تناول الفنان منير مراد سحوره استعدادا للصوم يوم 17 أكتوبر، مثل هذا اليوم 1981، وبعد الفجر توفى وعمره 59 عاما، مواليد 13 يناير 1922، كان صومه فى هذا اليوم عادة ندر نفسه عليها وفاء لشقيقه الأكبر إبراهيم الذى توفى يوم 17 أكتوبر 1971.
رغم قيمة «مراد» الرفيعة فى تاريخ الفن المصرى، إلا أن خبر موته كان بضع سطور فى صحيفة الأهرام يوم 18 أكتوبر 1981، حيث كانت مصر تعيش ظرفا استثنائيا وقتئذ بسبب اغتيال الإرهابيين للرئيس السادات يوم 6 أكتوبر جاءت بعد 11 يوما فقط من اغتيال الرئيس السادات «6 أكتوبر 1981» أثناء العرض العسكرى احتفالا بانتصارات أكتوبر، فليس من المنطقى أن يبقى الأمر كذلك لفنان شامل وصفوه بالعفريت، لأنه جمع بين العديد من عناصر الفن السابع.. «كان يرقص ويمثل ويغنى ويقلد ويؤلف الأفلام ويلحن ويعزف»، حسبما يذكر الكاتب الشاعر والباحث، وسام الدويك فى كتابه «التياترجى – منير مراد»، وهو كتاب توثيقى مهم صادر عن «المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة».
ولد منير مراد، فى أسرة كان الفن عنوانها.. الأب هو «زكى مراد» الموسيقى والمطرب فى سنوات العشرينيات من القرن الماضى، وأخته ليلى مراد، الاستثنائية فى تاريخ الفن العربى، ووفقا للكاتب الروائى صالح مرسى فى كتابه «ليلى مراد»: «كان زكى مراد يستقبل كل ليلة مجموعة من شباب الفن مثل رياض السنباطى، محمد القصبجى، سيد شطا، داود حسنى، زكريا أحمد، وفى بعض الأحيان كان يأتى عبد الوهاب.
هكذا كان الفن يفرض نفسه، وبوصف «الدويك»: فى هذه الأجواء تربت أسماع ومشاعر أبنائه وبناته، يضيف: فى هذا البيت الذى كان يرتاده الشيخ زكريا أحمد، والقصبجى، وداود حسنى وغيرهم، تربى ونشأ منير وكان يسمعهم وهم يعزفون، ويغنون التواشيح والأدوار القديمة والمواويل، وما كان منه إلا أن حفظ هذه الأعمال عن ظهر قلب.. ينقل عن منير، أنه كان يدخل إلى غرفة «المسافرين» أو «الصالون» بعد أن يذهب ضيوف أبيه من الفنانين ليمسك بالآلات التى كانت موجودة، ويبدأ العزف.
هكذا كانت بدايات التكوين الفنى لمنير مراد، تخلله فى تجارب الحياة عمله فى مجال التجارة إلى أن تعرف على المخرج «توجو مزراحى» الذى ألحقه بالعمل معه فى الماكياج والتصوير والإخراج، ثم اقتحم السينما فى أوائل الخمسينيات من القرن الماضى، بتقديمه كل فنون الاستعراض والمحاكاة فى أفلامه فى تلك الفترة التى قدمت خلالها أعمال تتسم فى أغلبها بالشجن من مطربين كبار أمثال عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وفقا للدويك.
من بين صنوف إبداعه يبقى دوره فى فن المحاكاة أوالتقليد مدهشا، كما يبقى دوره فى الموسيقى العربية هو الأكثر نضارة وإبداعا فائق الجودة. عن فن المحاكاة يذكر دويك أنه لم يقم بمحاكاة نبرة الصوت أو حتى حركات الفنان فقط، بل إنه يجعل المتلقى يعيش فى «جو كامل» خاص بمن يقوم بتقليده، فعلى سبيل المثال فى الاستعراض الشهير «هنا القاهرة» من فيلم «أنا وحبيبى» كان يقدم لكل مطرب بمقدمة لحنها هو بأسلوب ألحان هذا المطرب، خاصة أهم كانوا جميعا ملحنين عدا ليلى مراد، هذا إلى جانب محاكاته للحركات وأسلوب المشى وملامح الوجه.
أما فى الموسيقى فألحانه كانت تسبق عصرها.. والشاهد أعماله لشادية أبرزها «يا دبلة الخطوبة، ومقدرش أحب اتنين، خمسة فى ستة، واحد اتنين، على عش الحب، يا دنيا زوقوكى، إن راح منك يا عين، القلب معاك، ألو ألو، دور عليه، سونة يا سسنسن، سوق على مهلك، على عش الحب، سيد الحبايب، شبك حبيبى، يا سارق من عينى النوم.
وقدم لعبد الحليم حافظ «أول مرة تحب يا قلبى، استعراض الطلبة، وبكرة وبعده، بحلم بيك، حاجة غريبة، دقوا الشماسى، ضحك ولعب، مشغول وحياتك مشغول، وحياة قلبى وأفراحه، وقدم لوردة الجزائرية أغنية «من يوميها»، ولفايزة أحمد «شغلونى عيونك، وبغير عليه، ولشريفة فاضل، فلاح كان ماشى بيغنى، والشيخ مسعود، أنا قلبى بابه حنين، حارة السقايين، الليل، وقدم لمحمد قنديل «زعلوا الأحباب، ولمحرم فؤاد»شفت الحب»، ومحمد رشدى «كعب الغزال، وقدم لأخته ليلى مراد طبيب القلب، وراح الهوى، ياما وياما، وأنا زى ما أنا وأنت بتتغير.. وفى الديالوج قدم «الدنيا حلوة لشادية وكمال الشناوى، وسوق على مهلك سوق، لشادية وكمال الشناوى، و«أنا وحبيبى، لشادية وبمشاركته وآلو آلو لشادية وفاتن حمامة، و«تعال أقول لك لشادية وعبد الحليم حافظ، وقلبى ياغاوى، لفؤاد المهندس وشويكار». قدم منير مراد هذه الألحان بفهم عميق للموسيقى الغربية وتذوق عن حب وعلم للموسيقى العربية، فاستطاع أن يقدم أفضل مزيج من لقاء موسيقى الغرب بالشرق، حسب رأى الناقد والمؤرخ الموسيقى كمال النجمى.