أدى الزعيم مصطفى كامل، صلاة الجمعة بالجامع الحميدى فى الآستانة عاصمة الدولة العثمانية يوم 30 أكتوبر «مثل هذا اليوم 1896»، وبعد الصلاة طلب الخليفة العثمانى «عبدالحميد الثانى» أن يراه، حسبما يؤكد أحمد شفيق باشا «رئيس ديوان الخديو عباس الثانى» فى الجزء الثانى من مذكراته، مضيفا: «قام إلى الآستانة فوصلها يوم 27 أكتوبر، ونزل بفندق «بيرا بالاس» ضيفا على جلالة السلطان، وفى اليوم التالى دعى بواسطة «الباشكاتب» لحضور حفلة السلاملك «استقبال الضيوف» يوم الجمعة «30 أكتوبر»، فلبى الطلب وأدى فريضة الجمعة فى الجامع الحميدى، وبعد الصلاة أعلمه الباشكاتب بأن الخليفة يود رؤيته».
كان مصطفى كامل، ابن 22عاما «مواليد 14 أغسطس 1874»، وحصل على إجازة ليسانس الحقوق من فرنسا عام 1894، ووفقًا لفتحى رضوان فى كتابه «مصطفى كامل» انتهت صفحة التلميذ القلق، لتبدأ صفحة السياسى المثير لحب أنصاره وقلق أعدائه، وأصبح قادرًا على أن ينزل بقاربه الصغير إلى محيط الحياة العامة، لا فى مصر وحدها بل فى الدنيا قاطبة».. يكشف «شفيق باشا»: «كان الخديو فى حاجة للاستعانة على الإنجليز بالقوة الوطنية، فاتفق مع مصطفى كامل على تشكيل لجنة سرية من بعض الشبان الممتازين بالوطنية ممن تلقوا التعليم العالى فى مصر والخارج».
يؤكد أحمد لطفى السيد فى مذكراته «قصة حياتى»: «كان الخديو عباس الثانى يظن أن فرنسا تستطيع أن تؤلب الدول على إنجلترا، لتجلو عن مصر»..وبعد أول لقاء له مع الخديو يتذكر: «اجتمعت أنا ومصطفى كامل وبعض زملائنا فى منزل محمد فريد، وألفنا الحزب الوطنى كجمعية سرية رئيسها الخديو، وأعضاؤها: مصطفى كامل، محمد فريد، سعيد الشيمى ياور الخديو، محمد عثمان» والد أمين عثمان باشا «ولبيب محرم» شقيق عثمان محرم باشا، وأنا، ومن طرائف ما يذكر عن هذا الحزب أن الخديو كان اسمه بيننا «الشيخ»، ومصطفى كامل «أبوالفداء» وأنا «أبومسلم».
تكشف تلك الحقائق عن النظرة التى سادت وقتئذ حول كيفية التخلص من الاحتلال الإنجليزى لمصر، حيث رأى الخديو عباس الثانى خديو مصر من «8 يناير 1892 إلى 19 ديسمبر 1914» فى بداية حكمه»، ومعه مصطفى كامل وآخرون أن الاستناد إلى حليف خارجى قوى هو الوسيلة المثلى لتحقيق هدفهم، وكان ذلك يتم فى توقيت كان التمسك بتبعية مصر للخلافة العثمانية مازالت فى قوتها.
فى هذا السياق، جاء لقاء مصطفى كامل بالخليفة العثمانى، ووفقًا لرواية «شفيق باشا»، بعد أن أدى مصطفى كامل صلاة الجمعة فى الجامع الحميدى» أعلمه الباشكاتب بأن الخليفة يود رؤيته، ولما مثل بين يدى جلالته قال له السلطان: «كنت أظنك رجلا كبير السن، ولكنك لاتزال فى حداثة العمر فبارك الله فيك»، فأجابه على الفور: «إن شعور المسلمين جميعًا نحو الخليفة والخلافة كبير جدًا، ويستوى فيه الصغير والكبير»، فسأله جلالته: «أين تعلمت؟» فأجاب: «تعلمت فى مصر وأمضيت امتحانات الحقوق فى فرنسا، ونلت شهادة من جامعة تولوز»، فقال له السلطان: «إنك إذاَ محام»، فأجابه مصطفى: «نعم يامولاى، إنى محام عن قضيتين مهمتين، قضية مصر خصوصًا، وقضية المسلمين عمومًا، أما قضية مصر فالعالم الأوروبى مستعد أن يساعدنا فى حلها وانصراف الاحتلال عنها، ولكنها مسألة يعرف كل المصريين أن جلالتكم صاحبها وسيدها، وأملنا عظيم فى أن خليفتنا المحبوب يبدأ بما يحقق آمالنا».
ابتسم الخليفة، وقال لمصطفى: «إنى أحب لك أن تزور الآستانة كثيرا، وتتعلم اللغة التركية».. أبدى الخليفة هذه الرغبة لأن «الباشكاتب» كان يقوم بالترجمة بين الاثنين، وحسب شفيق: «أحنى مصطفى رأسه وقال: «إن حب الخليفة لأخلص حب، وسيكون ما أراد بمشيئة الله».. فأذن له جلالته بالانصراف، وعندما تقدم لتقبيل يده قال له: «إنك ستكون كبيرا جدا فى زمن قريب ما دمت على هذا الإخلاص، وفى أول نوفمبر قابل الباشكاتب تلبية لدعوته، وقال له: «إن السلطان يخيرك بأن لك الحق فى مقابلة من تشاء، كأنك فى بلدك أوفى أى بلد أوروبى».. وسأله الباشكاتب عن النياشين أو الرتب التى يحملها فأجابه بالنفى قائلا: «إنى حر، والأحرار لا يميلون لهذه الألقاب»، وعند ذلك دخل الباشكاتب، وخرج حاملا إليه تمنيات الخليفة وتحياته، وكذلك حمل إليه علبة سجائر من الذهب والفضة مرصعة بالماس والجواهر والأحجار الكريمة.. وغادر الآستانة فى 11 نوفمبر فوصل إلى الإسكندرية فى 15 منه، وفى مدة شهرين نال رتبة المتمايز والنيشان المجيدى الثانى والرتبة الأولى صنف ثان العملية تقديرا من الخليفة له».
يرفض فتحى رضوان اتهام مصطفى كامل بأنه كان يدعو للولاء لتركيا، ويريد مصر ولاية عثمانية، ويستشهد بما قاله كامل فى خطبة الوداع يوم 22 أكتوبر 1907«توفى يوم 10 فبراير 1908»: «رمانا الطاعنون بأننا نريد أن نخرج الإنجليز من مصر لنعطيها لتركيا كولاية عادية، أى أننا نريد تغيير الحاكمين ولا نطلب الاستقلال والحكم الذاتى، هذه التهمة قضاء على الأمة المصرية بأنها لا ترقى أبدا ولا تبلغ غيرها من الشعوب، لأنه إذا كان المتعلمون من أبنائها يطلبون إحلال نير محل نير واستبدال استعباد باستعباد آخر، فكيف يطمع طامع فى تقدمها وارتقائها ووجود خير وطنى لها».