التمرد يهدد دولة "السمع والطاعة" فى الكنيسة.. جدل بعد حديث البابا تواضروس عن عدم وجود معارضة داخل النظام الكنسى.. السفر إلى القدس و أزمة متضررى الأحوال الشخصية مشاهد تؤكد الخروج على الطاعة العمياء

هالة قوية من الطاعة ظلت منسوجة حول جدران الكنيسة المصرية لسنوات طويلة، لكن بعد عقود كان المصريون على موعد مع تغيير مفاجئ أزال كافة المعالم السابقة وكسر كل التابوهات فقد أصبح التمرد على دولة السمع والطاعة داخل الكنيسة ممكنا ، و هو ما دفع الباب تواضروس الثانى مؤخرا أثناء حديثه لبرنامج "الباب وأسئلة الشعب" الذى تذيعه الكنيسة شهريا، إلي القول بأن الكنسية لم تعرف طوال تاريخها كلمة معارضة، متابعا حديثه:"مفيش معارضة أو حزب داخل الكنيسة، ومسمعناش إن كنيسة فيها مظاهرة".

كلمة معارضة البابا تواضروس الثانى مضى فى حديثه قائلا: "فى آخر 5 سنوات حدث خلط داخل الكنيسة، فالكنيسة مؤسسة روحية وليس بها من يسعى لمنصب، فالمناصب بها تكليف وليس تشريف وبخلاف هذا لا يصلح فى مسيرة الكنيسة وربما يسبب المشكلات".

كمال زاخر المفكر القبطى علق على حديث البابا بشأن عدم وجود كلمة معارضة داخل الكنيسة بأنه يُقصد المعتقدات والطقوس والعبادات المحكومة بقواعد من القرن الرابع ولا يوجد فيها جدال، مضيفا:"الأمور الإدارية داخل المنظومة الكنسية التى يوجد بها بشر تكون محل أخذ وعطاء مع عدم المساس بالقواعد الأساسية للإيمان".

كلمات البابا تواضروس الثانى تُعيد للأذهان مواقف عمرها أكثر من 40 عاما، والبداية مع الصدام التاريخى بين الرئيس السادات والبابا شنودة الثالث بعدما اعلن الأخير رفضه لمعاهدة كامب ديفيد بل ورفض مرافقة الرئيس السادات فى رحلته إلى إسرائيل، لينتهى الصدام باتخاذ السادات قرارا بتحديد إقامة البابا داخل دير وادى النطرون وعزله من منصبه إلى أن الشعب الكنيسة التف حوله أكثر حتى تم اغتيال الرئيس الأسبق، وبعدها تولى "حسنى مبارك" وبدأ شهر عسل طويل بين نظام مبارك وشعب الكنيسة.

وعلى مدار ثلاثين عاما استمر الوفاق بين الكنيسة ونظام مبارك لاسيما مع عدم مشاركة الغالبية العظمى من المسيحيين فى التظاهرات السياسية المناهضة للنظام السياسى فى ظل حالة الالتفاف والحب الشديد من جموع المسحيين لـ"البابا شنودة الثالث".

طوال فترة جلوس البابا شنودة الثالث على الكرسى البابوى لم تخرج الأمور عن السياق المحدد إلا فى وقائع قليلة حتى جاء موعد التغيير الكبير فى مصر مع ثورة 25 يناير لتنطلق حشود المصريين فى الشوارع مسلمين ومسحيين للمطالبة بإسقاط نظام لتدق جرس إنذار أن الكنيسة لم تعد قادرة على السيطرة مثلما كان يحدث مسبقا، واتضح للجميع أن أجيالا جديدة خرج للنور ولم تعد تستوعب فكرة السمع والطاعة العمياء. كثرة الاحتجاجات كانت السمة المميزة للشارع المصرى لكن كثيرين لم يتوقعوا أن تطول تلك الحركات الثورية الكنيسة المصرية لكن فى 22 يوليو 2011 كان هناك تطورًا خطيرا للأحداث بعدما حدث صدام بين الكنيسة ومئات المسيحيين إثر اعتصام المطالبين بالحصول على تصريح الزاوج الثانى بالكاتدرائية مما اضطر أمن الكنيسة لإطلاق كلاب الحراسة على المحتجين لتفريقهم مما عُرف منذ ذلك الحين بـ"موقعة الكلب".

