لعنة السماعة.. ضحايا الكول سنتر بشركات "الأوت سورس" يروون مآسيهم مع مهنة "اعمل ريستارت".. المهام الوظيفية تشمل الرد على 40 مكالمة فى الساعة وتحمل الضغوط.. أمراض الأذن ضريبة متكررة.. وأحدهم: "احنا فى و

من بين مجموعة الوظائف الشاغرة التى حصل "ياسر نبيل" على إعلاناتها عقب تخرجه من كلية التجارة بأسبوعين، لم يجد فرصة تزداد احتمالية القبول بها أكثر من وظيفة "كول سنتر" التى تمتلئ مواقع التوظيف بإعلاناتها طوال الوقت. لا نحتاج خبرة، مرتبات من أول شهر، تدريب، كل تلك المميزات حسمت الاختيارات -المحدودة أصلا- لدى "ياسر"، لكنه لم يكن يعلم –حسب ما حكى- أنه مقبل على وظيفة ستقتل فى حياته كل أشكال الآدمية – كما يقول- وستجعله يكره اليوم الذى فكر فيه أن يلتحق بها. حكاية ياسر هى واحدة ضمن حكايات كثيرة للعالمين فى مجال خدمة العملاء "كول سنتر"، والتى تعتبر الوظيفة الأشهر والأسهل والأكثر إتاحة لكل الخريجين الشباب فى مصر، ورغم أنه لا توجد إحصاءات رسمية حول أعداد الملتحقين بها، إلا أن آراء وتقارير الخبراء تشير إلى أنها أكثر وظيفة تتصف بالحيوية والتغير الدائم، وأنها تستقبل الأعداد الأكبر من الخريجين سنويا. "كول سنتر" مهنة الظالم والمظلوم التجارب والصور الذهنية لدى الكثيرين يجعلهم حين تحدثهم عن موظف "كول سنتر" يكيلون لهم الاتهامات ويصفونهم بأوصاف ترتبط جميعها بتجاربهم السيئة مع خدمات العملاء فى مصر، وليس أدل من ذلك أنهم أصبحوا –من قبيل السخرية- ينصحون كل من يأخذ رأيهم فى مشكلة بالنصيحة الشهيرة لموظفى خدمة العملاء "رستر الجهاز يافندم". لكن الوجه الآخر لتلك المهنة والعاملين بها يكشف معاناة كبيرة لا يعلمها الكثيرون، إلا من مروا عليها، وقد تكتشف فى السطور التالية، وفى حكايات من عملوا بها أن من تعتبرهم "ظالمون" فى مكالمتك معهم لطلب خدمة أو تقديم شكوى، هم على الناحية الأخرى مظلومون، وأن كلمة "تحت أمرك يا فندم" التى تسمعها ولا تهتم بها، تحمل ورائها قصة طويلة من المعاناة والمشقة التى يخفيها صاحبها خلف ابتسامة ونبرة صوت تدعى الهدوء والمودة، وهى فى حقيقتها تخفى كثير من الألم والتحمل والصبر. الفرق بين موظف خدمة العملاء "الرسمى" و"التعهيد" هناك أمر مهم يجب توضيحه قبل الحكايات، وهو أن هناك نوعان من موظفى "كول سنتر"، الأول فى غالبية حالاته لا يعانى، هادىء، مستقر، وهو موظف خدمة العملاء الذى يتم تعيينه داخل الشركة نفسها كموظف بها، أما النوع الثانى فهو موظف خدمة العملاء فى المكاتب والشركات التى انتشرت فى السوق المصرى مؤخرا وتسمى "out sourcing" أو "شركات التعهيد"، والتى تطلب موظفين خدمة عملاء وتقوم بتشغيلهم لصالح شركة كبيرة من الباطن دون عقود مباشرة مع الشركة الكبرى، وهى الطريقة الأكثر انتشارا وعددا وأزمات فى مجال خدمة العملاء. ياسر.. كيف ترد على 50 مكالمة بالساعة "بنفس الابتسامة" ياسر الذى يبلغ من العمر 24 عاما، وكانت أولى تجاربه فى سوق العمل هو وظيفة كول سنتر فى إحدى شركات "الأوت سورس" يحكى أن ما كان يتخيله عن عالم "السماعة" يختلف تماما من زاوية الموظف عما كان يراه من زاوية العميل، مضيفا أن ما يتم ترويجه فى الإعلانات عن شكل ومظهر موظفى خدمة العملاء، يختلف تماما عن الواقع، خاصة موظفو خدمة عملاء شركات "الأوت سورس". ويحكى "ياسر": "أول ما صدمنى بعد تدريب لمدة شهر فى الشركة أن الراتب الذى تحدد لى كان 2500 جنيه، مقابل العمل لمدة 6 أيام فى الأسبوع، والإجازة يوم واحد وليس يومين، وعدد ساعات العمل 9 ساعات، ويوجد ساعة راحة، لكنها ليست من بين الـ9 ساعات، وأنى مضطر للتبديل أسبوعيا بين كل الشيفتات، فتجدنى هذا الأسبوع أعمال من 9 صباحا حتى 7 مساءا، والأسبوع الذى يليه أعمل من 1 صباحا حتى 10 صباحا، وعليك أن تتخيل ما أعانيه بسبب ذلك، وما اتعرض له من اضطرابات فى الساعة البيولوجية". مجدى.. موظف خدمة العملاء يتحمل أخطاء وفشل كافة الإدارات ويضيف "مجدى راضى"، شاب يعمل فى شركة مختلفة لتوظيف خدمة العملاء، أن هناك شروط وضوابط قاتلة فى تلك المهنة: "هل تتخيل أنك لو رددت على أقل من 30 عميل فى الساعة تتعرض للخصم، وأنه عليك الرد على 40 عميل أو أكثر