قصة أموال "عرابى" وزملائه من المصادرة بأمر الخديو توفيق إلى عودتها بقرار ثورة يوليو 1952.. توفيق صادر 877 فدانا امتلكها عرابى.. رفضوا استغاثاته لمواجهة فقره فمات دون أن يمتلك ثمن كفنه.. وثورة يوليو رد

لم يكتف الخديو توفيق بالحكم على أحمد عرابى وقيادات الثورة العرابية بالنفى إلى الخارج، وإنما قرر مصادرة أملاكهم يوم 14 ديسمبر 1882 حسب تأكيد أحمد عرابى فى مذكراته، وظل هذا الحرمان ساريا رغم شكاوى عرابى، واستغاثاته باسترجاع أملاكه أو بعضها حتى يستطيع مواجهة حالة الفقر التى عاشها وأسرته بعد رجوعه من المنفى يوم 24 مايو 1901. جاء الحكم بالنفى ومصادرة الأملاك بعد هزيمة عرابى أمام الإنجليز فى التل الكبير، ودخول القاهرة من طريق شبرا يوم 14 سبتمبر 1882، واحتلال مصر حتى عام 1954، وشمل النفى ومصادرة الأملاك، أحمد عرابى، طلبة عصمت، عبد العال حلمى، محمود سامى البارودى، على فهمى، محمود فهمى، يعقوب سامى. يذكر كتاب "الثورة العرابية بعد خمسين عاما - رؤية صحفية الأهرام، بقلم داود بركات" نص قرار المصادرة: "ملاك وموجودات أحمد عرابى وطلبة عصمت وعبد العال حلمى ومحمود سامى وعلى فهمى ومحمود فهمى ويعقوب سامى منقولة" كانت أو غير منقولة، وأملاكهم وموجوداتهم التى اشتروها أو وضعوا يدهم عليها ومقيدة بأسماء غير أسمائهم، وكذلك الأملاك والموجودات التى تصرفوا فيها بالهبة أو بالبيع أو بطريقة مصطنعة صارت ملكا للحكومة، ولا يجوز لهم من الآن فصاعدا أن يمتلكوا أى ملك من أى نوع كان فى الأقطار المصرية بطريق الإرث والهبة أو البيع، أو بأية طريقة كانت، وسيرتب لهم سنويا راتبا نقديا بقدر الضرورى لمعيشتهم ويصير بيع أملاكهم منقولة كانت أو غير منقولة، وما ينتج من هذا البيع بعد التصفية يخصص لسداد التعويضات التى ستعطى لمن أصيبوا بالحوادث الثورية". حرمت الحكومة على المحاكم الشرعية أن تسمع أو تحكم فى أى دعاوى ترفع أمامها بشأن تلك الأملاك، وقررت تعيين لجنة لتنفيذ هذا الأمر، ويذكر محمود الخفيف فى كتابه "أحمد عرابى الزعيم المفترى عليه"، أنه فور صدور القرار سلكت الحكومة مسلكا يدل على الصغار والحقارة فى الخصومة، إذ أسرعت بإرسال جند اقتحموا منازل الزعماء فى غلظة ولم يراعوا لشىء حرمة، وكانوا يلقون الأمتعة رأسا على عقب ولا يسمحون بدخول أحد أو خروجه إلا بعد تفتيشه، ولقد بلغت بهم الفظاظة والقحة أن كانوا يقتحمون على السيدات خدورهن، وكانت السيدات فى تلك الأيام لا يرين الرجال إلا والنقاب على وجوههن". سجل "عرابى" اعتراضه على قرار مصادرة الأملاك لأن "هذا الأمر الخديوى لم يبن على وجه شرعى وبدون محاكمة، ولم يسبق معاملة من نفى قبلنا من مصر بهذه المعاملة التى هى ضد الشرائع العادلة" حسبما يذكر فى مذكراته، مضيفا: "ما حدث إبطال لأوامر الله سبحانه تعالى بحرماننا من كل إرث شرعى يؤول إلينا فى المستقبل، وبمصادرة أملاكنا بلا تحقيق خلافا لقول النبى "مال المسلم على المسلم حرام"، ومن أمر مخالف لكتاب الله" فهو رد عليه ولا يجوز