شهدت الكاتدرائية الجديدة فى العباسية، أول قداس، ووضع رفات القديس «مار مرقس» يوم 26 يونيو، مثل هذا اليوم، 1968، وهو اليوم التالى لافتتاحها بحضور الرئيس جمال عبدالناصر وإمبراطور أثيوبيا «هيلاسلاسى» والبابا كيرلس السادس بابا الكنيسة الأرثوذكسية.. «راجع –ذات يوم 25 يونيو2019».
تذكر «الأهرام» فى عددها «27 يونيو1968»، أن القداس اشترك فيه أساقفة من الكنائس الشرقية الأرثوذكسية، كما حضره الإمبراطور هيلاسلاسى، ووفود من كنائس العالم، وجموع غفيرة من أنباء الشعب امتلأت بهم الكاتدرائية وذلك بخلاف عدة آلاف وقفت خارجها تستمع إلى الصلاة من خلال مكبرات الصوت.
حمل الحدث بهيبته وعظمته أسرارًا يكشف عنها الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «خريف الغضب»، يذكر: «كانت العلاقة بين جمال عبدالناصر وكيرلس السادس علاقات ممتازة، وكان بينهما إعجاب متبادل، وكان معروفًا أن البطريرك يستطيع مقابلة عبدالناصر فى أى وقت يشاء، وكان كيرلس حريصًا على تجنب المشاكل، واستفاد كثيرًا من علاقته الخاصة بعبدالناصر فى حل مشاكل عديدة، وبينها كانت هناك المشكلة الحساسة وهى بناء الكنائس الجديدة..كان بناء الكنائس الجديدة لايزال محكوما بما يسمى بـ«الخط الهمايونى» الصادر عن الباب العالى بتحديد إنشاء دور العبادة لأهل الذمة فى مصر».
كان هذا «الخط» يضع قيودا على بناء الكنائس الجديدة.. وتحدث البطريرك كيرلس السادس مع عبد الناصر حولها، ووفقا لهيكل: «أبدى تفهما، وسأل البطريرك عن عدد الكنائس الجديدة التى يرى من المناسب بناؤها سنويا، وكان رد البطريرك: «ما بين عشرين وثلاثين»، ورد عبدالناصر أنه يوافق على اقتراح البطريرك بأن يكون عدد الكنائس الجديدة سنويا خمسا وعشرين كنيسة، وأن يكون التصريح بها بتوجيه من البطريرك نفسه إلى الجهات الرسمية».
كانت هناك مشكلة أخرى وهى رغبة البابا كيرلس السادس فى بناء كاتدرائية جديدة تليق بمكانة الكنيسة القبطية.. يشرح هيكل طبيعة هذه المشكلة: «لم يكن يريد أن يلجأ إلى موارد من خارج مصر يبنى بها، وفى نفس الوقت فإن موارد التبرعات المحتملة من داخل مصر كانت قليلة لأن القرارات الاشتراكية أثرت على أغنياء الأقباط، كما أثرت على أغنياء المسلمين، ممن كانوا فى العادة قادرين على إعانة الكنيسة بتبرعاتهم، إلى جانب أن المهاجرين الأقباط الجدد لم يكونوا فى موقف يسمح لهم بمد يد المساعدة السخية، ثم أن أوقاف الأديرة القبطية أثرت فيها أيضًا قوانين إلغاء الأوقاف، وهكذا وجد البطريرك نفسه فى مأزق، ولم يشأ أن يفاتح جمال عبد الناصر مباشرة فى المسألة».
دعا البابا كيرلس، هيكل لزيارته.. يتذكر هيكل: «ذهبت فعلا للقائه بصحبة الأنبا صموئيل الذى كان أسقفا بدار البطريركية، وفى هذا اللقاء حدثنى البطريرك عن المشكلة، وأظهر تحرجه من مفاتحة عبد الناصر مباشرة فى الأمر حتى لايكون سببا فى إثارة أية حساسيات، ثم سألنى ما إذا كنت أستطيع مفاتحة الرئيس فى الموضوع دون حرج للبطريرك ولاحرج على الرئيس نفسه، وعندما تحدثت مع الرئيس، كان تفهمه كاملا، كان يرى أهمية وحقوق أقباط مصر فى التركيب الإنسانى والاجتماعى لشعبهما الواحد، ثم إنه كان يدرك المركز الممتاز للكنيسة القبطية ودورها الأساسى فى التاريخ المصرى، ثم إنه كان كذلك واعيا بمحاولات الاستقطاب التى نشط لها مجلس الكنائس العالمى، وهكذا فإنه قرر على الفور أن تساهم الدولة بنصف مليون جنيه، نصفها يدفع نقدا ونصفها الآخر يقدم عينا بواسطة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام التى يمكن أن يعهد إليها بعملية البناء».
يؤكد هيكل: «طلب إلى الرئيس إبلاغ البطريرك بقراره، وكان الرجل شديد السعادة عندما قمت بإبلاغه، إلى درجة أنه طلب إلى اثنين من الأساقفة، أحدهما الأنبا صموئيل، أن يقيما قداس بركات فى بيتى، وكان بالغ الرقة حين قال: «إن بركات الرب تشمل الكل أقباطا ومسلمين، وتم بناء الكاتدرائية».
يكشف الكاتب الصحفى محمود فوزى فى كتابه «البابا كيرلس وعبد الناصر»، أن البابا كيرلس تعود على زيارة عبدالناصر فى منزله، وفى إحداها جاء أولاده يحملون حصالتهم، فقال: «الرئيس للبابا: «أنا علمت أولادى وفهمتهم إن اللى يتبرع لكنيسة زى اللى يتبرع لجامع، والأولاد لما عرفوا أنك بتبنى كاتدرائية صمموا على المساهمة فيها، وقالوا هنحوش قرشين، ولما يجى البابا كيرلس هنقدمهم له، وأرجو ألا تكسفهم وخذ منهم التبرعات»، فأخرج «البابا» منديله ووضعه على حجره، فوضعوا تبرعاتهم ثم لفها وشكرهم وباركهم، وحين عاد البابا كيرلس أعطى المنديل وطلب من حنا يوسف حنا أن يعد ما به».
تذكر جريدة الأهرام فى عددها «20 يونيو2013»، أن لجنة تشكلت لاختيار أفضل مشروعات التصميم، وفاز تصميم الدكتور عوض كامل فهمى عميد كلية الفنون الجميلة، وشقيقه المهندس سليم كامل فهمى، وفى أغسطس 1967 بدأ حفر الأساسات.