هل يستطيع قيس سعيد ، الوفاء بتلك التعهدات التى قطعها على نفسه أمام ناخبيه؟ ..سؤال يتبادر إلى أذهان التونسيين ومتابعى الأوضاع فى تونس حول العالم ، فهناك آمال وطوحات عريضة وضعها الشارع التونسى على عاتق الرئيس الجديد ،الذى كان فوزه برئاسة تونس بمثابة زلزال انتخابي خالف كل التوقعات.
وكانت الهيئة العليا للانتخابات أعلنت خلال مؤتمر صحفي، اليوم الاثنين، عن فوز قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها التي اقترع فيها التونسيون يوم الأحد 13 أكتوبر 2019، وفاز بنسبة 72.71% من جملة الأصوات، فيما حصل نبيل القروي على 27.29%.لانتخابات الرئاسة التونسية.
ومع إعلان هذه النتائج يعيش الشارع التونسى فرحته باختيار رئيس جاء بإرداة شعبية كاملة إنه رئيس ليس له علاقة بالدوائر السياسية السابقة فى تونس والتحالفات السياسية القديمة التى قرر الشعب التونسى أن يعاقبها بلامتناع عن التصويت لأحد ممثليها بالانتخابات ، وفى خضم فرحة التونسيين هناك تحديات كبيرة تنتظر قيس سعيد على الصعيدين الداخلى و الخارجى، فهو يتولى فى فترة تعيش تونس مشهدا سياسيا مرتبكا وهناك مشكلات وأزمات داخلية كبيرة ينتظر التونسيون حلولا سريعة لها ..
أزمة تشكيل الحكومة
بات الطريق لتشكيل حكومة جديدة بتونس وعرا، وبدأت تتشكل بوادر أزمة سياسية تلوح فى الأفق بعد نتائج الانتخابات البرلمانية التى تنبئ أنه من الصعب لأى حزب تشكيل حكومة بمفرده، فرغم فوز النهضة إلا أنه سيحتاج إلى العديد من الأحزاب الأخرى حتى يتمكن من تشكيل حكومة ائتلافية، فالمفترض أن تخرج الحكومة الجديدة بقيادة حركة النهضة صاحبة الأغلبية النسبية، ولكن النهضة تبحث عن تحالفات لتحقق أغلبية الخمسين زائد واحد، أي ما يعادل 109 مقاعد من أصل 217، لا تملك منها النهضة سوى 52 مقعدا.
ومن جانبها قالت القيادية بحركة النهضة يامينة الزغلامى ـ وفقا لرويترز ـ " نعى جيدا أن مهمة تكوين حكومة ستكون صعبة ومُعقدة" ، فيما قال عبد الكريم الهارونى ، القيادى بحركة النهضة، إنه يأمل فى تفادى إجراء انتخابات برلمانية جديدة وإن الحركة ستسعى لتشكيل ائتلاف من بين الأحزاب المعارضة للفساد.
وقبل الانتخابات استبعدت حركة النهضة وحزب القروى "قلب تونس" ،الذي حل في المرتبة الثانية بنحو 33 مقعدا في البرلمان، المشاركة في ائتلاف حاكم معا.
دعم سياسى ومخاوف حل البرلمان
يواجه "قيس" تحديا آخر وهو توفير دعم سياسي وكتلة برلمانية للوقوف وراءه، فرغم كونه حصل على دعم تيارات سياسية مختلفة داخل البرلمان، وهى حركة النهضة والتيار الديمقراطي وإئتلاف الكرامة وحركة الشعب، وحتى قائمات وشخصيات مستقلة، كلها أعلنت دعمها لسعيد ودعت أنصارها للتصويت له ن إلا أنه يبقى أمام معضلة تجميع هذه القوى السياسية المختلفة، التي تتصارع وتختلف في كثير المواقف والتوجهات.
يعد هذا خطوة شديدة الصعوبة فى ظل برلمان تونسى صورته مشوشة وغير واضحة كما تحيط به إشكاليات عديدة ، وفى الوقت نفسه هناك مخاوف بشأن إمكانية إخفاق البرلمان الجديد فى تشكيل حكومة جديدة فى غضون الآجال المحددة ما قد يعنى أنه مهدد بالحل وإعادة الانتخابات مرة أخرى، حيث إن النتائج تنبئ ببرلمان يغلب عليه طابع التشتت، فالإقبال الضعيف على التصويت فى الانتخاباتِ التشريعية ـ 41.3% فى دوائر الداخل و16% بدوائر الخارج ـ أفرز كتلا ضعيفة لمختلف القوائم المرشحة ، لذا يبدو أنه سيكون برلمانا مشتتا ومنقسِما، وفق التقارير الإعلامية التونسية، فى الوقت نفسه سيتعين على "النهضة" وهو الحزب الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان تشكيل الحكومة في مدة زمنية لا تتجاوز الشهرين، على أن يصادق عليها البرلمان بأغلبية 109 أصوات، في ظل ضعف عدد نوابه وصعوبة حشد حزام سياسي كبير، وسط تشتت الكتل البرلمانية التى يجمع بينها الصراع والعدوانية ورفض التعاون ، فلا يبدو أن الخلافات السياسية بين مكونات البرلمان الجديدة قد تنتهي لتكوينِ ائتلاف حاكم قوي.