للمسلمين الإقرار على هدم أصول دينهم أبدا". وفقا لمذكرات "عرابى" فإنه كتب قائمة بممتلكاته وسلمها إلى محاميه الإنجليزى "برودلى" ليدافع عنها وهى 168 فدانا ونصف ملك خاص، موزعة على 53 فدانا بناحية قريته "هرية رزنة" و"تل مفتاح رزنة" محافظة الشرقية، و82 ونصف فدان أطيان خراجية وعشورية، و10 أفدنة ونصف بناحية "أكياد شرقية" و"12 فدانا" بناحية "الأسدية شرقية" و10 أفدنة ونصف أطيان عشورية بناحية سلامون الغبار بمديرية الغربية و100 فدان بناحية "المناجاة الصغرى" و160 فدانا بناحية "الأحبوه شرقية"، و400 فدان بناحية "قهبونة شرقية" و"37 فدان" بناحية كفر السناجرة شرقية و12 فدان بناحية "أكياد". بلغت أملاك عرابى طبقا لهذه القائمة "877 فدانا ونصف"، ولم يترك بابا إلا وطرقه من أجل استرداد هذه الأملاك، وحسب مذكراته فإنه عقب عودته من المنفى بسيلان بعد 19 عاما، رفع عدة شكاوى لاسترداد هذه الأملاك، ولغتها تقطر حزنا وألما على الأحوال التى آل إليها هذا الرجل الذى ظل طوال فترة الثورة زعيما للمصريين، وكان ناظرا –وزيرا- للجهادية. يذكر عرابى نص هذه الشكاوى فى مذكراته، وفى الشكوى المرفوعة بتاريخ 24 شوال سنة 1323 إلى الخديو عباس حلمى الثانى الذى تولى حكم مصر بعد أبيه توفيق، وهو صاحب قرر العفو عنه وإعادته من المنفى، كتب نصا: "مولانا العزيز أتشرف بأن أعرض لسمو الحضرة الخديوية الفخيمة بأنه قد مضى علىّ وعلى عائلتى دهر طويل ونحن نقاسى أنواع الشدائد والفقر والذلة والمسكنة، وبتاريخ الغربة فى دار منفانا إلى أن تداركتنا مراحم سمو مولانا الخديو أطال فى أيام حياته، وعمر البلاد بعدله، فصدر أمره الكريم بالعفو عنا وإعادتنا إلى الوطن العزيز فى 24 مايو سنة 1901، فشكرنا لسموكم هذه النعمة الكبرى، وقد مر علينا يامولانا خمس سنين تقريبا، ونحن محرمون من الحقوق المدنية، وقد أناخ الدهر علينا بكلكه وأضر بنا الفقر والاحتياج، لأن الحكومة السابقة سلبت أملاكنا ونهبت أموالنا بدون حكم شرعى ولا قضاء عادل. وكل ما يتحصل من ريع أملاكنا المنهوبة إذ ذاك يربو على 3 آلاف جنيه مصرى فى السنة، ولا ملجأ لنا نلوذ به غير سموكم الكريمة، فعطفا يا مولانا العزيز على من عاند الدهر وعكس مقاصده، فوالله الذى لا إله إلا هو ما أردت بالبلاد خيرا وقفت حياتى على حفظ حرمة بيتكم الخديو من كل سوء فى أيام تشعبت فيها المقاصد، وتنوعت الأهواء واختلط فيها الحابل بالنابل، ولو أقام فيها أحد غيرى لسفكت الدماء، وخربت البلاد ولكان الأمر عظيما حاشا حنوكم العظيم أن لا يسعنى، وحاشا عفوكم أن لا يظهر بأكمل معانيه عفوا تاما، فأرجو التكرم على بمنحى الحقوق المدنية، ورد ما نهب من أملاكى الشرعية عملا بحديث "مال المسلم على المسلم حرام" لحديث "كل راع مسئول عن رعيته" كما ردت أسلاب الخارجين على الإمام على عليه السلام، أو تعويض أرض تعاملها أو ترتيب مرتب يماثل ذلك تتوارثه ذريتى من بعدى، لنعيش تحت رعاية سموكم متوسلين إلى الله سبحانه بجدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحفظ سموكم وأنجالكم الكرام". رفع عرابى شكواه أيضا إلى رئيس النظار "الوزراء" مصطفى باشا فهمى شكواه، حسب مذكراته، كاشفا أنه رفع أيضا شكوى إلى ملك بريطانيا "إدوارد السابع" وذلك عن طريق اللورد كرومر المعتمد البريطانى فى مصر وصاحب الأمر والنهى فيها، يطالب فيها بإعادة أملاكه وترتيب معاشه له ولعائلته فى حدود ألفين من الجنيهات سنويا"..