واصلت وسائل الإعلام المحلية والعربية حديثها عن الموسيقار الكبير كمال الطويل فى اليوم الثالث لوفاته «11 يوليو - مثل هذا اليوم - 2003»، واحتفظت بما قاله لى من ذكريات فى لقاءاتى به عام 1997.. «راجع، ذات يوم 9 و10 يوليو 2019».
تحدث لى عمن سبقوه وسبقوا جيله: «زكريا أحمد، كان أسطورة، لكنه كان محدودا، كان يلعب فى بعض المقامات الموسيقية لا يتعداها ولا يبتعد عنها، تعنيه الجملة الملحنة، لذلك كانت ألحانه سهلة التناول وصعبة التناول، الجانب الموسيقى فيها يعتمد على الإحساس اللحنى، كأنك تكتب مقالة صحفية فى نقطة معينة.. أما رياض السنباطى، فكان معماريا كما أطلق عليه محمد عبدالوهاب، صاحب الجملة الموسيقية الفخمة العظيمة، ومن يغنيها لابد أن يكون صاحب صوت قادر».. سألته عن محمد القصبجى.. تحسر: «آه.. آه».. ثم أجاب: «هو المجدد الأعظم فى الموسيقى العربية، لا أستطيع أن أقول أنه سيئ الحظ، لكن أرى أن الغيرة الفنية قضت عليه.. القصبجى بكل عظمته كان يمسك العود وراء أم كلثوم، ويعزف ألحان غيره، قلت له مرة: أنت المجدد فى الموسيقى العربية، فهل يعقل أن تكتفى بالجلوس وراء أم كلثوم بتعزف على العود.. يا أستاذ محتاجين تكمل مشوارك؟.. رد: «آه يا كمال.. هعترف لك: كل لحن ألحنه لأم كلثوم يطلع لى فيه عفريت، وتختفى الرغبة، وتمشى القدرة، ويتعطل الإحساس.. مش عارف إيه اللى بيحصلى ده».. كان بيخاف يتقارن بغيره، وتتقارن ألحانه مع ألحان ناس تانية، فيهرب بالجلوس وراء أم كلثوم».
سألته: «أين سيد درويش فى هذا؟.. ضحك: «مش ممكن نتكلم فى تجديد الموسيقى والغناء دون ذكره.. سيد درويش كان استثناء، ثورته الفنية كانت متقدمة جدا، قال للناس: الأغانى طالعة منكم ولازم تغنوها فغنوها، وهو غناها معهم».. يضيف: «أنا طلعت على موسيقى سيد درويش ومحمد عثمان والموشحات، ثم موسيقى عبدالوهاب، السنباطى، القصبجى، زكريا أحمد، أحمد صدقى، محمود الشريف.. جيلى تأثر بكل هذه الأسماء بلا شك، لكن دماغنا كان فيه شىء مختلف.. شىء مناسب للتحولات الجديدة مع ثورة 23 يوليو، بحثنا عن بعض بسبب هذه التحولات، عبدالحليم والموجى وأنا وعلى إسماعيل وأحمد فؤاد حسن وغيرنا، كل واحد فينا كان يحس أن الآخر بيكمله».
يتذكر: «بدأت مع عبدالحليم بقصيدة «لقاء» أشعار صلاح عبدالصبور ولم تنجح.. فى اعتقادى أننى أسأت له بها، لم تكن تناسب بداياته، لكن الدافع الاقتصادى وقتها كان هو المسؤول.. لم نعثر على نص مناسب لتقديم عبدالحليم إلى الجمهور، وكان صلاح بلدياته وطالب فى كلية الآداب، ويتمنى أن يغنى له عبدالحليم نصا، فكانت «لقاء».. أغنية لم تجد القبول، لكن لم تفشل».
يضيف: «بدأ الموجى بـ«صافنى مرة» ونجحت بقوة، واعتزمت تعويض ما حدث فى «لقاء»، فوضعت كل طاقتى ورغبتى فى التجديد فى أغنية «على قد الشوق اللى فى عيونى ياجميل سلم»، كلمات عامية جميلة..عملتها بشكل مختلف، وإيقاع لحنى سريع.. أنا اللى كتبت مطلعها الأول وأكملها محمد على أحمد.. فرقعت.. نجحت جدا.. ومن هنا بدأنا..بدأ الانطلاق.. بدأ الانقلاب، أخرجنا الأغنية بموسيقاها من الحالة التطريبية إلى الجملة التعبيرية، إلى إيقاع سريع يناسب سرعة التحولات..كان عبدالحليم هو صوتنا، وسيلة توصيل جديدنا.. بلغ تألق الحالة درجة جعلت عبدالوهاب، يترقبها كعادته ويتأخر فى الانضمام إليها واستثمار عبدالحليم.. عبدالوهاب هو رجل التجربة الثانية فى كل شىء، لا يكون الزوج الأول لزوجته، ولا الملحن الأول لمطرب، يترك الآخرين للتجريب ثم يدخل هو».
تحضر شخصية الشاعر كامل الشناوى فى رصد الطويل لحالته وحالة جيله.. يتحدث عنه بحنين جارف.. يتذكر تفاصيل عنه اندمجت أنا معها، وهيأت لى أننى فى حضرة «مجلس الشناوى» المفعم بحب الحياة.. قال الطويل: «كامل الشناوى هو الأب الروحى للمواهب الفنية التى ظهرت فى الخمسينيات والستينيات.. كان لديه حاسة غريبة فى اكتشاف المواهب ووضعها على بداية الطريق.. يقدم للجميع التفكير، العطف، الحنان، المعونة.. لا يوجد مبدع شاب ظهر فى هذه المرحلة إلا وكان كامل الشناوى له فضل عليه.. كانت القدرة المالية للشباب محدودة، ورغم ذلك يسهر مع كامل فى أماكن راقية مثل «هيلتون» و«سميرا ميس».. كان يأخذنا إلى بيوت لا نعرف أصحابها لكن هو يدخلها فى أى وقت، أنا كنت أسكن فى الروضة فى شارع الإخشيد قريبا من منزل الكاتب الصحفى مصطفى أمين وفى وسط الشارع كانت تسكن جيهان زوجة السادات..كنت فى البيت أنا وأخى سمير الضابط فى الجيش، ويأتى كامل مع المجموعة، وأدبر لهم اللازم من الضيافة فى حدود إمكانياتى.. الحالة دى بتخلينى أقول وبكل ثقة، أن مصر مش عقيمة فى المواهب.. ممكن نقول إن فيه سنين عجاف، لكن لما مصر تحتاج مواهب معينة بيظهروا على الفور..جيلنا لولا أنه وجد حالة سياسية وظرف وطنى عام اتولد مع ثورة 23 يوليو 1952، ولولا إن كامل الشناوى فهم هذا الظرف فوجد إنه يحتاج إلى مواهب جديدة، لولا ذلك كنا هنبقى زى اللى سبقونا».
انتقل «الطويل» إلى الأغنية الوطنية فى الخمسينيات والستينيات، وكان نجمها فى التلحين، وعبدالحليم فارسها فى الغناء.. فماذا قال؟