تمت خطوبة أم كلثوم والموسيقار محمود الشريف فى فيلا أم كلثوم عام 1946.. كان الحدث كبيرا.. يكشف الشريف أسراره فى مذكراته المجهولة، إعداد الشاعر والكاتب محسن الخياط، ونشرتها مجلة «الشاهد– شهرية– قبرص» من مارس 1989 إلى يوليو 1990.. «راجع–ذات يوم 29 و30 و31 يوليو و1 أغسطس 2019».. وكان يوم 2 أغسطس- مثل هذا اليوم- 1990 هو خامس أيام وفاته.. وبعد 29 عاما من وفاته ونشر مذكراته، نتوقف أمام ماجاء فيها وعلى لسانه ولأول مرة عن أسرار هذه العلاقة.
يتذكر الشريف: «وضعت دبلة الخطبة فى يد أم كلثوم ونقشت على دبلتى «لا إله إلا الله»، وعلى دبلتها «محمد رسول الله»، ورنت أول زغرودة فى الفيلا.. كانت هديتى خاتما ماسيا مطعما بالبلاتين كان فى إصبعى..كانت قد أعجبت به، فأهديته إليها على الرغم من أنه خاتم رجالى.. أما هديتها لى فكانت ساعة والدها الذهبية القديمة وهى ساعة سويسرية لها غطاء من الجلد».. فى اليوم الثانى من الخطوبة انفرد مصطفى أمين بالخبر فى «أخبار اليوم».. كتب: «منذ أسبوعين شعر كل منهما بأنه مصمم على الزواج، فقال لها: ما رأيك؟ فقبلت فى الحال من دون تردد، ولم تستشر أحدا، ولم تقل دعنى أفكر.. وتم عقد القران».
كان الخبر صادما للبعض فى مقدمتهم محمد القصبجى.. يؤكد الشريف: «كان يحب أم كلثوم حبا مكتوما لم يبح به، وبعد إعلان الخطوبة جاء إلى فيلا أم كلثوم، وكنت أقضى معظم أوقاتى معها، يحمل مسدسا مهددا بقتلى إن لم أفسخ الخطوبة.. تقدمت أم كلثوم منه وسحبت المسدس من يده ثم طردته، ومنذ ذلك اليوم، ظل القصبجى عضوا فى فرقتها يمسك بعوده من دون أن تغنى له لحنا واحدا، إلى أن رحل عن عالمنا، إنه أحد ثلاثة صنعت ألحانهم أم كلثوم، زكريا أحمد، رياض السنباطى، محمد القصبجى».
لم يدم الأمر.. حدث الفراق.. يتذكره الشريف: «بعد أن نشرت «أخبار اليوم» الخبر، جاء مصطفى أمين يقول لأم كلثوم إن الملك فاروق غير راضٍ عن تلك الخطوبة.. أجهشت بالبكاء، وبادرت مصطفى أمين بقولى: «دى خطيبتى أمام الله والرسول والناس.. ماله الملك ومالنا؟.. رد قائلا: «أحسن لك تنفيذ الرغبة الملكية.. قلت بتحدٍّ: مفيش حد يقدر يفرق بينى وبين خطيبتى»، يضيف الشريف: «جففت أم كلثوم دموعها، وقالت موجهة كلامها إلى: أمرنا لله يا محمود مفيش نصيب، لازم تنفذ الأمر».. سألها: «ليه ياثومة؟»، أجابت: «أنا خايفة عليك».. سألها: «من إيه؟»..أجابت: أحسن يقتلوك.. سألها: يقتلونى إزاى؟.. أجابت: زى ما قتلوا الضابط بتاع رأس البر».. توجه الشريف بسؤال لمصطفى أمين: «إيه حكاية الضابط ده؟».. رد: «دى حكاية تانية مش موضوعنا دلوقتى».
انتهت القصة، لكن أحزانها لم تنته.. يؤكد الشريف: «التزمت الصمت وكذلك فعلت هى، وحدث الشىء عينه عندما كتبت «أخبار اليوم» أن أم كلثوم فسخت الخطبة عندما علمت أن لى زوجة أخرى لم تكن تعلم عنها شيئا، لم أعلق بكلمة، ولم ترد أم كلثوم على الرغم من علمها بالحقيقة كاملة، آثرت هى أن تحنى رأسها إلى أن تمر العاصفة».. يضيف: «بعد فسخ الخطبة بأشهر أصيبت بجحوظ فى عينيها نتيجة نشاط متزايد فى الغدة الدرقية، وتحكى إحدى صديقاتها الأثيرات سميرة أباظة أن أم كلثوم كانت تتنزه على شاطئ النيل فى الزمالك وكادت تقذف بنفسها فى النيل، لكن قريبتها سنية التى كانت برفقتها هرولت إليها وعادت بها إلى المنزل».
يضيف: «كأن الدنيا انقلبت حين تزوج فنان بفنانة، ولم تنقلب حينما كانوا يساومون من أجل بيع مصر كلها للأجنبى.. استقرت كل تلك الأفكار فى نفسى، وتأكد لى سخف الأغانى التى كانت تردد اسم الملك فاروق بالحب والإجلال والتكريم، بينما الجماهير تهتف بسقوطه فى شوارع القاهرة والإسكندرية، وتكشف لى أن الجماهير كانت فى طريق، والقادة والمغنين كانوا فى طريق آخر بعيد عن الناس وعما يعتمل فى نفوسهم، وقبل قيام ثورة يوليو بسنوات وجدتنى أختار كلمات ذات مغزى خاص لألحنها، رددتها كل جماهير الشعب من الإسكندرية إلى أسوان، وعشقتها كأنها أغنية عاطفية، ولكنها لم تكن كذلك، كانت تعبيرا صادقا عن معاناة الشعب، ومدى صبره على المهازل التى ترتكب باسمه.. كنت أرددها بعشق خاص، وحفرت فى نفسى مجرى معاديا لكل ما هو ملكى، وكل ما يصدر عن القصر.. تقول الأغنية:
يا عطارين دلونى/ الصبر فين أراضيه/ ولو طلبتوا عيونى خدوها بس ألاقيه/.. يؤكد الشريف: «كانت الأغنية تعبيرا صادقا عن نفاد الصبر والتوق إلى التغيير الذى كنا جميعا فى انتظار حدوثه.. وكانت التظاهرات التى ملأت الشوارع طوال السنوات السابقة للثورة تنبئ بشىء ما لابد أن يحدث، وحدث بالفعل فى 23 يوليو 1952».. عاش الشريف مع أحزانه، وانخرط فى تقديم ألحانه الرائعة، وقدم ألحانا وطنية، أشهرها نشيد «الله أكبر» أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956.