اهتمت المؤسسات الإقليمية والدولية المسئولة عن مكافحة الفساد بهذا الموضوع لحماية الوظيفة العامة من ناحية، وتحقيقا للتقدم الاقتصادى من ناحية أخرى، وذلك فى سبيل الوصول لأقصى درجات الشفافية وتحقيق أمال الشعوب فى التنمية المستدامة، وفى دراسة جديدة للفقيه المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة عن "الآليات الدستورية والقانونية فى مكافحة الفساد والتجربة المصرية نموذجا" نعرض لها فى تلخيص هذه الدراسة فى الجزء الثانى والأخير منها فيما يلى.
أولاً: الفساد ظاهرة دولية معولمة لا تحتاج لإجراءات وطنية فقط بل تتساند الدول فيما بينها :
يقول الدكتور محمد خفاجى إن الفساد الإدارى ظاهرة ليست محلية أخذت تتجاوز حدود الدولة الواحدة، لتصبح ظاهرة دولية معولمة ، لم يعد من الصائب التعامل معها من خلال الإجراءات الوطنية فحسب بل يجب أن تتساند الدول فيها ، خاصة فى ظل التقدم العلمى والتكنولوجى سريع التطور ، حيث تفنن مرتكبو الفساد فى كيفية زيادة ثرواتهم بصورة غير مشروعة ولم تعد الوظيفة العامة لديهم أداة لخدمة المجتمع أو تكليف لخدمة الشعب ، وإنما أصبحت سلعة يتاجرون بها ويستثمرون سلطاتها لتحقيق أغراضهم الشخصية ومصالحهم الخاصة بل ومصالح أقاربهم وأصدقائهم. وكان من أثاره السلبية تطور وسائل وأساليب ارتكاب الفساد الإدارى الذى أصبح يتخذ أشكالا جديدة ومتطورة يصعب التعرف عليها فى كثير من الأحيان .
ويضيف الدكتور خفاجى أن موضوع مكافحة الفساد الإدارى يجب أن يلقى اهتماما كبيرا على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ففى كل دولة من الدول خاصة الأفريقية لا تكاد تخلو برامج الحكومات المختلفة من التركيز على الإصلاح الإدارى بقصد مكافحته والحد منه تحقيقا للتنمية لشعوب هذه البلدان، ولهذا شغل مكافحة الفساد بال الباحثين من مختلف العلوم القانونية و الاجتماعية والإنسانية، لما لهذه الظاهرة من أثار سلبية على تلك المجالات.
ثانياً :أرى تعديل اسم "هيئة الرقابة الإدارية" إلى "الهيئة الوطنية للرقابة" بسند دستورى وقانونى ليتناسب مع طبيعة مسؤلياتها :
يقول خفاجى الرأى عندى أننى أرى تعديل اسم "الرقابة الإدارية "إلى "الهيئة الوطنية للرقابة ", فلم تعد التسمية التى اُطلقت عليها منذ 54 عاماً بمقتضى القانون رقم 54 لسنة 1964 دقيقة الاَن، فهى كانت تتبع رئيس المجلس التنفيذى وعدل فى بعض مواده إلى رئيس مجلس الوزراء ، وكانت تختص بمقتضى التعديل الذى اُجرى بالقانون رقم 71 لسنة 1969 بالكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التى تقع من العاملين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم أو بسببها وبكشف وضبط الجرائم التى تقع من غير العاملين، والتى تستهدف المساس بسلامة أداء واجبات الوظيفة أو الخدمة العامة. وذلك بشرط الحصول على إذن كتابى من النيابة العامة قبل اتخاذ الإجراءات, ولها فى سبيل ممارسة الاختصاصات سالفة الذكر، الاستعانة برجال الشرطة وغيرهم من رجال الضبطية القضائية وذوى الخبرة مع تحرير محضر أو مذكرة حسب الأحوال.
