بعد ترحيب الرئيس جمال عبدالناصر بالسفير السورى فى القاهرة، المثقف والكاتب والمترجم العربى الكبير سامى الدروبى يوم 14 أغسطس 1970، بدأ الرئيس فى الكشف له عن سبب استدعائه إلى الإسكندرية للقضاء أسبوعا فيها هو وعائلته «راجع، ذات يوم، 14 أغسطس 2019».
يتذكر سامى شرف مدير مكتب عبدالناصر فى الجزء الثالث من مذكراته، أن الدروبى اتصل به مساء 15 أغسطس، مثل هذا اليوم، عام 1970، وقال له: «الرئيس ألقى على ضميرى وعلى عقلى تبعة مسؤولية خطيرة للغاية، أرجو أن أكون موفقا فيما سأقوله وأتناقش فيه معه»، وينقل «شرف» طبيعة هذه «المسؤولية» من واقع ما دار بين الرئيس والدروبى.
قال الرئيس: «يا أخ سامى أنا الحقيقة أحببت أولا أن أرفه عنك من عناء العمل فى حر الصيف بالقاهرة، وثانيا أن نلتقى بعيدا عن الرسميات وعن جو القاهرة والأضواء، وأريد أن أحكى لك أنت بالذات أمورا كثيرة لتكون أحد الشهود على ثورة 23 يوليو 1952.. ولثقتى فيك ثقة لا حدود لها، أنا عايز أقعد معاك جلسة أو اثنين أو أكثر لو اقتضى الأمر لأشرح لك بالتفصيل الكثير من القضايا والأسرار والمواقف العامة والخاصة».
تحدث الرئيس عن الأسرار التى سيكشف عنها، وكانت وفقا لشرف: «ثورة 23 يوليو 1952.. كيف؟ ولماذا؟ وأين نحن الآن؟. وإلى أين؟.. مواقف الناس كلها فردا فردا، مسؤولون وغير مسؤولين.. الخلافات السياسية وأسبابها ونتائجها ما قبل الثورة وما بعدها.. التوازنات والظروف التى فرضت نفسها لاتخاذ قرارات مصيرية وقرارات قد تبدو غريبة، أو غير متوقعة سواء بالنسبة لأحداث أو لأشخاص.. قضية الوحدة «مصر وسوريا 1958» والانفصال «28 سبتمبر 1961»، كيف، ولماذا؟ والمسؤوليات..المؤسسة العسكرية والوضع العسكرى.. العلاقات مع الغرب ومع الشرق.. التنظيم السياسى.. الاتحاد الاشتراكى وكيف سيكون شكل خريطة العمل السياسى فى السنوات الخمس المقبلة حتى سنة 1975، وهل سنفتح العمل السياسى لتكون هناك تعددية سياسية وأحزاب.. مؤامرات حزب البعث المتكرر منذ قيام الوحدة 1958 وحتى الآن.. أربع مؤامرات كبيرة غير النشاط الفردى وغير ما لم يٌكتشف «الانفصال.. ماذا حدث أثناء مباحثات الوحدة الثلاثية..التآمر على ثورة ليبيا «سبتمبر 1969».. كيف يعمل الرئيس وبمن؟.. التصور بالنسبة للنوايا المستقبلية وشكل الحكم.. وأخيرًا تصوره للمعركة العسكرية وبالتالى بعد ذلك المعركة الاقتصادية».
يصف «شرف» رد فعل «الدروبى» بعد أن سمع هذا الكلام: «كنت أجلس على كرسى فى مواجهة الرئيس، وكان الأخ سامى الدروبى يجلس بجوار الرئيس.. وبحكم العادة ركزت على متابعة انفعالات الأخ سامى، وتعبيرات وجهه وهو يستمع – وكان رحمه الله – يحسن الاستماع، مقلا فى كلام لا داعى له، مستطردا ومستفيضا فى الكلام المفيد، مرتب الذهن والتفكير، صافى العقل هادئا، متزنا، رزينا، حالما بعلم، شاعريا».
يضيف«شرف»: «كما رأيت بدأت الانفعالات بابتسامة عريضة لأن الثقة تأكدت من خلال هذه العناوين ورؤوس المواضيع التى طرحها الرئيس جمال.. ثم تدرجت الانفعالات من فرح إلى دهشة إلى ذهول، لدرجة أنى فى لحظة أحسست أنى سأقوم من مكانى لأهزه لكى أطمئن أنه معنا».. يؤكد شرف: «عندما انتهى الرئيس من استعراض العناوين قال: إيه رأيك يا سامى؟.. لم يرد سامى.. ضحك الرئيس وقال له: «أنت نمت ولاسرحت؟».
يؤكد «شرف»، أن الدروبى تنبه وقال برقة متناهية: «عفوا سيدى الرئيس، أنا معك.. معك بقلبى وبروحى وبوجدانى وعقلى وبكل ما أملك.. لكن لا تؤاخذنى سيدى الرئيس.. لكى أكون أمينا وصريحا معك فإن أذناى لا تصدقان ما أسمع.. وهل أنا فى هذه المنزلة والدرجة من الثقة عندك بالدرجة التى تسمح أن أشارك فى هذه الأمور الجسيمة والخطيرة التى نعتبرها ملك عبد الناصر، وعبد الناصر فقط.. الحقيقة سيدى الرئيس أنا على استعداد لأن أقيم أمام باب هذه الاستراحة طوال الفترة التى تراها وترتضيها حتى ننتهى من الاستماع إلى بحث هذه المسائل الحيوية والمصيرية، خصوصا فى هذه الفترة العصيبة التى يمر بها عالمنا العربى».
وفقا لشرف، فإن الرئيس رد على كلام الدروبى قائلا: «لا.. أنا أحببت فقط أن أنقل إليك عناوين رئيسية لكى تفكر فيها لتكون نظرة شاملة حتى تكون المناقشة مثمرة، ولكى لا نحرث فى الماء كما يقولون، ولكى لا نحكى فقط زى ما بتقولوا فى سوريا».. استطرد الرئيس، قائلا: «عايزك تأخذ يومين راحة واستجمام فى هدوء وبعدين أبعت لك سامى شرف يجيبك لنبدأ حديثنا بالتفصيل».
اتصل الرئيس بشرف بعد يومين من مقابلته للدروبى، كان الاتصال فى الصباح الباكر.. يتذكر شرف، سألنى الرئيس: «ازى سامى الدروبى؟.. مستريح فى إقامته ولا لأ؟.. أجابه: «هو مستريح تماما.. لكن قلقل جدا نتيجة تفكيره فيما دار من حديث مع سيادتك..وقال لى مساء أمس «15 أغسطس 1970»: «الرئيس ألقى على ضميرى وعلى عقلى تبعة ومسؤولية خطيرة للغاية، أرجو أن أكون موفقا فيما سأقوله وأتناقش فيه مع الرئيس».
علق الرئيس على كلام شرف.. فماذا قال؟.