غير أن كل هذه الشكاوى ذهبت أدراج الريح، وعاش الرجل فقيرا لا يستطيع مواجه أعباء الحياة، ولما وجد كل هذا الصد فعل كما يقول فى مذكراته: "تركت لأحفادى ولأولادى من بعدى ولذريتى جيلا بعد جيل الحق فى المطالبة بحقوقى وأملاكى المنهوبة". كانت نهايات هذا الزعيم الوطنى درامية بكل المقاييس، وشهدت وفقا لما يذكره الكاتب الصحفى صلاح عيسى فى كتابه "الثورة العرابية" : "قبل أن يموت عرابى بشهور كان خارجا من المسجد الحسينى عقب صلاة العشاء فى احدى ليالى رمضان، فإذا بشاب يبصق فى وجهه صائحا: "يا خائن"، ومسح الرجل الجليل وجهه، وأغلق باب منزله على نفسه شهورا طويلة، ترى ما الذى اعتصر قلبه فى تلك الشهور الحزينة؟.. ذلك سر أخده معه إلى القبر".. يضيف: "يوم مات لم يجد أهله فى بيته نفقات جنازته وتجهيزه، فكتموا نبأ الوفاة إلى اليوم التالى، حيث كان مقررا أن تصرف المعاشات قبل موعدها لمناسبة حلول عيد الأضحى، وخرجت إحدى الصحف تكتب فى مكان متواضع: "علمنا أن المدعو أحمد عرابى صاحب الفتنة المشهورة باسمه قد توفى أمس". يعلق "عيسى": "الذى بصق فى وجه عرابى والذى نشر نبأ نعيه، والذى تركه يعانى ذل الحاجة، لم يكن مصر، ولكنه جزء من أمة الخيانة، جزء من مصر المحتلة، مصر التى سادت الخبائث فيها وجه الحياة، واستأسدت فيها كلاب الطريق، أما معذبو الأرض الذين عاشوا الملحمة العرابية بكل أبعادها، فقد صانوا عهد الحب حتى النهاية". بقيت الحكومات المتعاقبة منذ وفاة "عرابى" على جحودها نحو عرابى، والتعامل مع ثورته باعتبارها "هوجة" أدت إلى احتلال مصر، ولما قامت ثورة 23 يوليو 1952، كان قادتها ممن "صانوا عهد الحب لعرابي"، فعبروا عن ذلك بعدة أوجه أولها اعادة الاعتبار لهذا لعرابى ورجاله، واستجابت الثورة لمطالب عرابى التى طالب بها منذ نفيه وبعد عودته من النفى ففى يوم 8 نوفمبر 1953 أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا ينص على: "قرر مجلس قيادة الثورة استرداد أموال الشعب وممتلكاته من أسرة محمد على، وذلك بمصادرة أموال وممتلكات هذه الأسرة، وكذلك الأموال والممتلكات التى آلت إلى غيرهم من طريق الوراثة أو المصاهرة أو القرابة".. وفى نفس القرار جاء :"قرر المجلس تكوين لجنة خاصة لتقدير معاشات مناسبة لكل من يستحق معاشا منهم "..وفى نفس القرار جاء أيضا مايخص "أموال عرابى " ونص على: "وكذلك قرر تعيين لجنة للنظر فى أموال أحمد عرابى وغيره من ضحايا الثورة العرابية ممن صودرت أموالهم بسبب الثورة وردها إلى ورثتهم".














الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;