حين توفى اللواء باقى زكى يوسف يوم 23 يونيو، مثل هذا اليوم، 2018، كانت خمسة وأربعون عاما مضت على انتصار مصر على إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973، وهوالنصر الذى ساهم فيه بفكرته العبقرية لتدمير خط بارليف الحصين على الضفة الشرقية لقناة السويس، وكانت هذه الفكرة هي: «الطفاشة التى فتحت بوابة مصر»، حسب وصف زكى القاضى نقلا عن قادة عسكريين فى حوار أجراه مع اللواء باقى، ومنشور فى «انفراد»، أكتوبر 2016.
كان «خط بارليف» حائط صد منيعا لا توجد قدرة على اختراقه إلا بقنبلة ذرية، وشيدته إسرائيل بعد نكسة 5 يونيو1967 واحتلالها لسيناء، وكان الجنرال «حاييم بارليف» رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلى صاحب فكرته، ولهذا عرف باسمه، وكان الغرض من تشييده هو، منع عبور الجيش المصرى إلى سيناء، وتوهمت إسرائيل أنها بذلك تضمن احتلال سيناء إلى الأبد، غير أن عبقرية العسكرية المصرية أذاقتها المر حين استطاعت أن تهدم هذا الحصن يوم 6 أكتوبر 1973، ليفتح الطريق أمام انتصارات الجيش المصرى فى الحرب، وكان «باقى زكى يوسف» هوكلمة السر فى هدم الخط، فمن يكون هذا البطل؟
هو خريج جامعة عين شمس، هندسة قسم ميكانيكا، عام 1954، ثم التحق بالجيش ضابط مهندس، وتحول للعمل فى السد العالى، وتولى هناك ما يسمى«جراج الشرق».. يؤكد لـ«انفراد»: «بعد نكسة 5 يونيو1967، طلبت القوات المسلحة كل العاملين بالقطاعات المدنية الرجوع للجيش، وتم تعيينى رئيس فرع مركبات الفرقة 19 مشاة، فى نطاق الجيش الثالث الميدانى، وكانت شغلانتى: «راجل بتاع مركبات، أصين العربيات، وألف على سيارات الجيش الثالث».. يتذكر اليوم الذى طرح فيه فكرته حول التعامل مع خط بارليف: «كان ذلك فى مايو1969، حينما جمع قائد الفرقة 19 مشاة، اللواء سعد زغلول عبدالكريم، القادة، وفى الساعة التاسعة مساءً، قال: «قدامنا مهمة لاقتحام خط بارليف»، وبدأ القادة المتخصصون فى الحديث، كل فى تخصصه، وشرحوا طبيعة العدو ومهماته وأفراده، وكنا وقتها جميعا فى رتبة مقدم، ورفعت يدى للحديث.. لخصت كل ما قاله القادة فى الجلسة، وقلت نحن نملك قوى كبيرة، والمياه قوة، ممكن نجيب طلمبات«ماصة كابسة»، تسحب المياه من القناة، وتضخها فى الساتر الترابى، و«الخط» مؤهل لذلك، نظرا لانحداره الشديد، ونضع عددا كبيرا من الطلمبات بطول القناة، ونفتح بها مانريد فى الطول والعرض»..يؤكد: «جاءت فكرة المياه من عملى فى السد العالى، وقلتها حينها دون تحضير أوتجهيز».
يتذكر رد الفعل على الحاضرين: «حينما تحدثت، سكت الجميع، فشعرت بالقلق، فقلت لهم نحن فعلنا ذلك فى السد العالى، فسألنى قائد الفرقة ماذا كنتم تفعلون؟ فرديت عليه، كنا نأخذ المياه من النيل، ونضخها فى الجبال حول السد العالى، وتنزل المياه فى أحواض، ويتم أخذ خلطة المياه من الأحواض لجسم السد، وبعدها تترسب المياه، وتظل الرمال، وذلك استنادا لقانون نيوتن الثانى.. قال أحد القادة، إن الثغرة ستحدث طينا ومياها كثيرة مما يعوق التقدم، فرد قائد الفرقة:«ميهمنيش» أنا وقتها أدخل المجنزرات، وأطقم تهذيب وتمهيد للطرق».. بدأت الأسئلة والرد عليها، مما شجع القائد وطلب قائد الجيش الثالث، وقال له، كنا ندرس مهمة العبور، وهناك ظابط مهندس عرض فكرة ويهمنى تسمعه، رد: «تعالوا الصبح فى المقر».
يؤكد اللواء باقى: «شرحت لقائد الجيش الثالث وقتها فكرتى.. طلب منى إعادة ما قلته، كررته.. طلب اللواء سعد زغلول من قائد الجيش عرض الأمر على هيئة عمليات القوات المسلحة، فاتصل قائد الجيش بهيئة العمليات، فرد عليه اللواء ممدوح جاد تهامى، نائب رئيس الهيئة، وذهبت إليه، وحينما سمع كلامى، خبط على مكتبه، وقال ما أتذكره جيدا:«يابنى هى ماتجيش غير كده»، وظل يرددها، ثم طلب مدير المهندسين العسكريين اللواء جمال محمد على، واستمع إلى ما قلته، وحضر ظابط اسمه شريف مختار، وكان يعمل معى فى السد العالى، فأكد أن هذا هوالحل، قائلا:«أيوة والله، لقد فعلناها فى السد».
يضيف اللواء باقى: «ذهبت لوزارة السد العالى، وطلبت شرائط بناء السد، بحجة أن يراها الضباط، كأنها احتفالات للسد، وأخذتها وأخذت لوح خاصة بالطلمبات والبشابير، وسألت عن فيلم تحويل مجرى المياه، وذهبت إلى قيادة الفرقة، وشرحت للواء سعد زغلول مادار، وجلسنا لمدة ساعتين نشاهد الأفلام التسجيلية، ويسألنى عن كل التفاصيل، وطلب منى تقريرا، لعرضه على الرئيس جمال عبدالناصر، وبعدها بأسبوع عاد وطلب مسودة الفكرة، وحرقها أمامى، وأخبرنى بأن قرار الرئيس جمال عبدالناصر:«تستمر التجارب وتنفذ فى حالة نجاحها»، وكانت أولى التجارب فى يناير 1968 وآخرها فى فبراير 1972».
يؤكد: «لم أنطق بالسر إلا بعد 25 سنة من الحرب، وسعد زغلول طلب منا نسيان كل القصة، والعمل ظل مستمرا، حتى أنى لم أشترك فى التجارب، ولكن كنت أتابعها عن طريق بعض الزملاء».