تواصل مصانع الدرفلة ترديد نغمة تعرضها لخسائر كبيرة نتيجة قرار الحكومة الصادر منتصف أبريل 2019 بفرض رسوم قدرها 15 % على البيليت المستورد ، و25 % على حديد التسليح تام الصنع، وكذلك تشير بصفة مستمرة إلى عدم توافر البيليت رغم وجوده فى الموانئ، لكنها ترفض أن تقوم بعملية التخليص الجمركى عليه، للتحايل على قرار الحكومة.
منذ اللحظات الأولى لصدور قرار الحكومة بفرض رسوم حمائية مؤقتة، وفقا ما يتيحه القانون، وما تقره اللوائح لدى منظمة التجارية العالمية، بدأت مصانع الدرفلة ، فى الترويج لتعرضها لخسائر كبيرة جراء هذا القرار، بل هددت بالإغلاق قبل التلويح بورقة رفع الأسعار على المستهلكين، وكذلك أنها لا تجد البيليت رغم تكدسه بالموانئ وترفض المصانع القيام بالتخليص الجمركى .
وتتعمد مصانع الدرفلة محاولة إثارة السوق وتصدير أزمة بأنه ليس لديهم البيليت، رغم أن هذه المصانع أوقفت عمليات تخليص البيليت من الموانئ لافتعال أزمة عدم وجود المادة الخام للتشغيل، والإدعاء أن تلك الأزمة ناتجة عن فرض الرسوم، لكن البيليت متكدس فى الموانئ ورفض أصحاب المصانع التخليص الجمركى له، فى مسعى واضح لتصدير مشهد أنها مهددة بالإغلاق لعدم كفاية الخامات، وعلى الرغم من أن رسوم الوقاية ليست إجراء لحماية أصحاب الصناعة المتكاملة، لكنها وسيلة للعودة بأسعار الواردات لمستواها العادل، بما يعكس التكلفة الحقيقة وذلك طبقا لتعريف منظمة التجارة العالمية.
ومع الهجوم العنيف من المستوردين ومصانع الدرفلة على القرار، يحاول الجميع تصدير صورة بأن القرار سابقة أولى، لكنه متسيق تماما مع منظمة التجارة العالمية، ودول عدة اتخذت إجراءات أشد بكثير من الإجراءات المصرية، حيث قامت الولايات المتحدة بإصدار قرارا شبيها فى مارس 2018 بفرض 25 % رسوما إضافية على وارداتها من الحديد، تبعتها فيه دول الاتحاد الأوروبى سعيا إلى حماية صناعتها المحلية من تدفقات الحديد الصينى والأوكرانى والتركى الضخمة، خاصة مع تزايد مخزون تلك الدول ودخول قطاع الصلب فيها حالة من الركود، دفعها إلى تصريف رواكدها بأسعار غير عادلة، بل ووصل الأمر فى بعض الحالات إلى تقديم حكوماتها دعما ماليا مباشرا للمصنعين والمصدرين، إلى جانب تسهيلات واسعة فى كُلفة النقل ورسوم الشحن والتفريغ وغيرها من الأمور اللوجستية.
وتشير الأرقام الصادرة عن الاتحاد العالمى للصلب، إلى نمو الإنتاج العالمى من الصلب، حيث تنتج الصين قرابة 800 مليون طن سنويا، تصدر منها قرابة 400 مليون طن، وتنتج اليابان قرابة 200 مليون طن تصدر منها حوالى 70 مليونا، وأوكرانيا قرابة 60 مليونا تصدر منها 30، وتركيا 36 مليونا تصدر منها قرابة 20 مليون طن، ومع اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لحماية صناعتها المحلية، وفرض رسوم حمائية بنسب كبيرة مما أغلق السوق العالمى أمام نصف حجم التجارة العالمية فى منتجات الصلب والمقدرة بحوالى 500 مليون طن سنويا، واجه المنتجون العالميون للصلب وعلى رأسهم الصين، أزمة كبيرة لتصريف مخزونهم المصدر، وهو ما جعل المنتجون يخفضون الأسعار بشكل لافت لتصريف هذا المخزون، لأن إعادته للدولة المنتجة مرة أخرى سيكون بخسائر مضاعفة، لذلك قام مستوردون من مصر بإبرام عشرات الصفقات على شحنات وسفن فى عرض البحر، ليحصل عليها بأقل من نصف قيمتها السوقية، ويغرق السوق المحلية بمئات الآلاف من الأطنان بأسعار غير عادلة بالمرة، وضارة بالصناعة الوطنية بشكل فادح.
وتعتبر مصر من أقل الدول فرضا للرسوم الجمركية على واردات الصلب فى العالم، فطبقا للإحصاءات المتاحة من منظمة التجارة العالمية، فإن متوسط الرسوم الجمركية على البيليت فى أهم الدول المنتجة 20.6 % وحديد التسليح 44.3 % بينما فى مصر صفر % على البيليت و 17.4 % رسوم إغراق على واردات حديد التسليح من 3 دول وهى الصين وتركيا وأوكرانيا، وصفر % على باقى دول العالم، وكذلك الحال بالنسبة لمسطحات الصلب المدرفلة على الساخن حيث الرسوم الجمركية فى مصر 5 % بينما المتوسط العالمى 38.1%، وذلك فى الوقت الذى تقترب فيه الحصة السوقية للواردات من 40%، علما بأنه لا يوجد دولة فى العالم، طاقتها الإنتاجية أكثر من مرتين ونصف من حجم السوق المحلى، وتستحوذ الواردات فيها على مثل هذه الحصة الضخمة.
وهو ما جعل سوق الصلب المصرية تقضى سنوات طويلة بدون رقابة أو حماية من الدولة، بسبب كارثة صفر الجمارك على البيليت، مما سمح للمستوردين والسماسرة والمضاربين بإغراق البلاد بملايين الأطنان المستوردة من دول منشأ رخيصة وقليلة الجودة، واستمر هذا الأمر منذ حكومة أحمد نظيف فى العام 2008 والوصول بالرسوم الجمركية والضريبية على واردات البليت وبلاطات الصلب وحديد التسليح إلى صفر بالمائة تقريبًا، وهو ما جعل المصانع ذات الدورة الكاملة تعانى، وتتعرض لخسائر هائلة تهدد آلاف العمال.
وعلى جانب أخر، إذا نظرنا للقيمة المضافة للمصانع المحلية المتكاملة، أكثر من 4 أضعاف القيمة المضافة المحلية لمصانع الدرفلة، فالأخيرة تستود بيليت قيمته تقارب 500 دولار للطن، شامل 50 دولار رسوم الحماية تقريبا، وتنتج حديد قيمته 590 دولار للطن قبل الضريبة ( 10175) جنيها للطن تقريبا، أى أنها لا تضيف محليا أكثر من 15 %، بينما المصانع المتكاملة تستورد خام سعره 210 دولار تقريبا لإنتاج طن حديد التسليح، ويباع بسعر 600 دولار ( 65 إلى 75 % قيمة محلية مضافة)