صوت شجى نقى قوى حنون حين تسمعه تشعر أنك تسمع صوت مصر فى الحارة الشعبية وعلى المقاهى ، وأصوات ولاد البلد الجدعان.
يمنحك كل معانى الدفء والتفاؤل والحب حين يردد " ياحلو صبح ياحلو طل ، و أبو سمرة السكرة ، و يارايحين الغورية ، بين شطين ومية ، جميل واسمر ، انشاله مااعدمك ، ويحمل فرحة الوطن بثورته المجيدة حين يردد "عالدوار عالدوار" وقوة وحدته وهو يردد " وحدة مايغلبها غلاب"
إنه الصوت المصرى الأصيل الرصين محمد قنديل الذى تحل ذكرى وفاته اليوم الموافق 9 يونية حيث توفى عام 2004 .
وصنف الكثيرون صوت قنديل كأحد أقوى وأجمل الأصوات المصرية ، كما أعلنت جمعية الملحنين في فرنسا أن صوته من أنقى الأصوات، لأن نسبة ذبذبات النشاز فيه أقل من 1%، وقال عنه عبد الحليم حافظ إنه المطرب الوحيد الذي لا يخدع الأذن، ، واعترف الموسيقار محمد عبد الوهاب بأن صوت قنديل الأقوى في الوطن العربي، ووصفه فريد الأطرش بأنه جوهرة ثمينة يجب الحفاظ عليها وحمايتها، لأنه يتمتع بأقوى حنجرة صوتية لا يمتلكها أحد غيره به، بينما لم تجد كوكب الشرق أم كلثوم مطربًا يغني بدلا منها عندما دعاها ملك المغرب للغناء هناك سوى محمد قنديل، بعد أن اعتذرت بسبب ظروفها الصحية ، وكانت تقول عنه دائما أنه أقوى الأصوات.
لحن قنديل عددا من أغانيه ومنها أبو سمرة السكرة التى حققت نجاحا كبيرا ، كما غنى من ألحان الموجى وكمال الطويل ومحمود الشريف ومحمد فوزى وأحمد صدقى، ولكنه لم يغن مطلقا من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
وكان محمد قنديل لا يظهر كثيرا فى البرامج أو الحوارات الصحفية ، كما كان لا يحب الاختلاط كثيرا ، ولكن فى حوار نادر له أجرته مجلة الكواكب معه فى بيته عام 1958 ، تحدث قنديل عن رأيه فى محمد عبدالوهاب ، فقال:" عبدالوهاب فنان كبير ولكنه فنان كبير لنفسه وليس للفن ، فهو ليس فناناً لوجه الفن وحقه عليه ، إنه أنانى لا يطلب المجد إلا لنفسه ، ولنفسه فقط "
وتابع قنديل خلال حواره النادر قائلا :" صدقونى لو وضع عبدالوهاب إمكانياته وخبراته بين يدى الفن ولم يحتكرها لنفسه لكان غير ماهو عليه الآن ، إنه يخاف على عرشه ويخشى حتى من أعماله الكبيرة التى يقدمها لغيره ، فسرعان ما يختطفها ويترك الغير يترنح، ويهوى ويبقى هو يشاهد المأساة فى ابتسامة ماكرة"
ولكن فى حوار أخر أجراه قنديل قبل وفاته بعامين أكد أنه كان يتمنى أن يغنى من الحان محمد عبدالوهاب قائلا :"بالرغم أن محمد عبد الوهاب لم يلحن لي إطلاقا، لكننى تمنيت طوال حياتي أن أغني له ولو أغنية واحدة من ألحانه، ورغم ذلك كنت مطربه المفضل في بيته، وكان يتصل بي ويقول تعالى غني لي يا قنديل فأذهب اليه وأغني ويدندن هو على العود".