إلا أن هيئة الرقابة الإدارية أصبحت بمقتضى القانون رقم 207 لسنة 2017 المعدل هيئة رقابية مستقلة ، تتبع رئيس الجمهورية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتمتع بالاستقلال الفنى والمالى والإدارى، وتهدف إلى منع الفساد ومكافحته بكافة صوره، واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للوقاية منه، ضمانًا لحسن أداء الوظيفة العامة، وحفاظًا على المال العام وغيره من الأموال المملوكة للدولة، فضلا عن اختصاصاتها المستحدثة فى كشف وضبط الجرائم التى تستهدف الحصول أو محاولة الحصول على أى ربح أو منفعة باستغلال صفه أحد الموظفين العموميين المدنيين أو أحد شاغلى المناصب العامة بالجهات المدنية، أو اسم إحدى الجهات المدنية، المنصوص عليها فى المادة الرابعة من هذا القانون، وكذا الجرائم المتعلقة بتنظيم عمليات النقد الأجنبى المنصوص عليها فى قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003، وفقا لأحكامه والجرائم المنصوص عليها بالقانون رقم 5 لسنة 2010 بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية والجرائم المنصوص عليها بالقانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر. ومن ثم بات أكثر ملاءمة ما ننادى به من تعديل اسمها من "هيئة الرقابة الإدارية" التى تحصرها فى إطار رقابى إدارى ضيق إلى "الهيئة الوطنية للرقابة " بعد أن اتسع نطاق اختصاصها وأصبحت مسئولة عن منع الفساد ومكافحته بكافة صوره، خاصة وأن النص الدستورى بموجب المادة 218 من الدستور ألزم الهيئات والأجهزة الرقابية بالتنسيق فيما بينها فى مكافحة الفساد، واستخدام المشرع الدستورى فى الفصل الحادى عشر فى الفرع الثانى اسم " الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية ".
ثالثاً : يتعين تعميم ثقافة مكافحة الفساد فى أوساط المجتمع :
يتابع خفاجي، إن مكافحة الفساد لا تأتى بالشعارات ولا تعنى بحال من الأحوال الوعود والعهود والطموحات غير الواقعية ، لأنها تؤدى إلى إحباط جماهيرى، والرأى عندى أنه حتى لا يصاب المجتمع بخيبة الأمل واليأس فى استحالة مكافحة الفساد، يفترض تهيئة المناخ وتنظيم حملات إعلامية مكثفة لتعميم ثقافة مكافحة الفساد فى أوساط المجتمع من خلال اشتراك الجماهير عبر منظماتهم الشعبية، ونقاباتهم المهنية، ومؤسساتهم المدنية فى حملة مكافحة الفساد، فذلك له دلالة على أن الإرادة العامة للأمة عازمة على مكافحة الفساد .
رابعاً : اتفاق الهيئات الدولية (منظمة الشفافية والبنك الدولى ) على أن الفساد سوء استخدام المنصب العام :
ويؤكد خفاجى أن المؤسسات الدولية المسئولة عن مكافحة الفساد قد اهتمت بتعريف الفساد، فالمنظمة العربية لمكافحة الفساد فقد عرفت الفساد بأنه " الاكتساب غير المشروع أيدون وجه حق لعنصرى القوة فى المجتمع، السلطة السياسية والثروة، فى جميع قطاعات المجتمع" وعرف مشروع اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الفساد، الفساد بأنه: " القيام بأعمال تمثل أداء غير سليم للواجب، أو إساءة أو استغلالا" لموقع أو سلطة بما فى ذلك أفعال الإغفال توقعاً لمزيّة، أو سعياً للحصول على مزيّة يوعد بها، أو تعرض، أو تطلب بشكل مباشرٍ أو غير مباشر، أو أثر قبول مزية ممنوحة بشكل سواء للشخص ذاته، أو لصالح شخصٍ آخر " وعرفت منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه" كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو لجماعته " كما عرف البنك الدولى الفساد "إساءة فى استعمال الوظيفة العامة لمكاسبٍ خاصة".وهكذا تتفق الهيئات الدولية على أن الفساد فى حقيقته وجوهره سوء استخدام المنصب العام مما يلقى عبئا على عاتق الدول لتلافى ذلك بالاختيار الأمثل للقادة الإداريين فى كافة المناصب .
خامساً: المجتمع الدولى يهتم بمكافحة الفساد ومصر رائدة فى أداء رسالتها بالتعاون مع المجتمع الافريقى :
يقول الدكتور محمد خفاجى استحوذت ظاهرة الفساد الإدارى ومواجهته على اهتمام دول العالم فضلا عن المنظمات والهيئات الدولية والحكومية وغير الحكومية، وشغلت بال هيئة الأمم المتحدة ففى عام 1992 قام المجلس الأوروبى بإنشاء فريق متعدد التخصصات لمواجهة الفساد، وفى عام 1993 أنشئت منظمة الشفافية الدولية، وهى منظمة غير حكومية تعنى بمكافحة الفساد، وفى عام 1996 أقرت الدول المنظمة للإتحاد الأوروبى بروتوكول معالجة الفساد العالمى، وفى عام 1997 صدر إعلان هيئة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والرشوة فى المعام.