسيط بينها وبين واشنطن"، فيما اعتبرت القناة اليابانية أقوال عراقجي بمثابة ترحيب من قبل طهران بالوساطة اليابانية بين إيران والولايات المتحدة.
وفى الوقت نفسه، قال الرئيس الأمريكى أنه تم فرض عقوبات قوية على إيران، فى محاولة من جانب واشنطن لإخضاع إيران للتفاوض وابرام صفقة نوووية جديدة بدلا عن تلك التى انسحبت منها واشنطن والتى رأت أنها تجاهلت برنامجها الصاروخى الباليستى ونفوذها فى المنطقة. لكن فى كل الأحوال تمكن قادة البلدين فى ابعاد شبح الحرب، والسيناريو الذى يفرض نفسه اليوم على المشهد بين البلدين هو التصعيد المدروس الذى لا يغير من قواعد اللعبة، وفرض واشنطن المزيد من العقوبات لخنق طهران اقتصاديا، واللجوء ايضا لقنوات سرية لإرسال رسائل للطرفين.