رجحت آراء سياسيين تونسيين ـ بحسب قناة العربية ـ فى ظل عدم حصول أحد الأحزاب على أغلبية فهذا قد يعنى حل البرلمان وإعادة الانتخابات، فوفقا للدستور التونسي، إذا فشل البرلمان الجديد طوال شهرين في المصادقة على تشكيلة حكومية تتزعمها شخصية يرشحها الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، فعندها يكلف رئيس الدولة شخصية ثانية من خارج هذا الحزب، وإن فشل في الفوز بثقة أغلبية النواب في ظرف شهرين يحل البرلمان، وتتم الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة.
وإذا أكدت النتائج الرسمية تصدر حزب النهضة فسيكون أمامه شهران لتشكيل حكومة ائتلافية، وبعدها يمكن للرئيس أن يطلب من سياسي يختاره هو محاولة تشكيل حكومة، وإذا أخفق ذلك أيضا بعد شهرين فسيعود التونسيون لصناديق الاقتراع مجددا.
القضاء على الفساد
استشرى الفساد فى تونس فى الفترة الأخيرة وهذا يتطلب محاربة قوية وعلى عدة مستويات ، فهل يملك قيس سعيد الأدوات الكافية للقيام بعملية تطهير واسعة بالدولة، وأيضا إصلاح منظومة القضاء.
الملف الاقتصادى
يأتى الملف الاقتصادى ضمن أبرز التحديات التى تواجه قيس سعيد، بحسب مراقبون، خاصة بعد ثماني سنوات على ثورة الياسمين أصبح كثير من التونسيين يشعرون بخيبة أمل من فشل حكومات ائتلافية متعاقبة في معالجة المشاكل الاقتصادية.
يندرج تحت هذا الملف أزمات كبرى عانت منها تونس منذ سنوات منها مشكلة البطالة المزمنة وارتفاع كبير فى الأسعار خاصة الكهرباء، ارتفاع معدلات التضخم ومطالب المانحين الأجانب بتطبيق إجراءات خفض للإنفاق لا تحظى بالشعبية.
هذا إلى جانب موازنة الحكومة القادمة بين مصلحة الشعب والمصالح الوطنية من جانب ومصالح قوى خارج تونس وقوى أجنبية (فرنسا، وأمريكا من جانب آخر، كل حسب تأثيره و هذه الموازنة ستأخذ جهداً كبيراً من حكومة يتوقع لها أن تكون ضعيفة.
"النهضة"
مثل فوز "حركة النهضة" أيضا مفاجآة فى ظل رفض غالبية الشعب التونسى لوجوده ضمن التركيبة السياسية التى ترسم مستقبل بلادهم، وفى الوقت نفسه قال عدة منافسين لحزب النهضة إنهم لن ينضموا لحكومة يقودها، ويواجه التونسيون احتمال إجراء مفاوضات مطولة وإمكانية إجراء انتخابات أخرى إذا لم يتسن الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية.
وقال حزب التيار الديمقراطي، إنه لن يشارك أيضا في حكومة تشكلها حركة النهضة، وقال محمد عبو رئيس حزب التيار الديمقراطي "سنكون معارضة جدية ومسؤولة".
ومن جانبه قال منذر قفراش ، عضو الحملة الوطنية التونسية: إن هناك3 إشكايات تواجة "النهضة" أول أزمة أنها لن تستطيع تكوين حكومة مايعني إعادة الإنتخابات و ثاني أزمة أنها خسرت مليون صوت ما يعني هزيمة كارثية لها، لأنها كانت في الإنتخابات السابقة كلها تتحصل على أكثر من 80 مقعدا، وثالث أزمة هو أن الأحزاب الفائزة كلها أجمعت على رفض التعامل مع النهضة بما فيها الحزب الثاني في الترتيب قلب تونس و الحزب الثالث الحزب الدستوري الحر و عبروا رسميا عن رفضهم التشاور مع النهضة بسبب علاقتها بالإرهاب و الفساد".
علاقة قيس والنهضة
حاز قيس سعيد ،على دعم حركة النهضة، فهل هذا سيضعه فى حرج ؟ خاصة أنه يفتقد للكتلة البرلمانية فى الوقت الذى أعلنت حركة النهضة التونسية في وقت سابق دعمها للمرشح الرئاسي قيس سعيد، بعدما تأكدت أن فرص مرشحيها فى الجولة الأولى قد انتهت وبات قيس سعيد الخيار الآمن بالنسبة لها خاصة بعد تصريحاته بأنه سيكون رئيسا لكل التونسيين.
موقفه من التيارات المتشددة
حرص قيس سعيد ، على إظهار استقلاليته السياسية، وعدم إبداء موقف واضح من تيارات إسلامية متشددة مثل حزب التحرير الذي لا يعترف بالدولة المدنية، ويدعو إلى إقامة دولة الخلافة و تحكيم الشريعة الإسلامية.