فى ساعة واحدة لكى تحصل على امتيازاتك، التى هى فى الأساس حقك الطبيعى". متابعا: "لن يستطيع أحد ان يتخيل حجم المعاناة وأنت ترتدى سماعة الأذن على مدار 9 ساعات متواصلة، وترد على أكثر من 200 عميل، بمشاكل وطلبات وثقافات مختلفة، وليس أمامك إلا أن تعاملهم جميعا بنفس القدر من الترحيب والمودة والاحتواء، مهما كانت طريقتهم، التى عادة لا نكون لنا ذنب فيها، لأننا مجرد ممثل للخدمة، ولسنا أصحابها الحقيقيون، لأن هناك موظفون غيرنا قائمون على الخدمة، نحن فقط نمثلهم، لكننا فى النهاية نتحمل فشل الجميع". ولاء.. خدمة العملاء للفتيات "تحرش وبذاءة ومرض" جانب آخر من الراوية تضيفه ولاء السيد، الفتاة التى تخيلت أن وظيفة خدمة العملاء هو الأكثر أمانا لفتاة تبدأ مشوارها المهنى، لكنها تقول فى روايتها لـ"انفراد": "لم أكن أتخيل أبدا أننى سأتعرض لكل هذه البذاءات والمعاكسات والتحرش من خلال سماعة تليفون أؤدى من خلالها عملى ووظيفتى، والأغرب من ذلك أننى لا استطيع أن أرد أو أواجه ما اتعرض له إلا بكلمات مثل، استاذنك نرجع لموضوعنا يافندم، أو، حضرتك خرجت بره الموضوع، وأقصى حاجة أعملها إنى أنهى المكالمة وبعد ما استأذنه كمان". وتستكمل ولاء معاناتها: "الشغلانة غير آدمية، والأمراض اللى جاتلى بسببها كتير، ألم فى الظهر والرقبة والأذن، غير الضغط العصبى، وإحساسك إنك طول الوقت ممكن تترفد لأن 3 أخطاء فى الشهر كفيلة تنهى علاقتك بالعمل، وللأسف هى الشغلانة الوحيدة اللى مش بتطلب خبرة، وهتدفعلى مرتب بمجرد ما اشتغل، رغم إنه مرتب زهيد ولا يمثل حجم المجهود، غير إن خدمة العملاء اللى زينا بالظبظ ومعينين بالشركة الرئيسية صاحبة الخدمة بياخدوا أضعاف رواتبنا، ولا يتعرض لضغط الشغل الذى نتعرض له". أمراض ومشاكل صحية يتعرض لها موظف خدمة العملاء تشير التقارير الطبية فى كثير من المجلات العملية، إلى أن وظيفة خدمة العملاء واحدة من الوظائف التى تتسبب لأصحابها بأمراض متشابهة نتيجة عملهم بها، وبالكشف المتكرر على العديد من موظفى "الكول سنتر" خدمة العملاء، ووجد الباحثين أن هذه الحالات تحدث لها مشكلات فى الأذن والحنجرة مثل انسداد القناة الخارجية للأذن وبحة الصوت، لأن الاستماع المستمر لسماعات الأذن التى يستخدمها موظف "الكول سنتر تسبب تراكم لشمع الأذن بالقناة الخارجية، مما يؤدى إلى انسدادها ويؤثر على حدة السمع". كما يصاب عادة موظفو "خدمة العملاء" ببحة الصوت وذلك بسبب التحدث لفترات طويلة دون راحة، مما يؤدى إلى احتقان أو التهاب بالأحبال الصوتية، ويحتاج كل ذلك اللجوء للطبيب للتعرف على العلاج المناسب لكل حالة". كما أن موظفى "الكول سنتر" أكثر عرضة لمشاكل فقرات الرقبة وخشونة فى فقرات الظهر بسبب الجلوس فترات طويلة بشكل خاطئ وهو ما يؤثر على الشرايين المغذية للمخ ،وبسبب وضع السماعة فى يد الموظف فترات طويل قد يسبب خشونة فى أعصاب الأطراف. خبير إدارة: خدمة العملاء فى مصر "بلا ضابط أو رابط" يشرح الدكتور محمد باغة أستاذ علم الإدارة بجامعة قناة السويس، أن وظيفة خدمة العملاء فى مصر لها طريقين، الأول هو أن تكون داخل الشركة مقدمة الخدمة نفسها، وتعمل بالتعاقد معها، وتستفيد من كل امتيازاتها، أو أن تعمل لدى شركات تسمى "التعهيد" أو "أوت سورس"، وهى شركات يتم اللجوء إليها من مقدمى الخدمات الكبار لتوظيف عدد من خدمة العملاء، دون أن يكون على الشركة الأصلية أية التزامات تجاههم، مما يجعل وضع هؤلاء الموظفين فى غاية السوء. وأضاف فى تصريحات لـ"انفراد"، أن عدم رضا الجميع عن خدمة العملاء فى مصر، سببه يقع فى المقام الأول ان الشركات نفسها سيئة الخدمات، ولا تختار الموظف الذى يستطيع تمثيلها، ولا تدرب كوادرها، ولا تتبع الأساليب الصحيحة فى الإدارة أو اختيار الموظفين، بل تحرمهم من حقوقهم وبالتالى تختفى رغبة الموظف فى العمل بشكل جيد أو تقديم خدمة جيدة للعملاء. وأشار إلى أن وضع شركات توظيف خدمة العملاء فى مصر غير صحيح ويحتاج لكثير من الرقابة والمتابعة، حتى يتم تصحيح الأوضاع بداخلها، ويتم تهيئة بيئة العمل للموظفين بشكل جيد.








الاكثر مشاهده

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

;