الدكتور حاتم زاهر يكتب: سيدنا يوسف يرد على الدواعش قبل 3500 سنةنبى الله دخل مصر أجنبيا واحترم الوطن وقوانينه وعمل على النهوض بهوإرهابيو العصر الحالى يستغلون الجنسية لاستهداف الغرب بعد منحهم الأمان

استكمل معكم اليوم ما بدأناه فى الحلقة الأولى، من تأملات فى قصة سيدنا يوسف عليه السلام، والذى أُحِب أن أُطلق عليه "يوسف المصرى" لأنه مثال للشاب المصرى الطموح المحب لوطنه، والمؤمن بربه، والواثق بقدراته، والذى مهما تعرض لضغوط فى حياته فإنها لا تزيده إلا قوه، وإصرارًا على النجاح، وإخراج جميع طاقات التحدى الكامنة داخله، فباختصار، قصة يوسف فى القرآن هى قصة "مصر والشباب".

وكلما تمعنا أكثر فى هذه القصة، سنكتشف أن ما بها من حقائق ودروس تَصْلُح لأن تكون "دستورًا دائمًا" ومتجددًا لمصر.. ولمصر فقط لأن قصة يوسف تحمل فى طياتها أسرار نجاح مصر والمصريين، ونستكمل فى هذه الحلقة رحلة الإبحار فى قصة "يوسف المصرى".

يوسف وتمكين الشباب اذا تأملنا القصة سنرى أن الشباب هم من لعبوا معظم أدوار البطولة فيها، وأن معظم النجاحات التى تحققت، قد أتت على يد الشباب المصرى المخلص، وإليكم الأمثلة: حينما رأى الملك الرؤية ولم يعرف معناها، عَقَدَ مباشرةً اجتماع لمجلسه الاستشارى، والذى كان يضم علماءً من كافة التخصصات، ومن ضمنهم الشباب، وعَرَضَ عليهم الرؤية.

ولأن معظمهم كانو من علماء المادة، كان ردهم: (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ) (44) ولكن يأتى الحل على يد شاب موجود فى المجلس، وهو نفسه الذى دخل السجن مع يوسف (وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) وبالفعل تولى مهمة تفسير الرؤية مع شاب آخر وهو "يوسف المصرى".

نستنتج من هنا أن اللغز قد أرسله الله إلى الملك الكبير فى السن، ولكن الحل جاء على يد شابين، هما ساقى الملك ويوسف. لنستخلص الرسالة وهى أن الحل دائمًا يكون فى الاستعانة بقوة الشباب مع حكمة الكبار.

واستكمل الشباب الحلم مع يوسف فى رحلة البناء الصعبة، وحينما تتبحر أكثر فى القصة ستجد أنه كانت هناك مضايقات كثيرة ليوسف من الكهنة ورجال الملك، الذين حاولو بكل الطرق أن يحبطوه للدرجة التى جعلتهم يمتنعون عن إعطائه النسبة المطلوبة من محصول القمح، ولكن يوسف لم يُحْبَط، وكان سلاحه فى مواجهة طغيان الكهنة هو الشباب الذين آمنو به وبحلمه، فتفجرت كل طاقتهم الإنتاجيه والإبداعية، لإنجاح يوسف، وفى نفس الوقت حماية وطنهم من خطر الجفاف.

وتأمل معى هذه الآية الكريمة: (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِى رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ﴿٦٢﴾؅ والفتيان هم الشباب، أى أن يوسف كان رجاله ومعاونوه معظمهم من الشباب ، وهذه هى الرسالة القرآنيه لنا فى هذه القصة فالحل فى الشباب، وللشباب أنفسهم رسالة وهى أن مصر لا تُبْنَى إلا بسواعدكم وعقولكم، فلا تبخلوا عليها بجهودكم.

يوسف يرد على "الدواعش" منذ 3500 سنة حينما قدم يوسف إلى مصر، كان عمره فى معظم الروايات 13 سنة، وكان فى العُرْف الحالى أجنبيا، وحينما تتأمل فى قصته تجد أنه بالرغم من اختلاف جنسيته وديانته وثقافته عن كل أهل مصر، إلا أنه احترم هذا الاختلاف ولم يعترض عليه ولم يواجه المجتمع المحيط به والمختلف عنه فى كل شىء، ولم يطلب منهم أن يغيروا ديانتهم بالقوة، ولم يعترض على قوانينهم التى وضعوها لتنظيم أمور دولتهم حتى بعد أن وصل إلى منصب العزيز، وهو ما يوازى منصب رئيس الوزراء فى وقتنا الحالى.

