تواصلت التحقيقات مع محمود نور الدين قائد تنظيم«ثورة مصر المسلح»يوم 19 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1987، وفى نهاية اليوم أقدم على محاولة انتحار فاجأت قيادات السجن وأحدثت قلقا كبيرا.. «راجع، ذات يوم، 17 و18 سبتمبر 2019».
كانت كلمة السر فى محاولة الانتحار هى محاولات التحقيق مع «نور الدين» لإثبات وجود صلة بين التنظيم وأبناء جمال عبد الناصر وتحديدًا الدكتور خالد، ووفقًا لكتاب «ثورة الابن_وثائق وأسرار تنظيم ثورة مصر» لمصطفى بكرى، فإن النقيب علاء الدين مصطفى سالم ضابط العنبر بسجن مزرعة طرة، شاهد الحادث صباح 20 سبتمبر، فاستدعى طبيب أول السجن حسام رفقى، وقدم تقريرا عاجلا قال فيه إنه وجد المتهم المذكور فى شبه غيبوبة، وبه جرح قطعى بسمك الجلد والأنسجة الرخوة أسفله بكلا الرسغين الأيمن والأيسر من الناحية الأمامية بعرض الرسغ، وكمية الدماء التى نزفت حوالى 200 سم».
فى الساعة الثامنة مساء نفس اليوم «20 سبتمبر» أجرى التحقيق معه.. قال فيه إنه بعد أن عاد من التحقيقات أمس «19 سبتمبر»، صعد فوق الحوض الموجود بدورة المياه الملحقة بغرفته، وكسر قطعة زجاج من الشباك الزجاجى الموجود بها، ووضعها فى سيفون دورة المياه وكان هدفه أن يغتال نفسه، لكن دخل عليه ضابط فى الصباح وتحدث معه فى شأن القضية، فغير رأيه، لكن فى الصباح الباكر عاوده ذات الإحساس».
تكشف التحقيقات مع «نور الدين»، فى يومى «18 و19 سبتمبر، وحسب نصها المنشور فى «ثورة الابن»، أن المحقق استخدم كل حيله فى طرح الأسئلة، لاصطياد خطأ أو تناقض يعطيه خيطا يمده إلى آخره فى اتهام خالد، غير أن «نور الدين» احتفظ بذكائه فى نفى الاتهام، دون نفى صلته الشخصية بأبناء جمال عبدالناصر، منذ أن كان فى لندن يخدم فى السفارة المصرية، وكان خالد يدرس الدكتوراه، وعبد الحميد يعمل فى السفارة، ثم استقال وانتقل إلى الهيئة العربية للتصنيع.
سأل المحقق «نور الدين» عن كيفية بدء اتصاله بأبناء عبد الناصر بعد عودته من لندن واستقراره فى القاهرة.. أجاب أنه أخبرهم تليفونيا بوجوده وإقامته بالقاهرة، ولم تتم إلا لقاءات قليلة بينهم..سأله المحقق، عن تردده على سكن خالد وعبد الحكيم وعبد الحميد..أجاب:لم أتردد نظرا للظرف العائلى الذى كنت أمر به وهو انفصالى عن زوجتى الأولى..سئل عما إذا كانوا يترددون على مسكنه..رد:«تردد عبد الحميد وعبد الحكيم، كان من النادر جدا، وزيارات الدكتور خالد كانت قليلة، وتعيننى على بث همومى العائلية، لأنه كان على علم بها».
سأله المحقق:هل كان هناك أعضاء من«ثورة مصر»موجودون أثناء زيارة خالد لك؟..أجاب:أتذكر أن الدكتور خالد جاء لزيارتى ذات مرة أثناء وجود بعض أعضاء منظمة ثورة مصر بمنزلى، ولم يكن يعلم عنها شيئا بالمرة، وأود أن أنوه إلى أن العلاقة بيننا فى القاهرة كانت ضعيفة للغاية.. سأله المحقق: هل كانت تدور مناقشات أو أحاديث بين أعضاء المنظمة مع خالد أثناء زيارته لك؟.. أجاب: لم تتعد تلك الأحاديث عبارات الترحيب والمجاملة، ولم تدر أية مناقشات.. سأله المحقق: هل يتفق ما ذكرته مع كون منظمة ثورة مصر تتخذ من الفكر والخط الناصرى منهاجا لها.. أجاب: لا أرى أن هناك أى رابط يربط بين انتهاج أعضاء منظمة ثورة مصر للفكر الناصرى وبين شخصية الدكتور خالد، خاصة أن المنظمة تنهج فى فكرها الناصرى فكرا جديدا متطورا ينتقد بعض أخطاء عبد الناصر، وهو بالطبع قد يغضب، أو أقصد قد لا يتفق مع نفسية ابن الرجل الذى ابتدع ونظًر هذا الفكر».
لماذا أصر «نور الدين» على هذا الموقف؟.. يجيب الكاتب الصحفى السورى محمد خليفة أحد الذين اقتربوا من خالد أثناء فترة إقامته فى يوغسلافيا.. يقول فى حلقاته بمجلة «الشراع–لبنان، 10 يناير 2019» بعنوان «وديعة خالد عبد الناصر بعد 30 عاما»: «تبرئة» خالد من التهمة لم تنطلِ على أحد، من الأعداء أوالأصدقاء، لأن الجميع قدروا أن السلطة المصرية كانت أضعف من أن تحاكمه أو تدينه أو تحبسه، لما فى ذلك من مخاطرة شديدة على الاستقرار الداخلى. ولذلك «تواطأت» الأطراف الرئيسية على إبعاد التهمة عن خالد وإلقائها كاملة على «نور الدين».. لاشك أن الفضل أولا وأخيرا يعود لهذا البطل الذى وفى بعهده لخالد، وظل مخلصًا للتفاهم بينهما المبرم منذ 1984.وكان يعلم أن بقاء خالد حرًا يساعد على احتواء القضية، والمساومة على تخفيف العقوبات عن الأعضاء، وتقديم الدعم والمساعدة الإنسانية والمادية لعائلاتهم أثناء قضائهم العقوبات فى السجن».
يؤكد خليفة: «خالد أكد لى وجود التفاهم والاتفاق قبل وبعد انكشاف التنظيم على توزيع الأدوار بين الاثنين، وقال إنه تم بينهما منذ بداية الاتفاق على تشكيل التنظيم، ثم عاد الاثنان ووطداه بعد انكشاف القضية، عبر المحامين الذين كانوا ينقلون الرسائل سرًا بينهما».. يؤكد خليفة: «كان خالد هو العقل المدبر والموجه السياسى له، وأن محمود هو القائد التنفيذى».