انتهت النيابة من التحقيق فى القضية المشهورة تاريخيا باسم «العيب فى الذات الملكية»، يوم 16 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1930، المتهم فيها الكاتب والمفكر عباس محمود العقاد، ومحمد فهمى الخضرى، صاحب جريدة «المؤيد الجديد»، وأحالتها فى نفس اليوم إلى محكمة مصر الأهلية لقيدها وإعلان قرار الاتهام فيها، حسبما يذكر الدكتور راسم محمد الجمال فى كتابه «عباس العقاد فى تاريخ الصحافة المصرية».
كان «العقاد» وقتئذ نائبا فى البرلمان عن حزب الوفد، أما المتهم الثانى فهو، محمد فهمى الخضرى، صاحب جريدة المؤيد الجديد ومديرها، ووفقا للجمال: «تضمن قرار الاتهام محمد فهمى الخضرى الذى عاب علنا بصفته مديرا لجريدة المؤيد فى حق الذات الملكية بأن نشر مقالات فيها فى الأعداد، 21، 22، 25، 26، 33، 36 الصادرة فى سبتمبر 1930 تشتمل على عبارات العيب فى الذات المذكورة، وأن عباس محمود العقاد بصفته شريكا للمتهم فى الجريمة الآنفة الذكر اتفق معه على ارتكابها، بأن ألف المقالات المشار إليها، وسلمها إليه لنشرها.
بدأت السطور الأولى فى القضية يوم 17 يونيو 1930، حين أعلن مصطفى النحاس باشا استقالة حكومته أمام البرلمان.. يذكر الجمال: «وقف العقاد فى وسط الجو الحماسى الذى ساد مجلس النواب عقب إعلان مصطفى النحاس استقالة وزارته بطريقة مؤثرة، ليصيح: «اليوم فى البلاد حكومة دستورية تطلب صيانة الدستور فتوضع فى طريقها العراقيل والعقبات والحشرات التى لا تعيش إلا من دماء الأمة، فماذا تنتظر بعد هذا؟ هل هناك شك فى أنه من الواجب أن يصان الدستور؟ ألا ليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد أن يسحق أكبر رأس فى البلاد فى سبيل صيانة الدستور وحمايته».
يؤكد «الجمال»، أن هذا التهديد من العقاد للملك «فؤاد» قوبل من النواب بتصفيق حاد متواصل، جعل أحمد ماهر رئيس المجلس يدرك خطورة الأمر، فاعترض مضطربا: ما هذا يا أستاذ عباس؟.. أنا لا أسمح بمثل هذا الكلام، ولكن العقاد أصر على موقفه وسط تصفيق من النواب الوفديين.. وفى اليوم التالى، بدأ العقاد حملة عنيفة على الملك وحاشيته، كما بدأ حملة عنيفة ضد حكومة إسماعيل صدقى باشا التى خلفت حكومة النحاس المستقيلة، وذلك فى مقالات كتبها فى صحفيتى «كوكب الشرق» و«المؤيد الجديد»، ويرى «الجمال» أن هذه المقالات لم تتضمن فقط عيبا فى الملك، وإنما تضمنت فوق ذلك تحريضا على الثورة وقلب نظام الحكم والتخلص من أسرة محمد على كلها، وبلغ فيها قمة ثوريته فى دفاعه عن الدستور وعن استقلال البلاد».
انتهى العقاد من كتاباته يوم29 سبتمبر 1930، وفقا للجمال، واستدعته النيابة للتحقيق يوم 14 أكتوبر 1930، أى قبل أسبوع من حل البرلمان فى 22 أكتوبر وسقوط الحصانة البرلمانية عنه.. ويرى الجمال، إن ذلك كان دليلا على أن السلطات أرادت أن تعطيه الفرصة كاملة ليمضى فى طعن الملك، وتجد فى كتاباته ما يؤكد اتهامه بالعيب فى الذات الملكية، وفى الوقت ذاته توقع العقاد القبض عليه، ولو على سبيل الحجز الذى ينتهى بإفراج سريع.
يذكر العقاد فى كتابه «أنا»، أنه كان فى نيته السفر إلى لندن مع وفد من مجلس النواب لتمثيل مصر فى مؤتمر المجالس النيابية واستخرج جواز السفر لهذا الغرض، واشترى بالفعل دليل لندن ودليل العواصم الأوروبية التى كان ينوى زيارتها، ولم يتبقَ إلا تذكرة السفر والاتفاق على الموعد واللحاق بزملائه الذين سبقوه، غير أنه تراجع، قائلا: إذا سافرت قد أمهد بيدى وسيلة لنفيى فى أوروبا سنوات بلا عمل، ولا قدرة على البقاء فى ذلك الجو القارس أيام الشتاء، وربما كان منع عودتى أسهل على الوزارة من محاكمة قد تنتهى بالبراءة أو بعقوبة لا ترضيها، فعدلت عن السفر فى اللحظة الأخيرة، وقلت إن السجن أحب من النفى الذى لا عمل فيه، ولا ضمان للصحة ولا للحياة.
استدعته النيابة للتحقيق يوم 14 أكتوبر.. وحضر معه عدد من كبار الوفديين القانونيين حضروا معه التحقيق، أمثال، محمد نجيب الغرابلى، ومحمد صبرى أبوعلم، ومحمود سليمان غنام، وبعد انتهاء التحقيق أمرت النيابة باعتقاله بعد أن وجهت إليه العيب فى الذات الملكية.. وفى 16 أكتوبر 1930 انتهت النيابة من التحقيق فى القضية، وأحالتها فى اليوم نفسه إلى محكمة مصر الأهلية لقيدها وإعلان قرار الاتهام.