تواجه فكرة عمل المرأة كـ"مأذونة"، العديد من الصعوبات والاعتراضات فى مجتمعنا، على خلفية أن تلك المهنة هى للرجال فقط، ولكن كان للسيدات رأى آخر، وهو أن تلك المهنة يستطعن أن يؤدينها مثل الرجال، وفى السطور التالية سنتعرف على قصة "سالى محمد سراج"، أول مأذونة بمحافظة الدقهلية فى قرية ريفية صغيرة والتى تصدت لتشكيك المتشددين فى صحة الزواج على يد امرأة، وتبلغ "سالى" من العمر 34 عاما، من مواليد قرية كفر الشيخ عطية التابعة لمركز شربين، وتخرجت فى كلية الحقوق عام 2006م.
أول مأذونة بالدقهلية:"قدمت أوراقى للترشح للمأذونية فى آخر يوم للتقديم"
قالت سالى محمد سراج لـ"انفراد": (أنا أول مأذونة فى محافظة الدقهلية وأعمل فى المأذونية منذ 6 سنوات، ولم يكن فى بالى إطلاقا العمل كمأذونة، لكن إرادة الله والنصيب هى التى وضعتنى فى هذا المكان لأداء هذه المهمة، فقد شجعنى الكثير بعد وفاة مأذون المنطقة للتقديم؛ فقمت بالتقديم فى آخر يوم قبل إغلاق باب الترشيح مباشرة فى محكمة شربين فى عام 2009، وكان عمرى حينها 25 عاما، وظهرت النتيجة بعدها بثلاث سنوات، وتسلمت مهام عملى فى 30 يونيو 2013، وأنا فى سن 29 عاما).
أول مأذونة بالدقهلية: قاضى محكمة الأسرة يقيم المرشحين فى جلسات
وأوضحت "سالى"، أن التقييم يتم من قبل القاضى رئيس محكمة الأسرة من خلال جلسات تقام فى ساحة المحكمة؛ لتحديد الشخص الأفضل للقيام بمهام المأذونية، حيث يقف كل منا أمام القاضى ويطلع على أوراقه، وفى حال تساوى التقييم تكون الأولوية للأعلى علميا سواء بالدكتوراه أو الماجستير أو الدبلومات، وفى حال التساوى فى المؤهل، يرجع الأمر لوجهة نظر القاضى ورؤيته للشخص الأصلح، ويخضع الشخص الذى وقع عليه الاختيار لبحث وتحريات من قبل عدة جهات ويخضع الأمر أولا وأخيرا لإرادة الله سبحانه وتعالى.
وتابعت "سالى": (لا توجد فترة محددة للاختيار بعد الترشيح فمن الوارد أن يستهلك الأمر سنوات، فالأمر خاضع لتفاصيل ومعايير تقييم كثيرة، فلنفرض مثلا أن معظم المتقدمين لهم ميول تطرف أو انتماءات لجماعات محظورة، أو لديهم أمراض، أو لا يصلحون، فيعاد فتح باب الترشيح من جديد لاختيار المأذون المناسب).
وأشارت "سالى"، إلى أن بعض القضاة يضعون امتحانات لتقييم المرشحين، وبعضهم يعتمد على التقييم الشخصى بناء على معلومات الملف المقدم، ويمكن بعد مرور الشخص بكل المراحل ونجاحه فيه يتعرض للرفض من قبل وزارة العدل لأى سبب من الأسباب.
أول مأذونة بالدقهلية: واجهت صعوبات مع المتشددين دينيا فى البداية
وأكدت أول مأذونة بالدقهلية: (تعمدت فى البداية أداء مهمة المأذونية فى ملابس غير لافتة للنظر، فكنت أرتدى عباءة وطرحة سوداء، حتى لا يحكم علىّ الناس من مظهرى، بل من طريقة أدائى لعملى، وواجهت بعض الصعوبات فى بداية المشوار من قبل المتشددين والمتعصبين دينيا؛ لأنهم لم يتقبلوا الأمر، وكانت اعتراضاتهم تصلنى على ألسنتهم، إزاى بنت هى اللى تكتب الكتاب، ده حرام، وكتب الكتاب كده هيكون باطل).