وشخصيات أخرى من روابط حماية الثورة، التي عرفت بخطابها المتشدد، واعتدت في مرات عديدة على تظاهرات سياسية لأحزاب، ومع ذلك دعمت قيس الذى لم يبد موقفا واضحا من علاقته بها وهذا ما أخذ عليه من قبل البعض، بينما اعتبر البعض الآخر أن محاولة رسم هذه العلاقة بمثابة حملة تشويه ممنهجة ضد قيس سعيد.
الملف الأمنى و الاغتيالات
وضمن أبرز التحديات يأتى الملف الأمنى، خاصة فيما يتعلق بملفات الاغتيالات، يرى بعض المحللين السياسيين أن قيس سعيد ، سيكون من الصعب عليه فتح الملفات الأمنية خاصة في وزارة الداخلية والمؤسسة العسكرية.
وتعود قضية الاغتيالات إلى عام 2013، حيث اغتال مسلحون متطرفون الزعيم اليساري ورئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين شكري بلعيد في السادس من فبراير ، وسط العاصمة التونسية، كما اغتيل النائب اليساري محمد البراهمي في يوليو من العام نفسه.
وأدى اغتيال البراهمي، إلى صدام سياسي حاد بين حركة النهضة التي كانت تقود الحكومة برئاسة على العريض، وفي وقت سابق نشرت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد، وثائق عن ما تعتقد أنه جهاز سري كان يتبع حركة النهضة ويقوم بالتجسس على مؤسسات الدولة واختراق الأجهزة الأمنية، وترجح أن يكون له صلات بتنفيذ عمليات الاغتيال.
وأيضا عملية اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) القائد الفلسطيني في تونس، تأتى ضمن ملف الاغتيالات السياسية بتونسوالتحدي الأمني فيه ما هو مرتبط بالسياسي وفيه ما هو مرتبط بالفساد أو كذلك بالوضع الاجتماعي.
وفيما يتعلق بوزارة الداخلية فقد عمل الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي الأسبق على تقوية وزارة الداخلية على حساب وزارة الدفاع التي أفرغها مادياً وعقدياً، وبدأ الظل الثقيل لوزارة الداخلية يغطي شيئاً فشيئاً مكامن الحياة في تونس.
وبعد الثورة، توجدات صراعات قوية داخل وزارة الداخلية، ولوزارة الداخلية أجنحة متعددة مستقلة بعضها عن بعض، كما أن تراخي الوزارة في القيام بواجبها الأمني بعد الثورة وفي لحظات حرجة جداً، زاد بشكل متعمَّد من الفوضى، وتطهير هذه الوزارة وإعادة هيكلتها يعد من أكبر التحديات الأمنية التي ستواجه أُولَى الحكومات الجديدة.
وكان الناخبون قد أنهوا الاقتراع بانتخابات الرئاسة أمس الأحد، هو ثالث انتخابات في تونس خلال خمسة أسابيع، إذ يأتي بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 15 سبتمبر وبعد الانتخابات البرلمانية قبل أسبوع.
تحديات خارجية
تنتظر قيس، أيضا تحديات على الصعيد الإقليمى والدولى فقد تعهد بأن تكون زيارته الأولى كرئيس للجزائر، التي تشهد هي الأخرى تغيرات سياسية عميقة، وتبقى تونس في تحد للحفاظ على علاقتها التاريخية بالجزائر، التي تعكرت في مرات سابقا بسبب تصريحات، أو سياسات لم تستحسنها الجزائر، ويتوجب على سعيد المحافظة ودعم هذه العلاقة التاريخية بين الشعبين، خاصة في الفترة الدقيقة التي تمر بها الجزائر حاليا.
حاول سعيد طمأنة للداخل والخارج، فى أول خطاب له بعد إعلان المؤشرات الأولية لفوزه مساء أمس، حيث أنه أكد على إلتزام تونس بتعهداتها الدولية، واتفاقياتها المبرمة سابقا قائلا بأن دولة يجب أن تستمر حتى لو تغير الأشخاص، كما أكد على أن تونس ستبقى دولة منفتحة على محيطها الإفريقي، وانتمائها العربي الإسلامي، وهويتها المتوسطية، داعيا إلى بناء علاقات جديدة قوامها الإحترام المتبادل
قيس والتطبيع
اعتبر سعيد أن التعامل مع إسرائيل خيانة عظمى، وكل من يطبع معها يحاكم بالخيانة العظمى ووعد بتقنين ذلك فى الدستور التونسي، مؤكدا على أحقية الفلسطينيين فى أراضيهم وتعهد بمنع دخول أي شخص يحمل جواز سفر إسرائيلي إلى التراب التونسي، حتى لو كان ذلك لإحياء حج الغريبة في جزيرة جربة التونسية، أحد أكبر طقوس اليهود في العالم، موضحا أن المشكلة مع الصهاينة لا مع اليهود.
فهل يستطيع قيس الوفاء بتلك التعهدات التى قطعها على نفسه أمام ناخبيه ؟