حققت أغانى محمد قنديل نجاحات كبيرة وعشقتها كل الأجيال ، واستطاع قنديل أن يخلق لنفسه لوناً غنائياً مميزاً لا يشبه أحداً ، وان يجد لنفسه مكانا ً مرموقا بين نجوم وعمالقة جيله ، وقد لا يعرف الكثيرون أن العندليب الأسمر غنى أحد أغانى قنديل الشهيرة ولكنه لم يحقق نجاحا كمثل هذا الذى حققه محمد قنديل.
وعن ذلك قال محمد قنديل فى حواره النادر لمجلة الكواكب وفى إجابته عن سؤال حول خلاف بينه وبين الملحن كمال الطويل الذى قال أنه صاحب الفضل الأول فى نجاح قنديل واتهمه بأنه ناكر للجميل ،أجاب قنديل قائلا :" العكس هو الصحيح فصوت قنديل ساهم فى نجاح كمال الطويل"
وتابع :" بعد أن غنيت أغنية يارايحين الغورية لكمال الطويل ونجحت بصوتى ، أرادت شركة كايروفون أن تسجلها على اسطواناتها وعرضت على مبلغ 50 جنيها ولكنى رفضت ، فما كان من كمال الطويل إلا أن ذهب للشركة وعرض عليها تسجيل اللحن بصوت عبدالحليم حافظ بنفس المبلغ المعروض ، ووافقت الشركة وسجل عبدالحليم الأغنية بصوته"
وأوضح قنديل :" كان هذا أكبر من أن يفعله كمال الطويل معى، فذهبت إلى الشركة وعرضت عليها تسجيل الاسطوانة مجاناً ورحبت الشركة لأن الإسطوانات التى سجلتها بصوت عبدالحليم لم تجد رواجاً فى السوق"
وأضاف :" سجلت الاسطوانة بصوتى وتم طباعتها كثيرا بعد تسجيلها بصوت مطربها الأصلى ، وبعدها كان كمال الطويل يتعمد عدم مقابلتى لأنه مكسوف منى وبعدها بدأ يهاجمنى"
وولد المطرب الراحل محمد قنديل فى 11 مارس عام 1929 بحى شبرا ، واسمه الحقيقي قنديل محمد حسن وهو من عائلة فنية حيث كان أبوه وعمه وعددا من أقاربه موسيقيين يعزفون على العود والقانون ، وبدأ مشواره فى الإذاعة عام 1943 ، وكانت أول أغانيه المسجلة أغنية "التمرحنة طرح".
غنى قنديل فى بداية حياته بملهى ليلى فى الكيت كات تمتلكه الراقصة رجاء توفيق، وعندما قرر الزواج منها اشترط عليها اعتزال الرقص وإغلاق الملهى، ولكنهما انفصلا عام 1960، ثم تزوج من خارج الوسط الفني، ولم يُنجب في الزيجتين.
وكان قنديل يعشق في شبابه رياضة المصارعة ورفع الأثقال، وفى حوار لزوجته الأولى رجاء توفيق قالت عنه أنه رجل مستقيم لا يشرب الخمر ولا القهوة ولا حتى السجائر، وأنه يحرص على الصلاة والصيام ولا يحب الاختلاط كثيرا ويقضى أوقات فراغه فى هواياته المفضلة تربية العصافير والطيور المنزلية و جمع آلات العود والتحف.
واستمر عطاء محمد قنديل لأكثر من 50 عاما ، قدم خلالها كل ألوان الغناء والطرب من الأغنية الشعبية والموال والدور والموشح والأغنية السينمائية والأغاني الوطنية والصور الغنائية ، وقدم خلال تلك المدة أكثر من 800 أغنية وحوالي 20 فيلما.
وفي عام 1996 أُصيب بجلطة في الشريان التاجي، وسافر للعلاج وإجراء جراحة بالخارج ، وقبل وفاته بفترة قليلة قدّم تتر مسلسل "الأصدقاء"، عام 2002، وبأغنيتين داخل العمل، وكانت ذلك آخر إسهاماته في عالم الفن ، وفى نهاية حياته تدهورت حالته الصحية حتى توفى فى في 9 يونيو 2004 عن عمر يناهز 75 عاما.