سالى: أثبت نفسى فى أول كتب كتاب
وأوضحت "سالى": (حينما استلمت مهام العمل قبل شهر رمضان، ورمضان ليس موسما للزواج؛ لذا كان أول قران لعروس تسكن فى قرية مجاورة لنا فى العيد، وظن الناس أننى سأكتب الكتاب بشكل وظيفى فقط دون إلقاء خطبة، أو أننى سأقرأ من ورقة تم تحضيرها مسبقا، لكنهم فوجئوا بخطبة متميزة، وبدأوا فى مدح طريقة عملى وأدائى للمهمة، وهذا المدح والتشجيع كان يدفعنى لأن أكون أفضل بعد أن أثبت نفسى، أما الأشخاص الذين كانوا يرفضون كونى بنتا كنت أتقبلهم، ولا أتضايق منهم، وأضع فى اعتبارى أن فكرة المأذونة كبنت أو سيدة جديدة على المجتمع المصرى عموما، والريفى خصوصا).
وتكمل "سالى" حديثها كنت ألاحظ صدمة على وجوه الأهالى فى بعض المرات حينما أدخل أحد البيوت ويجدوننى صغيرة فى السن، لكن بعد أن أنهى عملى وألقى خطبتى أرى الوجوه وقد تبدلت 360 درجة ويبدأ المديح والإطراء، وفى بعض البيوت كانوا ينتظرون لحظة البصمة ليروا إن كنت سأمسك بيد العريس أم لا، وأنا لا أحتاج للامساك بيد العريس فى البصمة، وهم يفضلون أن أمسك أنا بيد العروس، أيضا فى حالات الطلاق تستطيع المرأة الحديث معى بأريحية فى أشياء كثيرة لا تستطيع الحديث فيها مع الرجل).
أول مأذونة بالدقهلية:أرفض كتب الكتاب فى المسجد لأنه دار عبادة وليس دارا للمناسبات
وتضيف المأذونة: (حاول البعض وضع العقدة لى فى المنشار بطلب كتب الكتاب فى المسجد، وأنا أرفض كتب الكتاب فى المسجد؛ لأننى أرى أن المسجد دار عبادة وصلاة، وليس دارا للمناسبات، وسبب الرفض ليس لعذر شرعى كما يدعى البعض، لكننى تغلبت على كل هذه العقبات وتمكنت من إقناع الجميع، ففى إحدى المرات جاءنى شخص من خارج القرية يريد أن يكتب كتابه على عروسه التى تقع فى دائرة مأذونيتى، وتحدث معى بصوت عال وأسلوب غير لائق حتى أن أحد الجيران سمع صوته وجاء ليتدخل، لكننى أشرت له بعدم التدخل، وخرج الرجل وعاد بعد ساعة يعتذر لى عن أسلوبه الفظ معى فى التعامل، وأثناء كتب الكتاب وجدته وقد أتى بشخص يلقى خطبة كتب الكتاب؛ اعتقادا منه بأننى لن ألقى خطبة، فتركته يلقى خطبته التى كان يقرأها من ورقة، حتى انتهى تماما، وأنهيت أنا كتب الكتاب والإشهار، وبدأت أنا بعدها فى إلقاء خطبتى حتى لا أحرج الرجل، فانبهر الحضور بمحتوى الخطبة وطريقة إلقائها وخرج العريس خلفى واعتذر لى للمرة الثانية على ما بدر منه).
أول مأذونة بالدقهلية:"المأذونية ليس لها مواعيد عمل"
وأضافت "سالى" أن كل عمل فى الدنيا وله مصاعبه ومتاعبه، وقالت: (أنا كمأذونة لا أستطيع أن أمنع أى شخص من أن يطرق بابى فى أى وقت لحل مشكلة بين زوج زوجة يصران على الطلاق فى الحال، فحدث معى ذات مرة أن وجدت على هاتفى 40 اتصالا لسيدة تشاجرت مع زوجها، وطلبتنى كل هذا العدد من المرات لأنها مصرة على إتمام الطلاق فى الساعة 6 صباحا، ولم أذهب لإتمام الطلاق لأننى أعرف طبعها منذ زمن، فمن طبيعتها أن تطلب الطلاق وتلح عليه مع كل مشكلة؛ لذا أقوم بالتسويف وتهدأتها بالكلام، حتى تنسى غضبها وتعود المياه لمجاريها).