نقطة تحول وفى 9 أكتوبر عام 2011، وقعت حادثة أثبتت أن عودة علاقة السمع والطاعة بين الكنيسة و"شعبها" ضرب من الخيال ، فأمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو" سالت دماء مئات الأقباط على الاسفلت، وسقط 24 متظاهرا أثر مواجهات مع قوات الأمن على خلفية تنظيم مسيرة انطلقت من دوران شبرا باتجاه مبنى ماسبيرو للتنديد بهدم أجزاء من كنيسة المريناب فى أسوان. رفض البابا الراحل للتظاهرات وتفضيله الصمت خلال الساعات التى تلت الحادثة لم يمنعه من الصلاة على جثامين الضحايا بنفسه، مطالبا الأقباط بالصوم 3 أيام، وفى عظته الأسبوعية التى تلت الحادثة قال :"أعزيكم جميعا فى استشهاد أبنائنا الذى قتلوا فى ماسبيرو".. نبرة البابا الحزينة جعلت الجميع يدرك أن البطريرك أيقن بأن الوضع لم يعد مثلما سبق حتى رحل البابا شنودة الثالث فى 17 مارس عام 2012، وتم بعدها تنصيب البابا تواضروس الثانى. عهد تواضروس الثانى تلك المشاهد وأكثر منها تعود للذاكرة مع تصريحات البابا تواضروس الثانى عن عدم وجود كلمة "معارضة" فى الكنيسة وهو ما يستدعي استرجاع مشاهد عديدة حدثت فى عهده تؤكد أن الوضع لم يعد مثلما مضى وربما لن يعود، ولهذا التوقع شواهده فالعظة الأسبوعية للبابا الذى تم تنصيبه على الكرسى المرقسى فى 11 نوفمبر عام 2011، شهدت واقعتي طرد فى سابقة ربما لم تتكررا إلا فى حالات نادرة فى عهد الباب شنودة الثالث رغم طول مدتها. واقعتا الطرد فى عهد البابا تواضروس ، الأولى في نوفمبر عام 2014 أى بعد مرور عامين تقريبا على تنصيبه، وقتها قرر بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية طرد إحدى السيدات من داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية على أثر رفع صوتها قائلة:"عندى مشكلة بقالها سنة ونص، ومفيش حل لحد دلوقتى"، فقد اُعتبرها بمثابة كسر لهيبة الكنيسة. وتعليقا على الواقعة قال البابا تواضروس:"لما يبقى فيه مشكلة عند حد مش من المناسب يقف يعمل زى الأخت ما عملت، هي كسرت مهابة الكنيسة، وقدمت صورة سيئة، عمر ما المشاكل داخل الكنيسة ما تتعالج كده".

أمّا الواقعة الثانية فكنت أكثر حدة، ففى 3 يونيو عام 2015 ألغى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا تواضروس الثانى عظته الأسبوعية بسبب تظاهر "متضرري قانون الأحوال الشخصية" الذين رددوا عدد من الهتافات مثل "مصر دولة مدنية.. والطلاق بحرية" لمطالبة الكنيسة برفع يدها عن قانون الأحوال الشخصية للأقباط من دفع أمن الكنيسة للتدخل.

وكانت المجموعة المعترضة التي تسمى بـ"متضرري الأحوال الشخصية"، تم تدشينها فى مؤتمر صحفى فى أغسطس 2014 من أجل المطالبة بتشريع قانون الأحوال الشخصية بعيدا عن الكنيسة وتطبيق أسباب الطلاق الموجودة بلائحة عام 1938 المرفوضة بطاركة الكنيسة والتى تتيح الطلاق لـ9 أسباب لاسيما مع سير البطريرك الحالى على خطى سابقه فى التمسك بتطبيق القاعدة الكنسية "لا طلاق إلا لعلة الزنا".

