قال محمد دشناوى خبير سوق المال إن الأوضاع الاقتصادية التى تمر بها مصر الآن مر بها العديد من الدول من قبل وكثير من دول العشرين التى نما اقتصادها فى آخر عشرين عاما، وصلت لمراحل أكثر صعوبة من منا بكثير، فالبرازيل وصلت إلى حافة الإفلاس الفعلى عام 2002 حيث بلغ حجم الديون الخارجية 250 مليار دولار، وارتفع حجم الدين المحلى 900 مرة خلال فترة الرئيس الأسبق كاردوسو «1995– 2002».
وكذلك ارتفعت معدلات الفائدة وانخفض الريال البرازيلى أمام الدولار بنسبة 394% ، وكانت تعانى أيضا من التضخم والنقص الحاد فى الطاقة، يعنى مثلنا تقريبا، بالإضافة إلى مشاكل اجتماعية أكثر صعوبة منا، ولكنها كانت اعتادت ممارسة الديمقراطية وفى ثمانى سنوات فقط وهى فترة حكم لولا دا سيليفا ماسح الأحذية، استطاعت البرازيل أن تتحول من اقتصاد فاشل عام 2002 للتحول إلى واحدة من أكبر 20 اقتصاد على العالم عام 2011، وتتحول من دولة مدينة إلى أن تكون دائنة بـ 14 مليار دولار، بالإضافة إلى ذلك عودة 2 مليون برازيلى، كانوا مهاجرين بعد تحسن الأحوال.
والبرازيل ليست الدولة الوحيدة، فنفس الظروف تقريبا مرت بها تركيا والأرجنتين واستطاعوا عبور هذه المرحلة، وأمريكا نفسها مرت بظروف اقتصادية صعبة خلال الفترة 1972 – 1981، وقيل إنها فترة بؤس شديد واستطاعت أن تعبر هذه المرحلة خلال ولايتين فقط وهم فترة ريغان من الفترة 1981 وحتى 1989 واستطاع ريغان خلالها إصلاح الاقتصاد الأمريكى المتدهور والذى كان يعانى ركودا تضخميا، وهى من أصعب المشاكل التى تواجهها الدول، الكساد والتضخم، وأهم أعراضهما هى ارتفاع الأسعار بوتيرة سريعة وزيادة معدل التضخم حتى وصل لمستوى 13.5% عام 1981 وبلغت نسب البطالة 10.40%، بالإضافة إلى عدم تناسب مستوى دخل الفرد مع الأسعار، ويعود ذلك لما كانت تمر به أمريكا من مشاكل ارتفاع كبير فى مستلزمات الإنتاج، خاصة البترول الذى تضاعف سعره 4 أضعاف عام 1973 بسبب حرب أكتوبر، بالإضافة إلى مشاكل استبدال الغطاء الذهبى بغطاء الإنتاج وفصل الدولار عن الاحتياطى الذهبى عام 1971 من جانب أمريكا منفردة، وهو ما أدى إلى مطالبة الدول لذهبها لدى أمريكا لولا دعم السعودية لها وتثبيت بيع البترول بالدولار فقط، حتى تضطر الدول للتمسك بالدولار الأمريكى وهو ما اضطر شارل ديجول لعدم المطالبة برصيد فرنسا الذهبى والتمسك بالدولار الأمريكى، وبذلك حافظت أمريكا على الاحتياطى الذهبى، وهو ما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية للدولار إلى 50% وحدثت انهيارات كبيرة فى البورصة الأمريكية، واستمر معاناة الشعب الأمريكى طوال هذه الفترة والتى تعد الأصعب فى تاريخ أمريكا، بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية التقليدية المصاحبة لترهل الاقتصاد من مشاكل فى التعليم وزيادة البطالة وهى نفس المشاكل ستجدها متطابقة فى مصر الآن والبرازيل والأرجنتين سابقا المهم تولى ريغان 1981 وبدء الإصلاح وركز على عدة جوانب نحتاج لها حاليا للنهوض بالاقتصاد المصرى.
