الحديث عن الموت ركن أساسى فى التراث الإسلامي، فمعظم خطب يوم الجمعة، تدور حول الموت وقصصه، ويعد ملك الموت فى التراث الإسلامى أبرز ملائكة الله وصاحب حضور كبير ومهم فى كتب التفسير، ومن قبل ذلك فى النص القرآنى ومنه قوله تعالى ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) وذلك فى سُورة السّجدة آية، وللعلم فإن التراث الإسلامى لا يعرف لـ ملك الموت اسما، يقول ابن كثير فى "البداية والنهاية الجزء الأول، وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه فى القرآن، ولا فى الأحاديث الصحاح، وقد جاء تسميته فى بعض الآثار بعزرائيل، والله أعلم.
لكن هل هو ملك واحدة مكلف بهذه المهمة أم أن ملائكة عدة مسئولين عن هذا الأمر، ذكرنا من قبل الآية رقم 11 فى سورة السجدة والتى فيها ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) لكن جاء فى آيات أخرى أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملَك واحد، كقوله تعالى: ( إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمى أَنْفُسِهِمْ ) وذلك فى سورة النساء الآية رقم 97، وكذلك قوله تعالى فى الآية رقم 27 من سورة محمد (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) وقوله تعالى (حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ) فى سورة الأنعام الآية رقم 61، ويذهب العلماء إلى أنه لا تعارض بين هذه الآيات ولا تناقض، وذلك لأن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد، إلا أن له أعواناً يعملون بأمره ويعينونه على ذلك .
ومما يدل على وجود أعوان لملك الموت ما رواه الإمام أحمد فى مسنده عن البراء بن عازب قال، قال النبى عليه الصلاة والسلام، (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِى إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ.. فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِى السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِى يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِى ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِى ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.. فَيَصْعَدُونَ بِهَا).
ويقول ابن جرير الطبرى : "إن قال قائل: أو ليس الذى يقبض الأرواح ملك الموت، فكيف قيل: (توفته رسلنا )، و"الرسل" جملة، وهو واحد ؟
قيل : جائز أن يكون الله تعالى ذكره أعان ملك الموت بأعوان من عنده، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت .
فيكون" التوفي" مضافًا إلى ملك الموت، كما يضاف قتلُ من قتله أعوانُ السلطان، وجلدُ من جلدوه بأمر السلطان، إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه، ولا وليه بيده".
وقال الإمام أبو المظفر السمعانى :
"فإن قيل : قد قال فى آية أخرى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ) السجدة /11، وقال هاهنا : ( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ) الأنعام /61، فكيف وجه الجمع ؟
قيل : قال إبراهيم النخعى : لملك الموت أعوان من الملائكة، يتوفَّوْن عن أمره ؛ فهو معنى قوله : ( توفته رسلنا )، ويكون ملك الموت هو المتوفى فى الحقيقة ؛ لأنهم يصدرون عن أمره، ولذلك نسب الفعل إليه فى تلك الآية. وقيل : معناه : ذكر الواحد بلفظ الجمع، والمراد به : ملك الموت. "
وقال القرطبي:
" والتوفى تارة يُضاف إلى ملك الموت، كما قال : ( قل يتوفاكم ملك الموت ) .
وتارة إلى الملائكة لأنهم يتولون ذلك، كما فى قوله : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ) .
وتارة إلى الله وهو المتوفى على الحقيقة، كما قال : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) " .
لكن ملك الموت فى التراث الإسلامى يأتى دائما مشحونًا بحكايات من الإسرائيليات، وهو ما ظهر بشكل كبير فى كتب التفاسير المختلفة، وربما يظهر ذلك بقوة في سير الأنبياء
سيدنا آدم
روى عن عكرمة أنه قال : رأيت فى بعض صحف شيث أن آدم عليه السلام قال " يا رب أرنى ملك الموت حتى أنظر إليه "، فأوحى الله تعالى إليه أن له صفات لا تقدر على النظر إليها وسأنزله عليك فى الصورة التى يأتى فيها الأنبياء والمصطفين فأنزل الله عليه جبريل و ميكائيل وأتاه ملك الموت فى صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح منها جناح جاوز السموات والأرض وجناح جاوز الأرضيين وجناح جاوز أقصى المشرق وجناح جاوز أقصى المغرب وإذا بين يديه الأرض بما اشتملت عليه من الجبال والسهول والغياض والجن والإنس والدواب وما أحاط بها من البحار وما علاها من الأجواء فى ثغرة نحره كالخردلة فى فلاة من الأرض وإذا له عيون لا يفتحها إلا فى مواضع فتحها وأجنحة للبشرى ينشرها للمصطفين وأجنحة للكفار فيها سفافيد وكلاليب و مقاريض، فصعق آدم صعقة لبث فيها إلى مثل تلك الساعة من انفراد ثم أفاق وكان فى عروقه الزعفران.
سيدنا إدريس
لما وصل إدريس إلى السماء الرابعة بعدما رفعه الله إليها، رأى ملك الموت جالسا، فلما رآه حرك رأسه تعجبا، فسلم عليه ادريس فقال له : " مالك تحرك راسك ؟ "، قال : " إن رب العزة أمرنى أن أقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة، فقلت: "يا رب كيف يكون هذا بينى وبينه أربع سماوات وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام" ثم قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة وهو قوله تعالى : " ورفعناه مكانا عليا " .
قصة داوود عليه السلام
ذكر ابن الأثير في كتابه "الكامل" أنه كان لداوود عليه السلام جارية تغلق الأبواب كل ليلة وتأتيه بالمفاتيح فيقوم إلى عبادته، فأغلقتها ليلة فرأت فى الدار رجلاً فقالت : من أدخلك الدار ؟ فقال : أنا الذى أدخل على الملوك بغير إذن، فسمع داوود قوله فقال : "أنت ملك الموت؟ " قال : "نعم"، قال : " فهلا أرسلت إلى لأستعد للموت؟"، قال : "قد أرسلت إليك كثيرا "، قال : "من كان رسولك؟"، قال : "أين أبوك وأخوك وجارك ومعارفك؟ " قال: "ماتوا"، قال : "فهم كانوا رسلى إليك، لأنك تموت كما ماتوا ! "، ثم قبضه.