نهاية النفوذ الأوروبى.. كيف اتفقت واشنطن وخصومها على تهميش أوروبا عبر إقصاء ماكرون؟.. الصين وإيران يرفضان دور باريس للحصول على تنازلات أمريكية.. والمواقف المناوئة للقارة العجوز تمثل محاولة للوصول لصفق

تحذير صينى، استبقت به بكين الزيارة التى بدأها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، أمس الاثنين، من التدخل فى أزمة هونج كونج، باعتبارها شأنا داخليا، لتقطع به الطريق أمامه لمواصلة رحلته نحو البحث عن دور قيادى فى العالم، لإرضاء طموحاته التى تدور حول استعادة الأمجاد الامبراطورية لباريس، بعدما توارى دورها لسنوات، ليس فقط على المستوى الدولى، ولكن أيضا داخل الحدود الإقليمى، فى ظل اعتماد الإدارات الأمريكية على حلفاء أوروبيين أخرين ليكونوا بمثابة أذرعها فى القارة العجوز، وعلى رأسهم بريطانيا، ثم ألمانيا، والتى أصبحت الحليف الرئيسى لواشنطن فى القارة الأوروبية خلال حقبة إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، ليضع الرئيس الفرنسى على عاتقة مسئولية استعادة النفوذ الفرنسى عبر العديد من المسارات، من بينها خلافة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى قيادة الاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى مزاحمة القوى الدولية الكبرى فى القيام بدور مؤثر فى القضايا الدولية الكبرى. ولعل التحذير الصينى لماكرون بعدم التدخل فيما يتعلق بمسألة هونج كونج، تمثل صفعة للجهود الفرنسية، الهادفة لتوسيع نطاق الدور الذى يمكن أن تلعبه باريس على الساحة الدولية، خاصة وأنها جاءت بعد أيام قليلة من تصريحات أخرى أدلى بها المرشد الإيرانى على خامنئى، وصف خلالها الرئيس الفرنسى بـ"الساذج"، لسعيه لدفع الحوار بين واشنطن وطهران، مؤكدا أن الحوار مع الإدارة الأمريكية ليس بين الخيارات المطروحة على المائدة الإيرانية، فى ظل استمرار العقوبات الأمريكية، والتى بدأت منذ العقوبات التى أعلنها ترامب فى أعقاب الانسحاب من الاتفاق النووى فى مايو 2018. اتفاق ضمنى.. إقصاء أوروبا هدف واشنطن وخصومها وعلى الرغم من الاختلاف الجذرى بين قضيتى هونج كونج، والمسألة الإيرانية، إلا أن ثمة تشابه يبدو ملفتا للانتباه بصورة كبيرة، وهو أن الأطراف الفاعلة فى كلا منهما (الصين وإيران) بمثابة خصوم رئيسيين للولايات المتحدة، فى ظل إجراءات متواترة اتخذتها إدارة ترامب بصددهما، سواء على المستوى التجارى، على غرار التعريفات الجمركية التى فرضها الرئيس الأمريكى على بكين، أو على المستوى السياسى، كما هو الحال فى مسلسل العقوبات الأمريكية على طهران، والتى كانت سببا رئيسيا فى تدهور الأوضاع الاقتصادية فى الداخل الإيرانى بصورة كبيرة فى الأشهر الماضية، إلا أن موقفهما تجاه باريس يبدو متوافقا إلى حد كبير من الموقف الأمريكى، وهو ما بدا واضحا فى العديد من المواقف السابقة، وعلى رأسها عدم قبول واشنطن بقيام ماكرون بدور الوسيط مع إيران، مفضلا عليه رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى. وهنا يتجلى اتفاق ضمنى بين واشنطن وخصومها على إقصاء ماكرون، ومن وراءه أوروبا، من القيام بدور بارز فى المرحلة المقبلة، خاصة وأن الرئيس الفرنسى يبدو متيما بالوحدة الأوروبية وهو الأمر الذى لا يروق للرئيس ترامب، بينما تبقى القارة العجوز طرفا غير موثوق به بالنسبة لخصوم أمريكا، بسبب مواقفها التاريخية، والتى قامت فى الأساس على التوافق مع الرغبات الأمريكية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كانت السياسات الأوروبية تدور فى فلك الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ ذلك الحين، مقابل الحماية الأمنية والضمانات الاقتصادية التى قدمتها أمريكا لحلفائها الأوروبيين لعقود طويلة من الزمن. تشكيل أطراف الصراع.. أمريكا تتخلى عن أوروبا فى تحركاتها ولعل المتابع للمواقف الدولية التى تبنتها واشنطن منذ صعود ترامب إلى عرش البيت الأبيض، نجد أنها حملت قدرا كبيرا من التهميش للقارة العجوز، وهو ما بدا واضحا فى التطورات التى شهدتها قضية كوريا الشمالية، حيث بدا واضحا إقصاء القارة العجوز، عن أى دور سواء فيما يتعلق بالوساطة، والتى اعتمد فيها الرئيس الأمريكى كوريا الجنوبية للقيام بهذا الدور، كما أن القوى الأوروبية لم تلعب دورا يذكر فى المفاوضات التى لحقت ذلك، على عكس الإدارات السابقة، التى كانت دائما ما تلجأ إلى الحلفاء بالقارة العجوز، لإضفاء شرعية على كافة الاتفاقات التى أبرمتها، وعلى الاتفاق النووى الإيرانى، والذى لم يتحرك فيه أوباما بشكل ثنائى، مع طهران، وإنما اتجه إلى النهج الجماعى عبر اتفاقية ضمت دولا أخرى، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وألمانيا (حلفاء واشنطن)، بالإضافة إلى الصين وروسيا (أكبر داعمى طهران). ويعد حديث ترامب عن رغبته فى إبرام اتفاق جديد مع إيران، مع توسيع المشاركة، بحيث لا تقتصر على الدول المذكورة، بالإضافة إلى دعم الوساطة اليابانية على حساب فرنسا، دليلا دامغا على رغبة الإدارة الحالية فى إقصاء أوروبا، التى أصبحت، فى رؤية الإدارة الحالية منافسا للولايات المتحدة على قمة النظام الدولى. ولا يقتصر الموقف الأمريكى من فرنسا، أو أوروبا بشكل عام، على مجرد موقف ترامب المناوئ للاتحاد الأوروبى، وإنما يتجاوز ذلك إلى تشكيل أطراف الصراع الدولى الجديد على قمة العالم، حيث سعى البيت الأبيض إلى وضع المزيد من القيود على القارة العجوز، ليس فقط من خلال تهميشها، ولكن أيضا عبر تقويض الصفقات القديمة، من خلال حرمان الأوروبيين من المزايا الاقتصادية التى طالما منحتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة للقارة، وهو ما بدا فى فرض التعريفات الجمركية على الصادرات الأوروبية، بالإضافة إلى التلويح بالانسحاب من الناتو، وهو ما يمثل تهديدا أمنيا خطيرا، فى ظل عدم قدرة الجيوش الأوروبية على مجابهة التحديات الخطيرة، وعلى رأسها تنامى ظاهرة الإرهاب. السعى نحو صفقة.. خصوم واشنطن يقبلون بشروطها يبدو أن مواقف خصوم واشنطن (الصين وإيران) تجاه الدور الفرنسى، المدعوم من أوروبا، يمثل محاولة جديدة للوصول إلى صفقة مع الولايات المتحدة، فى ضوء قدرة الرئيس ترامب على عقد الصفقات، وذلك بالرغم من التصريحات العدائية المتبادلة بين الجانبين، سواء على خلفية الحرب التجارية أو الاتفاق النووى، خاصة وأن هناك أحاديث أخرى تدور بين الحين والأخر حول إمكانية التوصل إلى اتفاق، وهو ما يبدو واضحا فى القبول الإيرانى للوساطة اليابانية، فى إشارة صريحة لاستعداد طهران التخلى عن الاتفاق النووى، رغم التصريحات الرسمية التى تأتى عكس ذلك. وهنا يمكننا القول إن أوروبا خسرت رهانها، ليس فقط على الحليف الأمريكى، والذى يبقى الداعم الأول لانهيار الاتحاد الأوروبى، ولكن أيضا على خصوم واشنطن، الذين ربما أدركوا أن القارة العجوز لم تعد لديها الأوراق التى يمكنها مساندتهم بها، بعدما أزالت واشنطن دعمها لها، فى الأشهر الماضية، كما أنهم يرغبون كذلك فى الوصول إلى صفقة يمكنهم من خلالها تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية فى المرحلة الراهنة.






الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;