وأشارت أول مأذونة بالدقهلية، إلى أن الناس تتعامل مع المأذون على أساس أنه شخص تحت الطلب فى أى وقت، وبمجرد الاتصال يجب عليه الرد، وبمجرد طرق الباب يجده، فى الوقت الذى يناسبهم هم بصرف النظر عن ظروفه وطبيعة حياته، لافتة إلى الإرهاق فى جلسات الإصلاح بين الأزواج لأنها تأخذ وقت طويل ومجهود عصبى كبير، وقالت: (أنا لا أشعر بالتعب طالما أن الزوجين تصالحا، لكن فى حال الإصرار على الطلاق بعد كل هذا المجهود أشعر بالإحباط والزعل على إضاعة كل هذا الوقت، لكننى أصبر بأننى أرضيت ضميرى وفعلت كل الواجب علي).
وأكدت "سالى"، أن أسباب الطلاق فى السنوات الأخيرة معظمها تافهه، ورغم تفاهتها تتطور إلى مشكلات كبيرة وأحيانا جرائم مثل ما حدث مع زوج منذ سنوات فى قرية بجوار قريتهم تسمى "الأحمدية" حيث قام بوضع زوجته ووالدها وأختها وسكب الجاز وأشعل فيهم النار.
سالى محمد: "سترة البنت فى تعليمها وأخلاقها"
وشرحت "سالى" وجهة نظرها فى الزواج والطلاق قائلة: (أنا دائما أدعو لأن سترة البنت ليست فى زواجها وإنما فى تعليمها، وتربيتها على الدين والأخلاق الحسنة، وأشدد دائما على ضرورة حسن اختيار الزوج أو الزوجة، لأن سوء الاختيار يفضى إلى كل المشكلات فيما بعد، و70% من حالات الطلاق سببها سوء الاختيار للأسف، وهذا هو السبب خلف عدم زواجى حتى الآن؛ لأننى مؤمنة أن تحرى الدقة فى الاختيار المناسب للزوج من أهم العناصر فى الأخذ بالأسباب لإنجاح الزواج، والحياة لا تتوقف على زوج لدينا فى الحياة أشياء كثيرة نستمتع بها حتى يأذن الله بالزوج المناسب ولا داعى للاستسلام لأفكار المجتمع فى ضرورة الزواج المبكر قبل أن يفوت القطار كما يدعون، فكثيرا ما أسمع تعليقات مثل: "إزاى تكتبى كتاب الناس كلها، وما تتجوزيش، كل زمايلك اتجوزوا، الفرص بتقل كل ما السن بيكبر وهكذا).
أطرف موقف فى كتب الكتاب
وتحكى "سالى" لـ"انفراد" عن أطرف موقف حدث معها فى كتب كتاب حينما كانت تملى على العريس العهد ليردد وراءها: (وأشهد الله والحاضرين جميعا على أن أعاملها بما يرضى الله ورسوله)، فإذا به يقول: (وأشهد الله والحاضرين جميعا على أن أعاملها بما يغضب الله ورسوله)؛ فانفجر الجلوس جميعا فى الضحك، وانقلب الحدث لنكتة بسبب توتر العريس الشديد حينها وعدم تركيزه فيما يقول.
أطرف موقف فى طلاق
وتتحدث المأذونة عن أطرف موقف حدث معها فى طلاق حينما حضرت جلسة عرفية لمحاولة الإصلاح قبل اتخاذ إجراء الطلاق قائلة: (أثناء الحديث، قال أخو الزوجة لها: "هو إنتى ما حدش مالى عينك؟"، فردت عليه رد مستفز قائلة: "لأ ما حدش مالى عيني"؛ فاحمرت عينا الأخ من الغضب وتوجه إليها منفعلا ليضربها، فحاولت أنا حمايتها بإحدى ذراعي، فإذا بى أجد نفسى وقد طرت على كنبة أخرى تماما، وبعد أن هدأت الأجواء وبدأنا فى إجراءات الطلاق قال أحد الحضور: "الأستاذة سالى أخدت لكشة متينة"، فضحك الحاضرين جميعا فى موقف لا يجوز معه الضحك، لأنه موقف طلاق وخراب بيوت.. فشر البلية ما يضحك).