وكالعادة فى الاقتصادات المتدهور يبدأ الحل دائما بالسياسات النقدية لأنها نقطة الانطلاقة لحل المشاكل المزمنة، وذلك بخطة «ذبح التنين التضخمي» وقام فولكر وزير الخزانة الأمريكى برفع سعر الفائدة بصورة مفاجئة إلى مستوى 20% فى ثلاثة سنوات ذبح التضخم لمستوى 3.20 % عام 1983 ثم 1.1 عام 1986 من أصل 13.5% عام 1971، وأرى أننا بحاجة لهذا القرار وبقوة ويجب أن ننهى تعايش الاقتصاد المصرى مع معدلات التضخم المرتفعة لأنها تعيق النمو، وكذلك تحط من قيمة العمل، بالإضافة إلى أنها تعمل على إعادة توزيع الدخل لصالح الفئات القادرة فقط، حتى وإن كانت تساعد الحكومة فى توليد البنكنوت وزيادة الائتمان المصرفى.
واتجه ريجان صاحب الشخصية الجذابة العبقرية فى التواصل مع المواطنين، لدرجة أن أطلق عليه الإعلامى العظيم لما له من شخصية جذابة لها سحر وهذا القبول ساعده كثيرا فى تمرير قرارات مؤلمة للأمريكان فى خطة لبناء دولار قوى بعد عقد من الضعف الكبير، وأنا أرى أن هذه الميزة متواجدة بصورة كبيرة بالرئيس السيسى، وهو قادر أن يأخذ قرارات صعبة يتحملها الشعب لما يتمتع به من مصداقية عالية لدى الشعب.
شعار «الضرائب المرتفعة تهدد الحريات وتعرقل النمو وشجعت على الإسراف الحكومى» وإصدار مشروع قانون إصلاح النظام الضريبى وخفض الضرائب عند مستوى 28% من 70% ، وإن كنت أرى أننا بحاجة لنفس الإجراء مع عمل تعديل هيكلى، بوضع تحفيزات ضريبية للمشروعات كثيفة العمالة وكثيفة المنتجات المصدرة، وكذلك مشاريع البنية التحتية وأيضا ضرائب تصاعدية، فلا يمكن أن يكون معدل الضرائب على الملاهى هو نفس معدل المصانع والمزارع.
والجهل أكبر خطر يقضى على الأمم، ونحن فى حاجة لمثل هذا التبنى بصورة كبيرة وبخطة واضحة لتطوير التعليم فى مصر ، لأن العنصر البشرى دائما من أهم مقومات الدولة المصرية، وأكثر داعم لاقتصادها بأكبر مصدر للميزان التجارى المصرى هو تحويلات العاملين بالخارج وتطوير التعليم، سواء من حجم الإسراف على التعليم من الموازنة، بالإضافة إلى الإصلاح الفنى لمنظومة التعليم الفاشلة، لأن ثروة الأمم فى قدرة أفرادها على الإنتاج والابتكار.
ونحتاج للقضاء على الفقرة فى مصر والذى تجاوزت نسبته 60% بعد التخفيض الأخير للجنيه، ودعم إنشاء الطبقة الوسطى التى هى مصدر توازن الأمم، وباعث النمو فى الاقتصاديات الكبرى، فالاستهلاك الداخلى سر قوة أمريكا، على عكس الصين وأن دور الدولة فى إدارة الاقتصاد توليد الوظائف للمواطنين حتى لا يقعوا تحت وطأة الفقر، خاصة إن نسبة البطالة تجاوزت 13%، بالإضافة إلى إصلاح منظومة الضمان الاجتماعى بصورة أكثر فاعلية حتى يشعر المواطن بأهميته ليكون أكثر التصاقا ورضاء عن الدولة وسياستها، مما يجعله أكثر إنتاجية.