من المؤكد أن الحديث المستمر من القيادة السياسية عن شكل الشخصية المصرية، وماطرأ عليها خلال السنوات الماضية، يفتح الكثير من الأبواب، نحو مسار تغافلنا عنه فى الحل طوال عشرات السنوات، ولو وضعنا أيدينا على أصل الداء فى مصر، لاستطعنا معرفة كافة المشاكل وحلولها، ويقينا أن الأصل فى كل مانراه ونتفاعل معه نابعا من خلل رئيسى فى "تركيبة الشخصية المصرية"، فتلك الشخصية تم التلاعب في مكوناتها على مدار أربعين سنة مضت، فصارت آليات توجيهها ومصادر مزاجها العام، خارج سيطرة مؤسسات الدولة، التى ترعى القيم ومعايير الانضباط، بمعنى أن الدين الذى يخرج عن المؤسسات الدينية الوسطية، لم يعد هو الدين الذى يستهوى المواطنين، بل صار هناك ميلا نحو التطرف، حتى لو كان هذا فى بدايات التطرف، على سبيل المثال، الانجراف نحو التيارات السلفية، سواء كانت تلك التيارات مسلمة أو مسيحية.
أيضا اللعب فى تركيبة الشخصية المصرية، اعتمد على صناعة مساحة الشك الهدام، الذى نتج عنه انعدام الثقة فى أجهزة الدولة ومؤسساتها، فأصبحت آليات التعاطى مع مناهج الدولة وطرحها، آليات تتسم بالبلادة فى الاستقبال، أى أن كل مايقوله رجال الدولة، لابد وأن يكون للتخديم على مصالح أفراد النظام، مع أن الحقيقة تؤكد أن هناك دائما مساع حميدة للتطوير والتحديث، لذلك تم الدفع الممنهج نحو الصياغة الخبيثة لفكرة المعارضة.
من بين تلك المعايير التى تم التلاعب بها فى صناعة الشخصية المصرية على مدار أربعين عاما تقريبا، هو خلق مساحات من التاريخ الموازى، وهو منهج علمى واضح، يتم فيه صناعة أشخاص بعينهم ودعمهم لتصدر المشهد، لاستغلال ذلك فى تمرير قضايا تخدم على مصالح أطراف دولية، وهو ماتم تجسيده فى فكرة أيقونات الثورة، ومايجوز عليه إطلاق مصطلح "اتحاد ملاك الثورة"، وهم أشخاص صنعوا على منهجية واضحة ومحددة، حتى أن أحد أشهر فيديوهات 2011، كان أحد الأشخاص يقول نصا أمام حشد من الجمهور :" لابد من هدم الجيش"، وكان ذلك هدف واضح، ردده محمد البرادعى، حينما حاول تمريره فى 2011، حينما تعرض لحجم الجيش المصرى، فقال فى تصريحات له، بأنه يجب الاعتماد على جيش صغير مدرب، فكان تمرير كلمة التدريب للتغطية على مايريده فى تخفيض أعداد الجيش المصرى.
ومن الصياغات الخبيثة أيضا التى تم اللعب فيها فى تركيبة الشعب المصرى خلال السنوات الماضية، هو "الاكليشهات"، فتلك الاكليشهات تأخذ سمة واضحة، تتمثل فى مهاجمة الدولة ورجالها ومؤسساتها، والعمل على التسفيه من المشروعات والقضايا الكبرى، ووضع "تنظيرات" تعتمد على فلسفة هدامة، لتصدر الباطل على كل شيئ آخر.
إذا جرى اللعب فى تركيبة الشخصية المصرية، وهو ما يتضح جليا فى كيفية التعامل مع آليات ومعطيات العهد الحالى، حيث يذهب الكثيرون للتعامل بنفس آليات العصر السابق، مع أن المؤكد أن الدولة برجالها لديهم من الدلائل والقرائن ما يؤكد أن هناك اختلافا جذريا ومختلفا عما سبق، لذلك فالتمسك بمقتضيات المرحلة السابقة، والدفع لتحقيقها الآن، هو شكل من أشكال الخلخلة فى الشخصية المصرية.
ضعف مؤسسات الدولة التعليمية والدينية، أمام مناهج مدروسة من جمعيات وجماعات غير وطنية، ساعد فى صناعة ذلك العوار بالشخصية المصرية، وعمل على تكوين الحالة من العدمية واللامبالاه، فتجد ملايين المصريين على سبيل المثال، بدلا من البحث عن مصادر لتطوير أدائهم وتحسين أحوالهم، يبحثون عن وظيفة حكومية، حتى وإن أعلنت الحكومة عشرات المرات، أنه لا تعيين إلا بمسابقة، فهناك من يحدثك عن "واسطة" للحصول على تلك الوظيفة، ويظل المشهد متكررا، وذلك لخلفية الشخصية التى صنعت على مدار السنوات الماضية.