ومنصب يوسف كان من الممكن أن يسهل له تغيير القانون ليلائم ثقافته وعقيدته التى تختلف اختلافًا كليًا عن أهل مصر فى ذلك الوقت، ولكنه حتى مع مقدرته لم يفعل احترامًا للوطن الذى حماه واحتضنه وقت ضعفه.. تأمل معى هذه الآية الكريمة: (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ) ﴿٧٦﴾؅ وهذه الآية ذُكْرَت فى إطار قصة يوسف مع إخوته الذين قدموا إلى مصر فى زمن المجاعة للتزود بالغذاء والبضائع، وهى قصة طويلة، وبها الكثير من الدروس.

وأقدم يوسف على حيلة لكى يستبقى أخيه الشقيق معه، ولا يجعله يعود مع باقى إخوته إلى فلسطين، بعد التزود بالبضائع، وكان ذلك بالاتفاق مع أخيه، فوضع المكيال الذى يكيل به لهم فى متاع أخيه لكى يتم اتهامه بالسرقة، وتطبيق القانون الملكى عليه، والذى كان يقضى بأن تأخذ غرامة من السارق، وهنا وقع الصراع النفسى بداخل يوسف، لأنه كان يحكم فقط بالدستور والقانون المصرى، وإذا حكم عليهم فكان لابد وأن يحكم بتطبيق الغرامة، ولكن الله ألهمه أن يسألهم عن جزاء السارق فى شريعتهم، وهى شريعة يعقوب أبيه وأبيهم، والتى كانت تقضى بأن يتم أخذ السارق كعبد لمن سرقه، وهذا ما كان يريده يوسف، وهو أن يظل أخيه بجواره، لذلك لم ينطق هو بحكمه حتى لا يخالف القانون الدستور، ولذلك فضل أن يصمت ويجعلهم هم من يحكمون على أنفسهم، لكى لا ينطق بشىء مخالف للقانون المصرى، وهذا يدل على احترام يوسف لكل كلمة فى دستور وطنه الذى يعيش فيه حتى ولو كان غريبًا عنه، ويختلف عن أهل ذلك الوطن فى الدين، والعقيدة، والثقافة، وهذا هو أساس المواطنة فى عصرنا الحالى.

وإذا ربطنا بين ما فعله يوسف وما تفعله الجماعات المتطرفة فى العصر الحالى مثلما حدث فى فرنسا وأمريكا والتى تعطى الجنسية والأمان لبعض عناصر هذه الجماعات المتطرفة، وبدلاً من احترام هذه الأوطان ودعمها بأفكارهم، وعلمهم مثلما فعل يوسف، يرتكبون أبشع الجرائم فى حق أهل تلك الأوطان ويشوهون معها صورة دينهم.

فهل تصلح تجربة يوسف لأن تكون تجربة للمسلم فى بلاد الغربة، وأنه كمغترب مطالب باحترام دستور وقوانين هذه الأوطان البديلة، وأنهم مطالبون بالعمل ثم العمل لبناء هذه الأوطان كما فعل يوسف فى مصر، وانظروا نتيجة ما زرعه يوسف، ونتائج ما زرعوه هم، لقد خلد المصريون اسم يوسف حتى يومنا هذا، للدرجة التى جعلته أكثر الأسماء شيوعًا بعد "محمد" حتى بعد 3500 عام من رحيل يوسف.

واستجاب الله لحب المصريين ليوسف فخلد جملته "ادخلو مصر إن شاء الله آمنين" وجعلها فى قرآن يُتْلَى إلى يوم الدين، وأصبحت هى التحية التى نستقبل بها كل زائر لمصر.

قارن بين ذلك وبين نتيجة ما فعله تنظيم "داعش" الإرهابى، الذى أدى بالغرب إلى الاشتباه فى كل من يحمل اسم "أحمد" أو "محمد" وما تلا ذلك من تبعات.

ونختتم الحلقة الثانية بهذه الآية الكريمة (لَقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) ﴿٧﴾؅ فليتنا نتعلم من يوسف كيف تكون المواطنة وكيف يكون احترام الأوطان.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;