استحبَّ الشرع الشريف زيارة القبور ورغَّب إليها؛ لما في زيارتها من تذكر الآخرة، والزهد في الدنيا الفانية، وترقيق القلوب القاسية، والردع عن المعاصي، وتهوين ما قد يلقاه المرء من المصائب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «زُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» رواه الإمامان أحمدُ ومسلمٌ، وأصحابُ السُّنن.
ومن هنا نجد أن سؤالا كثيرا ما يرد على لجان الفتوى والعلماء بالفضائيات وهو: هل يشعر الميت بزيارة أقاربه ؟..فهناك حديث يقول: ما من مسلم يمر بقبر أخيه فسلم عليه إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام"،ولكن علماء الحديث بينهم خلاف فى صحة هذا الحديث وقوته فمنهم من قال بصحته ومنهم من ضعفه.
الأمر خلاف بين العلماء ولكل منهم دليله وأحيانا نجد أن هناك أدلة مشتركة ولكن تتعدد التفسيرات ،توجهنا بالسؤال لعالمين من علماء الأزهر الشريف لنجد اتفاق فى نقاط واختلاف فى نقاط أخرى.
الدكتور محمود مهنى عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ،قال عن أنس بن مالك ، قال : سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل وهو يقول : يا أهل القليب ، يا عتبة بن ربيعة ، وياشيبة بن ربيعة ، ويا أمية بن خلف ، ويا أبا جهل بن هشام ، فعدد من كان منهم في القليب : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا ؟ فقال المسلمون : يا رسول الله ، أتنادي قوما قد جيفوا ؟ قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني .
وتابع :اذا الميت يسمع كلام الحي الذى هو فوق القبر وليست خصوصية للنبى ،فالميت يفرح بزيارة أهله والبقاء بجوار قبره والدليل على ذلك ان عمرو بن العاص قبيل وفاته قال لأهله إذا ما دفنتمونى فاجلسوا حول قبرى مقدار ذبح بقرة وتوزيعها حتى آنس بكم.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار ،إذا هناك احساس بالنعيم وهناك احساس بالعذاب الآليم ،ومن حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ)
ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم «هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر»
والأموات لا يشعرون بالزيارة فقط ولكن يشعرون بفرح أهلهم ويحزنون لمعاصى أهلهم فالميت يفرح فى القبر وسط الأموات إذا فعل ابنه الخيرات وعندما يعرف أن ابنه شرير يخزى ويحزن بين الاموات بل انه ثبت انه لابد من تحسين الأكفان حتى ليفخر الانسان بكفنه لأن الاموات يفتخرون بأكفانهم فى القبر
من جانبه قال الدكتور أحمد كريمة ،استاذ شريعة الاسلامية بجامعة الازهر ،إن شعور الميت بزيارة أهله قضية غيبية والغيبيات قال الله عنها "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا"،فالميت له إدراك معين لا نعلمه ودليل ذلك عن أنس بن مالك ، قال : سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل وهو يقول : يا أهل القليب ، يا عتبة بن ربيعة ، وياشيبة بن ربيعة ، ويا أمية بن خلف ، ويا أبا جهل بن هشام ، فعدد من كان منهم في القليب : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا ؟ فقال المسلمون : يا رسول الله ، أتنادي قوما قد جيفوا ؟ قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني .
وأيضا ، وردت أخبار عند زيارة القبور والقاء السلام فليس من المنطقى أننا سنسلم على الحجارة فنقول السلام عليكم دار قوم مؤمنون انتم السابقون وإننا إن شاء الله بكم للاحقون ،فهذا العالم له قانونه وله ناموسه. وكل ماوصلنا عن هذا العاام أخبار آحاد تفيد الظن ولا تفيد اليقين فالله أعلم بحقيقة الحال ،والعلم بذلك لا ينفع والجهل بها لا يضر فهى مسألة ليست من الثوابت حتى نشغل نفسنا بها.
إلى ذلك قالت دار الافتاء عن بريدة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، وأسأل الله لنا ولكم العافية" [أخرجه مسلم في صحيحه 1 / 669].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا ،فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام » وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛أنه أمر بقتلى بدر، فألقوا في قليب، ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم : «يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًّا، فقال له عمر : يا رسول الله، ما تخاطب من أقوام قد جيفوا، فقال صلى الله عليه وسلم: «والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون جوابًا».
فيستحب للمسلم زيارة القبور والسلام على أهلها. وذلك لأن الميت يعرف المسلم عليه ويرد عليه السلام، قال الإمام النووي : «ويستحب لزائر أن يدنو من قبر المزور بقدر ما كان يدنو من صاحبه لو كان حيًّا وزاره». وقد سئل ابن تيمية رحمه الله عن سماع الميت بعد موته، فقال : «الحمد لله رب العالمين. نعم يسمع الميت في الجملة» وذكر أحاديث كثيرة ثم قال بعد حديث السلام على أهل القبور: «فهذا خطاب لهم، وإنما يخاطب من يسمع. قال ابن القيم : «وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه ، فيقول : (السلام عليكم دار قوم مؤمنين) وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به».
وقال المناوي معلقاً على نحوه : «..وقال الحافظ العراقي : المعرفة ورد السلام فرع الحياة ورد الروح، ولا مانع من خلق هذا الإدراك برد الروح في بعض جسده، وإن لم يكن ذلك في جميعه . وقال بعض الأعاظم : تعلق النفس بالبدن تعلق يشبه العشق الشديد، والحب اللازم، فإذا فارقت النفس البدن فذلك العشق لا يزول إلا بعد حين، فتصير تلك النفس شديدة الميل لذلك البدن؛ ولهذا ينهى عن كسر عظمه ووطء قبره»[فيض القدير، /487/5].
فالموت ليس فناء الإنسان تمامًا، ولا هو إعدام لوجوده الذي أوجده الله له، بل إن الموت حالة من أصعب الحالات التي يمر بها الإنسان؛ حيث تخرج فيها روحه؛ لتعيش في عالم آخر، فخروجها من الجسد الذي كانت بداخله صعب ، فالموت : هو مفارقة الروح للجسد حقيقة، قال الغزالي : «ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها». وبناء على ما سبق فإن الميت يشعر ويستأنس ويفرح بمن يزوره ويرد عليه السلام.