لفت نظر الزعيم سعد زغلول مقالا بعنوان «الإمامة الكبرى أو الخلافة»، فانفتحت شهيته للحديث مع سكرتيره محمد إبراهيم الجزيرى حول رأيه فى كتاب الإسلام وأصول الحكم، للشيخ على عبدالرازق الذى أثار أزمة سياسية هائلة.
دار الحوار بين الزعيم وسكرتيره مساء يوم الخميس 20 أغسطس، مثل هذا اليوم-1925، حسبما يؤكد الجزيرى فى مذكراته «سعد زغلول - ذكريات تاريخية طريفة».. جاء الحوار بعد أيام قليلة من حكم هيئة كبار العلماء بالأزهر بطرد «عبد الرازق» من زمرة علماء الأزهر الشريف لإصداره كتاب الإسلام وأصول الحكم، وذلك فى جلسة محاكمة له أمام أعضاء الهيئة برئاسة شيخ الأزهر، قامت فيها باستجوابه ثم أصدرت حكمها فى نهاية الجلسة.. «راجع، ذات يوم، 12 أغسطس 2019».
يذكر «الجزيرى» أنه دخل مكتب الرئيس سعد زغلول بعد أن فرغ من مقابلة زواره، ليقدم له مجلد السنة الثانية من «مجلة القضاء الشرعى» التى يصدرها،فتقبلها سعد وشجعه على الاستمرار فى إصدارها،ووعده أن يدلى برأيه فيها بعد أن يتصفح موضوعاتها، ثم استرعى انتباهه المقال الافتتاحى «الإمامة الكبرى أو الخلافة»، لفضيلة الشيخ عبد الوهاب خلاف «أحد أعلام الفقه»، وأستاذ الشريعة فى كلية الحقوق، وعضو مجمع اللغة العربية».
سأل سعد سكرتيره: «أو تكتبون أيضا عن الخلافة؟، فأجابه: «نعم والمجلة تعالج موضوع الخلافة منذ إلغاء الأتراك لها»، وسأل سعد: «وما رأى محرر المجلة «سكرتيره».. رد الجزيرى: «إنه يلتقى مع الشيخ على عبد الرازق فى بعض النقاط، ويظهر أن ذلك كان سببا فى أن كبيرا من رجال السراى استدعى إليه الأستاذ الشيخ خلاف، ونصحه أن يكف عن الكتابة فى هذا الموضوع، وأفضى فضيلته إلى بذلك طالبا استرداد موضوعه التالى من المطبعة، ففعلت».
يؤكد «الجزيرى»، أنه سأل سعد: «ما رأيكم فى الكتاب»، ويصف طريقة استعداده للإجابة: «استعد دولته كما يستعد المحاضر لإلقاء محاضرة، أو الخطيب لإلقاء خطبة، ثم قال: «قرأته بإمعان، لأعرف مبلغ الحملات عليه من الخطأ والصواب، فعجبت أولا كيف يكتب عالم دينى بهذا الأسلوب فى مثل هذا الموضوع؟، قرأت كثيرا للمستشرقين ولسواهم، فما وجدت ممن طعن منهم فى الإسلام حدة كهذه الحدة فى التعبير، على نحو ما كتب الشيخ على عبد الرازق، لقد عرفت أنه جاهل بقواعد دينه، بل البسيط من نظرياته، وإلا فكيف يدعى أن الإسلام ليس مدنيا، ولا هو بنظام يصلح للحكم، فإنه ناحية مدنية من نواحى الحياة لم ينص عليها الإسلام؟ هل البيع أو الإجارة أو الهبة، أو أى نوع آخر من المعاملات؟ ألم يدرس شيئا من هذا فى الأزهر؟ أولم يقرأ أن مما كثيرة حكمت بقواعد الإسلام فقط عهودا طويلة كانت أنضر العصور؟ وأن أمما لا تزال تحكم بهذه القواعد، وهى آمنة مطمئنة؟ فكيف لا يكون الإسلام مدنيا ودين حكم، وأعجب من هذا ما ذكره فى كتابه عن الزكاة، فأين كان هذا الشيخ من الدراسة الدينية الأزهرية؟
يضيف «الجزيرى»، أن سعد أبدى تعجبه من أن جريدة السياسة «لسان حزب الأحرار الدستوريين، ورئيس تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل باشا، تقوم بمساندة الشيخ على عبد الرازق، وعبر سعد عن ذلك بقوله: «لا أفهم معنى للحملة المتحيزة التى تثيرها جريدة»، السياسة «حول هذا الموضوع، وما قرار هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ على من زمرتهم إلا قرار صحيح لا عيب فيه، لأن لهم حقا صريحا بمقتضى القانون، أو بمقتضى المنطق والعقل، أن يخرجوا من يخرج على أنظمتهم من حظيرتهم، فذلك أمر لا علاقة له مطلقا بحرية الرأى التى تعنيها «السياسة».
يذكر الجزيرى أنه قال لسعد: «لعل ما يغيظ السياسة»هو أن العلماء لم يندفعوا من تلقاء أنفسهم إلى هذه المحاكمة، وإنما كانوا مسوقين، على رأيها، بجهة يهمها تأييد مركز الخلافة فاستعانت بنفوذ العلماء..رد سعد: «أعرف ذلك، ولكن مهما كان الباعث فإن العلماء فعلوا ما هو واجب وحق،وما لا يجوز أن نوجه إليهم أدنى ملامة فيه، والذى يؤلمنى حقا أن كثيرا من الشبان الذين لم تقو مداركهم فى العلم القومى، والذين تحملهم ثقافتهم الغربية على الإعجاب بكل جديد، سيتحيرون لمثل هذه الأفكار، خطأ كانت أو صوابا دون تمحيص ولا درس، ويجدون تشجيعا على هذا التحيز فيما تكتبه جريدة «السياسة»، وأمثالها من الثناء العظيم على الشيخ على عبد الرازق، ومن تسميتها له بالعالم المدقق، والمصلح الإسلامى، والأستاذ الكبير..الخ.
اختتم سعد كلامه المثير لسكرتيره قائلا: «كم وددت أن يفرق المدافعون عن الشيخ بين حرية الرأى وبين قواعد الإسلام الراسخة التى تصدى كتابه لهدمها».