انتهى مرصد الإفتاء من دراسة حول الترابط بين العقيدة والانتماء للوطن، حيث فضح فيها مزاعم جماعات الخوارج من أن مفهوم الوطن يتعارض مع العقيدة الإسلامية؛ فالانتماء الوطنى لا يلغى الانتماء الدينى، وإنما يتعاضد معه ويكمله، فهى دوائر متداخلة يمد بعضها بعضًا.
وأكد المرصد فى دراسته التى حصل انفراد عليها، أن من المفاهيم الجديدة المستحدثة، والتى ثارت بسببها ثائرة البعض، مفهوم الوطن وما يلحق به من معاني المواطنة والوطنية، وتسائل المرصد فى دراسته؛ هل هذا المصطلح ولواحقه يعد بدعًا في الدين؟؛ هل عدم وجود مثل هذه المصطلحات في العصور الأولى للإسلام يعنى أنها من الضلال بمكان، بحيث يمتنع معه الأخذ بها؟.
وتوصل المرصد إلى الحقيقة وهو أن مفهوم الوطن والوطنية، والمواطنة والانتماء الوطني... وغيرها، ليست بطارئة على الدين؛ فقد ظهرت تلك المعاني بوضوح في عصر صدر الإسلام الأول، وبلغت منتهاها لدى النبي صلى الله عليه وسلم، الذي بلغ من حبه لوطنه مكة أن قال فيها قولته المشهورة: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرضٍ إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك)، وهنا تتجلى أسمى معاني الوطنية والانتماء، وأكدت الدراسة إن حب الوطن غريزة وفطرة فطر الله الناس عليها؛ فالإنسان السوي هو الذي يحن إلى أصوله، إلى منبع وجوده.
التصور الصحيح لهذه المسألة:
وأكد المرصد، إن مفهوم الدولة الحديثة أو الوطن بمفهومه المعاصر مفهوم شرعي صحيح ولا شيء فيه، ولا تعارض بينه وبين العقيدة الإسلامية في شيء؛ بل هو ضرورة حياتية واجبة تفرضها الحياة المعاصرة ومتطلباتها، والانتماء الوطني لا يخالف الانتماء الديني بل هو متفرع عنه، فالمؤمن الصادق هو الذي ينتمي لوطنه ويعمل على حفظه وحمايته وتقدمه.
التصور الباطل لهذه المسألة:
وأشارت الدراسة أن ما تزعمه جماعات الخوارج وتيارات التطرف من أن مفهوم الوطن الحديث يتعارض مع الشريعة الإسلامية، والزعم بأن الانتماء الوطني يتعارض مع الانتماء العقدي، هو زعم باطل.
الوطن ضرورة عصرية:
الدراسة أكدت إن مفهوم الوطن بصورته الحالية ضرورة عصرية، أوجبها تغير الظروف والأحوال، والمسلمون لا ينفصلون في حياتهم عن متطلبات الحياة المعاصرة، ولا عن العالم من حولهم، والاجتماع الإنساني المعاصر لطائفة من الناس يتطلب وطن، له حدوده الجغرافية والسياسية المعلومة، يقوم على تنظيم حياتهم فيها حكومة ومؤسسات وسلطات، ويتحدد فيه الانتماء بمصطلح الجنسية، الذي يعبر عن معاني المواطنة، وما يتفرع عنها من الحقوق والواجبات.
- وجود كيانات مشابهة لمفهوم الوطن فيما سبق:
وأكدت الدراسة أن تاريخ الأمة الإسلامية منذ صدر الإسلام يوجد بها صورًا وكيانات مشابهة لمفهوم الوطن في العصر الحديث، بحدوده ونظامه وتقسيماته، ولم يدَّعِ أحد أن هناك تعارضًا بين هذه الكيانات المختلفة وبين مفهوم الأمة الإسلامية الواحدة، فقد وجد منذ القدم المسلم الشامي، والمسلم العراقي، والمسلم المصري، والمسلم المكي، وهو ما يتشابه مع مفهوم الجنسية في واقعنا المعاصر، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينادي في الحجاج، بعد أداء مناسكهم: يا أهل الشام شامكم، يا أهل اليمن يمنكم، يا أهل العراق عراقكم.