وتعليقا على أزمة متضررى الأحوال الشخصية، قال المفكر القبطى كمال زاخر أن هذه أمور تختلف فيها الرؤى والعلاقات الانسانية بها توجهات منها أقصى اليمن إلى أقص اليسار المتشدد والمعتدل والمنفتح، وهذا موجود فى كل مكان حتى فى البيت الواحد، لافتًا إلى أن الخلاف أتى بشيء إيجابى متمثل فى دراسة إمكانية تحقيق تلك المطالب فى مشروع القانون الجديدة المفترض وضعه خلال الفترة القادمة، واقتربت من الواقع أكثر. قرار غريب بخلاف أزمة متضررى الأحوال الشخصية، والتى تعتبر عرض مستمر منذ عهد البابا شنودة الثالث كان تواضروس الثانى على موعد مع أزمات كبرى جعلت شخصه مرمى لأسهم النقد، وأبرزها فى يوم 25 نوفمبر 2015 عندما أعلن المجمع المقدس وفاة مطران الكنيسة القبطية للكرسى الأورشليمى ودول الشرق الأدنى الأنبا ابراهام ليجد البطريرك نفسه فى حيرة ما بين السفر إلى القدس فى ظل الأوضاع المضطربة أو البقاء فى مصر، لكنه قرر السفر فى النهاية.

البابا تواضروس الثانى علق على الانتقادات التى وجهت لقرار سفره إلى القدس:" ليست زيارة إنما واجب إنسانى للمشاركة فى جنازة الأنبا أبراهام مطران القدس والشرق الأدنى"، متحدثا عن كثرة الجدل حول زيارته "عطينا للإعلام حاجة يقعدوا يتكلموا فيها".

الانتقادات للبابا جاءت على خلفية أنه القرار الذى يتخذ لأول مرة منذ عام 1967، إضافة إلى أنه يمثل خرقا لقرار المجمع المقدس فى جلسته بتاريخ 26 مارس 1980 الذى يقضى بمنع سفر المسيحيين للحج فى الأراضى المقدسة التزامًا بمقاطعة قطاعات واسعة من الشعب المصرى زيارة فلسطين عقب اتفاقية كامب ديفيد.

الدير المنحوت والشلح فيما تُعد قضية الدير المنحوت بـ"وادى الريان" من القضايا الأخرى التى أثارت جدلا واسعا فى المجتمع المسيحى ووضعت البطريرك فى اختبار جديد بعدما اضطر فى 12 مارس 2015 إلى إعلان أن الكنيسة لا تعترف بدير الأنبا مكاريوس بوادى الريان على خلفية اشتعال معركة بين الدولة و رهبان دير المنحوت نظرا لرغبة الحكومة فى شق طريق جديد يربط بين الواحات من جهة ومحافظات الفيوم والجيزة والقاهرة من جهة أخرى، وبعد شد وجذب أعلنت الكنيسة أن الدولة لها الحق القانونى فى التصرف إزاء تلك القضية مع مراعاة الحفاظ على الطبيعة الأثرية والمقدسات، كما أعلنت الكنيسة فى نفس اليوم، شلح الراهب بولس المقارى الريانى مسؤول دير الأنبا مكاريوس السكندري بوادى الريان، و6 آخرين من الرهبان بالدير بسبب تصديهم لشركة المقاولون العرب المنفذة للطريق.

وحول وجود تغيرات في علاقة شعب الكنيسة بالبابا بعد ثورة 25 يناير قال المفكر القبطى كمال زاخر: "العلاقة لم تتغير لأنها محكومة بإرث ممتدة طويلة لكن بالضرورة فى كل عصر جيل الشباب بيكون عنده أسئلة كثيرة لكن فى المجتمعات المغلقة الإجابات بتكون دائما غائبة وفى عصر المعلومات أصبح السيطرة على المعلومة شىء مستحيل فى ظل السيولة المعلوماتية عبر شبكة الانترنت".

وتابع "زاخر" قائلا: "الوسائل التى يمكن استخدامها فى عصر الثورة الصناعية لا يمكننا استخدامها فى عصر ثورة المعلومات لكن تبقى أسئلة الشباب محتاجة أجوبة أكثر شفافية".




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;